كتبتُ مقالاً في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد القرار التاريخي بإنهاء الحظر، وقلتُ فيه: "لأول مرة، أتجرّأ لأحلم بسعودية مختلفة في الأعوام القادمة". والآن، أشاهد بحسرة قلب كبيرة؛ لأنَّ آمالي وأحلامي ذهبت أدراج الرياح.
كنتُ أضع اللمسات الأخيرة على موقع Miles4Freedom website، وهو عبارة عن حملة تتزامن مع تولي المرأة السعودية مقود السيارة، عندما انتشرت الأخبار التي تشير إلى اعتقال سبع ناشطات سعوديات على الأقل من منازلهن، بدون أي تفسير أو مذكرة توقيف.
يصعب أن أعرف تماماً ما الذي يحدث، وما السبب وراءه، ولكن نظراً إلى أنَّ ثلاث ناشطاتٍ منهن صديقاتٌ لي كُن يدشنَّ بلا هوادة حملاتٍ من أجل حقوق المرأة، فإنَّ الصورة تتضح تدريجياً.
في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران، سوف يُرفع أخيراً الحظر على قيادة المرأة للسيارات في المملكة العربية السعودية. غير أنَّ الاعتقالات لا تُبشِّر بخير، فيما يتعلق بالتغييرات التقدمية المزعومة في البلاد.
ومن المفهوم أنَّني كنت في حالة عدم تصديق بشأن هذه التطورات. وتواصلتُ مع عائلات هؤلاء النساء لأتأكد من الأخبار قبل أن أُغرد بشأنها، لكنَّ العائلات التي تحدثتُ إليها تُرِكَت في جهلٍ تام بشأن السبب الكامن وراء اعتقال الناشطات في أول يوم من شهر رمضان الكريم، وهو شهر الرحمة والمغفرة.
كان البيان الرسمي الذي صدر بعد يومٍ من الاعتقالات غامضاً ومقلقاً، مثلما كانت الاعتقالات نفسها. إذ وُجِّهَت اتهاماتٌ لأول سبع معتقلات بتشكيل "خلية"، تشكل تهديداً على أمن الدولة "بالتواصل مع جهات خارجية بهدف النيل من أمن واستقرار المملكة وسلمها الاجتماعي والمساس، باللحمة الوطنية والتجاوز على الثوابت الدينية".
وانتشر على الشبكات الاجتماعية هاشتاغ ذو صلة، يصفهن بـ"عملاء السفارات"، مع صورة تُظهر وجوه الناشطات وفوقها كلمة "خائنة".
بعد الصدمة الأولى للاعتقالات، تلقيتُ مزيداً من الأخبار تفيد بأنَّ ثلاث ناشطات أخريات احتُجزن، وكانت هؤلاء النساء من المجموعة التي احتجت على حظر قيادة المرأة في 1990. إحدى هؤلاء النساء هي عائشة المانع، التي تبلغ من العمر 70 عاماً، وتربطني بها علاقةٌ شخصية؛ فأنا أعتبرها الأم الروحية لناشطات حقوق المرأة في السعودية. ففي كل مرة أقابلها يلهمني شغفها وتفانيها. إنَّها امرأة استخدمت جميع ثروتها، كونها سيدة أعمال، من أجل تمكين السعوديات من خلال التعليم.
حتى قبل هذه الاعتقالات، كنتُ أخطط للعودة إلى السعودية في 24 يونيو/حزيران. وكنتُ سآتي لأقضي عيد الفطر مع عائشة المانع، بصحبة ابني عبدالله، البالغ من العمر 12 عاماً، الذي يعيش في السعودية؛ فهو ممنوع من زيارتي بالخارج في أستراليا، حيثُ أعيش مع ابني الآخر دانيال، البالغ من العمر ثلاثة أعوام. أما دانيال، فهو بدوره ممنوع من زيارة السعودية.
اضطررتُ أن أشرح لعبدالله عبر الهاتف لماذا لن تأتي أمه، في يونيو/حزيران، ولماذا لن تتحقق أول رحلة على الطريق خططنا لها معاً. من المؤكد أنَّ الفكرة ظلت تدور في رأسي: إذا كنتُ في السعودية، على الأرجح كنتُ سأكون بين هؤلاء النساء المعتقلات والمحتجزات.
