بعد عرضٍ لكتابي "American Islamophobia: Understanding the Roots and Rise of Fear" في جامعة نيويورك الأميركية، طرح طالب جامعي يصف نفسه بأنَّه "تقدمي ومؤمن بتداخل التمييز الجنسي والديني ضد الفئات المهمشة" سؤالاً يقول فيه: "متى سيتحرك المسلمون ويُصلحون الإسلام؟".
كان الطالب يرتدي قميصاً مكتوباً عليه "Black Lives Matter"، أو "حياة السود مهمة"، شعار الحملة المناهضة للعنف، ومجموعة ملونة من الدبابيس والرقعات على حقيبة ظهره المموهة تدعو إلى تحقيق "المساواة الآن"، ويزعم أنَّ "المستقبل للأنثى". وكان الشاب تقدمياً سياسياً، بدا ذلك من تعبيراته والعدد الذي لا يحصى من التصريحات السياسية التي كان يرتديها بفخر. وبالتأكيد، فإنَّه يُمثل تجمعاً مُتزايداً من اليساريين الذين يتبنون مبادئ تقدمية، ومع ذلك يرون أنَّ الإسلام مُعاد للقيم الليبرالية ويتعارض مع الهوية الأميركية.
الحركة اليسارية مُشبعة بالنُقَّاد والأشخاص الذين يقدمون أنَّفسهم على أنَّهم مُثقفون مشهورون، ممن يقولون إنَّ الإسلام لن يتغير، وأنَّ المسلمين يجب أن يختاروا بين المبادئ الليبرالية وإيمانهم، وكما يقول الطالب الجامعي الذي قابلته في مارس/آذار، إنَّ الإسلام هو دين بحاجة إلى "الإصلاح".
وتحتل مجموعة متنوعة وانتقائية من كارهي الإسلام البارزين اليسار. وهؤلاء الليبراليون من كارهي الإسلام، مثل بيل ماهر وسام هاريس، يستخدمون الإلحاد كسلاح، كأيديولوجية لا تشوه فقط الأبعاد الروحية للإسلام، بل تشيطنه أيضاً بما يتماشى مع المصطلحات الاستشراقية والسياسية الموجودة منذ وقتٍ طويل. وبالنسبة إلى هؤلاء المُلحدين الجدد، فإنَّ الإسلام غير منطقي لأنَّه دين، ولكنَّه على عكس الأديان الأخرى يُشكل مصدر تهديد واضحاً لأنَّه يتعارض مع القيم الليبرالية.
وترديداً لما قاله صامويل هنتنغتون، ووالد الإسلاموفوبيا الحديثة برنارد لويس، كَتَبَ هاريس: "في حين أنَّ الأديان الرئيسية الأخرى في العالم كانت بمثابة مصادر خصبة لعدم التسامح، فمن الواضح أنَّ عقيدة الإسلام تطرح مشاكل فريدة أمام إقامة حضارة عالمية".
يُعد هاريس، رأس حربة حركة الإلحاد الجديدة ذات الجاذبية الواسعة في اليسار، هو الدعامة الأساسية في برنامج "Real Time With Bill Maher" الذي تنتجه شبكة HBO التلفزيونية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تأثير هاريس على ماهر، وهو ربما يكون أكثر كارهي الإسلام الليبراليين شهرةً ووحشيةً، يظهر بشكلٍ روتيني في برنامجه الأسبوعي، وهو برنامج يُشاهده التقدميون على نطاقٍ واسع، ويحظى بشعبيةٍ واسعة بين الليبراليين المُثقفين، والعالميين، والذين ينتمون للطبقة المتوسطة.
قال ماهر ذات مرة، وأعلن أيضاً في مرةٍ أخرى أمام جمهورٍ حي: "العالم الإسلامي لديه الكثير من القواسم المُشتركة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). الإسلام هو الدين الوحيد الذي يعمل مثل المافيا، التي ستقتلك إذا قلت شيئاً خاطئاً". هذه آراء كانت في وقتٍ من الأوقات تخلط بين مجموعةٍ دينية شديدة التنوع مكونة من 1.6 مليار من المؤمنين وبين شبكةٍ إرهابية، وتُشبه ديناً بمشروع إجرامي. لم يكن هذا الرأي مختلفاً كثيراً عن هذا الذي أدلى به الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء حملته الانتخابية، مُحذراً من أنَّ اللاجئين الفارين من سوريا التي مزقتها الحرب "يمكن أنَّ يكونوا تابعين لتنظيم داعش"، أو بشكلٍ أوسع أنَّ "الإسلام يكرهنا".
