عن الشباب في الانتخابات التركية

عدد القراءات
3,150
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/25 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/25 الساعة 16:32 بتوقيت غرينتش

التقى أردوغان، الخميس 24 مايو/أيار 2018، أصغر مرشح للانتخابات البرلمانية، أليف نور بايرام، الطالبة بالثانوية في مدينة كوجالي، وهي الشابة التي اشتهرت إعلامياً وباتت رمزاً باعتبارها أصغر المرشحين، رغم أن حزب العدالة والتنمية نفسه قد رشح شاباً آخر بعمر الـ18 هو إبراهيم أنس دوروآي من أنقرة.

سريعاً، أصبحت الشابة أليف نور رمزاً لجيل الشباب الذي قدَّمته الأحزاب التركية المختلفة على قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصاً حزب العدالة والتنمية، الذي قدَّم 57 مرشحاً تحت سن 25 عاماً من 600 مرشح إجمالي بنسبة 9.5%، في حين لا توجد إحصاءات دقيقة لمرشحي باقي الأحزاب من الشباب.

فقد خفّض حزب العدالة والتنمية سن الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2006 من 30 إلى 25، ثم عاد وخفّضه في الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري في أبريل/نيسان 2017 إلى 18 عاماً، بعد أن كانت سن الاقتراع قد خُفِّضت أيضاً عام 1987 من 21 إلى 20، ثم عام 1995 إلى 18 عاماً.

وعليه، فسنُّ 18 عاماً هو الحد الأدنى للترشح والانتخاب على حد سواء، ما جعل ملايين الشباب في بؤرة اهتمام مختلف الأحزاب وليس فقط "العدالة والتنمية"؛ فقد رشح حزب الشعب الجمهوري مثلاً الشاب إسماعيل حقي غل (18 عاماً) على قائمته في مدينة أنطاليا.

إلا أن "العدالة والتنمية" يبقى السبّاق في هذا المضمار، فهو الحزب الذي بدأ كمجموعة شبابية إصلاحية خرجت من حزب الفضيلة الذي أمسك بتلابيبه الحرس القديم. وهو الذي قدَّم أصغر الشخصيات السياسية في البلديات والبرلمان والوزارات؛ فعلى سبيل المثال كان الوزير السابق سعاد كيليتش أصغر برلماني في دورة 2002 عن عمر 26، وعلي باباجان أصغر وزير عن عمر 35، كما أصبحت فاطمة بتول كايا وزيرة للعائلة والسياسات الاجتماعية في عمر 35.

يشكل الشباب أحد أهم عناوين الانتخابات المقبلة، كما سابقاتها، لسببين مهمين:

الأول، أنهم لم يعرفوا ويعايشوا تركيا ما قبل "العدالة والتنمية"؛ ولذلك فالتزامهم بالتصويت له يختلف عن التزام كبار السن الذين عاشوا الانقلابات والحكومات الائتلافية وحكم الأحزاب الأخرى. وهو ما يستوجب اهتماماً خاصاً وخطاباً مناسباً من المرشحِين الرئاسيِّين والأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

الثاني، أعدادهم، حيث يشارك في الانتخابات المقبلة مليون و585 ألف شاب، يقترعون للمرة الأولى، وينضمون إلى ملايين أخرى من الشباب، ليُكوِّنوا كتلة تصويتية مهمة، وقادرة على حسم نتيجة الانتخابات في ظل التوازنات الكثيرة التي تحكمها. فعلى سبيل المثال، شارك في الاستفتاء الشعبي العام الماضي (2017) نحو مليوني شاب اقترعوا بدورهم للمرة الأولى، وهو رقم كبير بكل المقاييس.

وهنا، ينبغي الإشارة إلى أن حرص "العدالة والتنمية" (والأحزاب الأخرى بدرجة أقل) على ترشيح الشباب بأعداد متزايدة ينبع من 3 سياقات:

الأول: الوفاء بالوعود الانتخابية لأردوغان و"العدالة والتنمية" بالتجديد وتقديم الشباب.