إنَّها ثالث موجة اعتقالات بعد أن وصل إلى السلطة ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان، في يونيو/حزيران الماضي. حدثت أولى موجات الاعتقالات في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما سُجِنَ أكثر من 80 شخصاً من رجال الدين والشخصيات المؤثرة على الشبكات الاجتماعية وأساتذة الجامعات، لأسبابٍ غير واضحة. رفض المسؤولون أن يقولوا الكثير عن هذه الاعتقالات، وذكروا فقط أنَّ السبب "حماية خصوصية المسجونين". ثم جاءت الموجة الثانية من الاعتقالات في نوفمبر/تشرين الثاني، عندما احتُجِزَ مئاتٌ من رجال الأعمال والمسؤولين، في حملة يُفترض أنها ضد الفساد.
تُشكل هذه الاعتقالات ارتداداً عن التغييرات الجديدة الرامية إلى النهوض التي شهدتها المملكة مؤخراً، ولا سيما عبر القيود المفروضة على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحسين مكانة المرأة. استحقت هذه التدابير الإشادة والتشجيع،
ورفعت من رصيد ولي العهد الشاب والطموح، وعززت من صورة المملكة العربية السعودية بأنَّها لم تعد تحت سيطرة المتعصبين، أي أنَّها لم تعد بلداً يعاني من آثار حصار مكة الذي وقع في 1979.
وأنا أيضاً تعلقتُ بأملٍ وتفاؤل متجددين، وإن كنتُ حذرةً في ذلك. كنتُ قد سمعتُ أشياء جيدةً عن ولي العهد والتغيرات السريعة، الأكيدة في الوقت ذاته، التي كانت تكتسح البلاد تحت قيادته.
إلا أنَّ تفاؤلي تبدَّد بسبب حملة التشويه العامة التي تقودها الدولة ضد الناشطات المعتقلات. إذ إنَّ اتهامهن بالخيانة أقل ما يقال عنه إنه أمرٌ شائنٌ. فضلاً عن أنَّ "الجريمة" الوحيدة التي ارتكبنها هي أنَّهن وقفن ضد نظام الوصاية الذكورية في السعودية، وضد التمييز المؤسسي الذي نواجهه كل يوم في حياتنا. وكذلك "الخيانة" الحقيقية هي حُبُّهن الشديد لبلادهن.
إنَّني أعرف هؤلاء النساء جيداً، لقد كن داعماتٍ للإصلاحات الجديدة وغردن بشأنها. لقد تشاركنا الدموع والفرح، وفقدنا وظائفنا وتفرقنا عن أطفالنا أو مُنِعنا من السفر. لكنَّنا لم نفقد الحلم الواحد المشترك أو نتخلى عنه: وهو تأسيس بلد به ما يكفي من الحريات من أجل النساء. وأضمرنا في صدورنا الأمل بأنَّنا كنا نشهد أخيراً تحولاً يرى النساء معترفاً بهن باعتبارهن راشدات ومواطنات كاملات المواطنة في بلادهن.
مرّت سبع سنوات منذ انطلاق حملة قيادة النساء للسيارات في السعودية، من أجل التأكيد على حقوق النساء في القيادة في السعودية، إلا أنَّها عنصر واحد في حملة أكبر ترمي إلى إسقاط قوانين الوصاية الصارمة في البلاد، التي تعامل الإناث من كل الأعمار باعتبارهن قاصرات.
ويعود الفضل في قيادة النساء للسيارات إلى الجهود الدؤوبة للنساء اللاتي رفعن أصواتهن من أجل مجتمعٍ أكثر عدلاً. لكنَّ الاعتقالات الأخيرة أضعفت التقدم المشهود في رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات وشوهته.
لقد اعتُقلت الناشطات برغم حبهن للسعودية؛ ففي أي ملكية مطلقة، المنشقون هم الوطنيون الحقيقيون.
هذه المدونة مترجمة عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.