تنبع هذه التصريحات من الفكرة الأساسية للإسلاموفوبيا، وهي أنَّ الإسلام حضارة أكثر من كونه ديناً، والمسلمون هم كتلة مُتجانسة تُمثل ممارستهم الحرة للدين تهديداً. ولكن ما هو الفرق الوحيد؟ الفرق هو أنَّ ترمب ينشر هذه الآراء بين قاعدة يغلب عليها الطابع المحافظ، بينما يروجها ماهر بين جمهورٍ تقدمي.
وإذا كان ترمب هو جالب الحظ الشهير للإسلاموفوبيا من داخل اليمين، فإنَّ ماهر هو نظيره الرمزي من اليسار.
وتماماً مثل ترمب، فإنَّ التحريفات المشحونة للإسلام والإدانات بحق المسلمين التي روج لها هاريس وخصوصاً ماهر تصل إلى ملايين اليساريين والتقدميين، وكما يتضح من التصفيق الصاخب، أو التقييمات التلفزيونية، أو أسئلة طلاب الجامعات، فإنَّها تلقى صدىً لديهم. وبالنسبة إلى هؤلاء الليبراليين كارهي الإسلام، مثلهم مثل نظرائهم في اليمين، فإنَّ "المسلمين هم شخصياتٌ غير ليبرالية في جوهرها". حسبما قال يوسف بيكر، الباحث في جامعة لونغ بيتش الأميركية. ومن وجهة النظر هذه، يُشكل وجود المسلمين وتعبيرهم عن العبادة تهديداً للقيم الليبرالية.
كانت هذه الجبهة المُلحدة الجديدة مُحركاً رئيسياً للإسلاموفوبيا في اليسار، ولكنَّها بالكاد المصدر الوحيد. إذ تنشر الإسلاموفوبيا كذلك في تيار اليسار مجموعة متزايدة من المُخبرين المحليين، الذين يستغلون هويتهم الدينية والعنصرية كشكلٍ من أشكال الخبرة.
ويستفيد ماجد نواز من وضعه "كإسلاموي سابق"، وبشرته السمراء، وارتباطه بهاريس، لينشر الخوف من الإسلام في أوساط الدوائر العالمية الكبيرة والجماهير الليبرالية. وتتبنى مُؤسسته Quilliam مذهب الإسلاموفوبيا الذي يعتبر أنَّ التطرف ظاهرة إسلامية فريدة، وصرح نواز بأنَّ "الإسلاموية هي أكبر شكل من أشكال التطرف"، وأعرب عن تأييده لبرامج حفظ النظام المُدمرة التي أدت إلى تآكل الحريات المدنية للمسلمين في المملكة المتحدة. وبمساعدة هاريس، تمكن نواز من توسيع دائرة تأثيره إلى الولايات المتحدة.
وانضم إلى نوماني ونواز إرشاد منجي، وزهدي جاسر، ومجموعة كبير من الناقدين المسلمين والمسلمين السابقين المُتمسكين بشدة بالرسائل المستندة إلى أفكار الإسلاموفوبيا ومبادئها، مثل أنَّ الإسلام يرفض بشكلٍ واضح المثلية ولا يمكن التوفيق بينه وبين القيم الغربية، وهي أفكار تلقى صدىً عميقاً في المجتمعات الليبرالية المُختلفة.
وحتى آيان حرسي علي، التي أصبحت الآن أكثر انسجاماً مع اليمين، تستغل بشكلٍ إستراتيجي القيم الليبرالية الظاهرية، مثل الحركة النسوية، لتحريك الجماهير ذات الميول اليسارية لتبني الموقف بأنَّ الإسلام، غير القابل للتغيير من كافة النواحي، هو دين مُتحيز جنسياً وأبوي صارم. وبعيداً عن هذه الشخصيات المعروفة، تظهر داخل صفوف اليسار موجة جديدة من الشخصيات الليبرالية الظاهرية التي تؤيد سياسات الإسلاموفوبيا الهيكلية، بما في ذلك سياسات مكافحة التطرف.
إنَّ الإسلاموفوبيا الليبرالية في تصاعد، في الولايات المتحدة وخارجها، وتتفشى بسرعة في الخفاء بينما تمتد مخالبها في اليمين في شكل خطابٍ رئاسي، وحظر سفر ترعاه الدولة، وتوسيع آليات المراقبة. ومع ذلك، قد نجد أنَّ الإسلاموفوبيا الليبرالية أكثر خبثاً من التعصب الأعمى الذي يتبناه الجمهوريون المتشددون، والمحافظون الرجعيون، خاصةً إذا واصلنا تجاهل تصاعدها على شاشات التلفزيون، وفي الجامعات، والفضاءات الليبرالية.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.