الثاني: التناغم مع التعديل الدستوري الذي خفّض سن الترشح من 25 إلى 18، للتركيز على دور الشباب في الحياة السياسية التركية.

الثالث: جذب للشباب الذين يلعبون دوراً مهماً في حسم المنافسة الانتخابية، وفقاً للأعداد سالفة الذكر.

بيد أنه من المهم أيضاً الإشارة إلى سياقات أخرى -لا تقل أهمية- متضمَّنة في تقديم الشباب من قِبل الأحزاب، وأهمها اثنان. الأول متعلِّق بسهولة التعامل مع الشباب بالدوائر القيادية في الأحزاب والبرلمان بالمقارنة مع الشخصيات المخضرمة والقيادات المؤسِّسة، وهو أمر يبحث عنه القادة أحياناً.

والثاني: وهو الأهم، ضرورة التفريق بين فكرة الترشيح وحقيقة الوجود تحت قبة البرلمان بعد الانتخابات، أي النجاح في الانتخابات والذي يعتمد على عدة عوامل، يبدو إزاءها اسم المرشح وسيرته هامشيَّين نوعاً ما، في مقدمتها قوة الحزب وعدد المقاعد النيابية المطلوبة في كل دائرة انتخابية على حدة. ومن هذه الزاوية، تبدو مثلاً فرص المرشحين الثلاثة في عمر 18؛ أليف نور وإبراهيم أنس عن "العدالة والتنمية"، وإسماعيل حقي عن "الشعب الجمهوري"، ضعيفة جداً في الفوز ودخول البرلمان.

فالأُولى تحتل المرتبة الـ11 في قائمة حزبها المكونة من 13 مرشحاً، بمحافظة حاز حزبها فيها 7 من أصل 11 نائباً في آخر انتخابات. والثاني يحتل المرتبة الـ11 (والأخيرة) في قائمة حزبه، بمحافظة حاز حاز فيها 8 من أصل 14 نائباً في آخر انتخابات. كما يحتل الثالث المرتبة الـ16 (والأخيرة) في قائمة حزبه، التي يتصدَّرها رئيس الحزب السابق دنيز بايكال (80 عاماً)، بمحافظة حاز حزبه فيها 5 مقاعد من أصل 14 في آخر انتخابات تشريعية في 2015 (سيرتفع عدد أعضاء البرلمان في هذه الانتخابات من 550 إلى 600، ما انعكس على بعض الدوائر الانتخابية).

صحيح أن ذلك لا ينطبق على كل المرشحين الشباب؛ ومن ثم فمن المتوقع دخول بعضهم للبرلمان، لكن من الضروري الإشارة إلى أن ترتيب قوائم الأحزاب مهم جداً وعامل محدد إلى حد كبير، حيث يتصدر هذه القوائمَ مرشحون أقوياء ومخضرمون ومعروفون للشعب، ثم يتواصل الترتيب مُراعياً هذه المعايير إلى حد ما، ما يجعل الشباب بمواقع متأخرة وأحياناً في ذيول القوائم بطبيعة الحال.

وعليه، فجزء مهم من تقديم الشباب في هذه القوائم أمر رمزي ومطلوب لذاته، كرسالة للشباب والشعب، وكخطوة متدرجة يُفترض أن لها ما بعدها. لكن ليلة الـ24 من يونيو/حزيران 2018 هي وحدها الكفيلة بإعطاء الأرقام الدقيقة عن عدد الشباب ونسبتهم في البرلمان المقبل وفي كتلة كل حزب على حدة، قبل أن يبدأوا تجربتهم التشريعية التي سيحتاجون فيها بالتأكيد للاستفادة من خبرات السابقين.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سعيد الحاج
باحث في الشأن التركي
تحميل المزيد