هل الأرض كروية؟ وما حكم زركشة عباءة المرأة؟ عن الأسباب الرئيسية لهزيمة الإسلاميين

تم النشر: 2018/05/23 الساعة 13:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/24 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش

خسر الإسلاميون بقائمتهم البيضاء في مايو/أيار 2018 مراكزهم الرئيسة في الانتخابات النقابية بالأردن.

برأيي لم تكن النتيجة انتصاراً كاسحاً للآخر بقدر ما كانت هزيمة لنا كإسلاميين. ولم تكن تنافساً بين قوائم مهنية بقدر ما كانت صراعاً مجتمع مع أفكاره، فالجمهور الذي صوّت بالرفض لم ينزل فجأة من اللامكان. هو الذي طالما انتخبنا وغضّ الطرف عن قصورنا، هو المتدين بالفطرة والذي بأغلبيته لا يؤمن بعمق في رؤى اليسار ولم يحمل رفضاً مسبقاً للظاهرة الإسلامية من بواكير صحوتها، ولم يوافق يوماً على أفكار زليخة أبو ريشة الصادمة أو يؤيد قيس زيادين المنحاز للنظام الأسدي وأظنّ أن غالبيته لم تسمع من قبل للنائب خالد رمضان أو أحد من رموز القومية أو اليسار. فما الذي حدث؟! وهل ما نشهده هو مخاض لتغيير في عالم "الأفكار" أم ماذا؟! من أين جاء هذا الرفض الصارم للإسلاميين، فلم يتقدّموا إلّا في أماكن قليلة كالزرقاء وهذا التقدّم يتواضع إذا ما قورن بصناديق السلط والكرك، في حين أنّ عمّان والتي كانت طبقتها الوسطى في العادة تشكلّ ثقلاً تصويتياً إسلامياً لم تسلّم نفسها لهم هذه المرة.

هذه القسوة في الهزيمة ما هي إلا تصويت غاضب من جمهور الإسلاميين، وطبعاً دون أن نغفل عوامل كإخفاقات صناديق التقاعد وفاعلية البرامج والتحشيد المنظم. هل هناك تبدل في المزاج المجتمعي اتجاه المتدينين عموماً؟، بصراحة من الصعب جواب ذلك بدقة، خصوصاً بعدم امتلاك الإسلاميين أدوات قياس لمشكلاتهم سواءً في الفكر أو الممارسة، وبوجود ذلك الخلط المصلحي بين الفقه والسياسة، والخطاب الوعظي المكثّف الذي يبني لدى المتلقي يقيناً طهورياً يسيطر على عقله ويفصله عن الواقع بتعقيداته ليبقيه بسيطاً متعالياً حبيساً لمعارك خيالية يتصوّر نفسه معها دائماً على صواب، ويفقده القدرة على إدراك تناقضاته وحتى فساده.

 

خطاب الإسلاميين ازداد انكشافاً أمام ثورات الربيع العربي والتي انحسرت موجتها الأولى عن كمّ هائل من الأسئلة. كانت الثورة السورية حاضرة في وعي الناس، كيف لحلم جميل بالحريّة أن يُجهض على يدي إسلامييها في حين نجح النظام الطائفي في استدراجهم بكل سهولة؛ ليتصدروا المشهد فيتحولّ مسار الثورة على أيديهم إلى حرب طاحنة تحت عنوان فضفاض هو: "الشريعة"! أُقْصِيَتْ فلسفات المفكرين كبرهان غليون عن العدالة والحرية لتحلّ مكانها فتاوى شباب مندفع كالجولاني عن الشريعة وقتال الصائل من رفاق الثورة.. هذا الاستخدام السهل من الآخر للإسلاميين طرح سؤالاً عن جدارة التدين كمنظومة سياسية تُنَظِّرُ للحياة والنضال خاصة أن ذلك الاستخدام تكرر ويتكرر.. سوريا واليمن ومصر وليبيا والعراق هي نحن.. انعكاس آخر لأفكارنا في صعودها وترديها وحتى في مراهقاتها.

ما فعله التخبط الإسلامي هناك بغض النظر عن كونه سلفياً أو إخوانياً أو أياً يكن زعزع ثقة الناس بالتدين كفكرة. الخوف الشديد من صور الدم السوري اختبأ في وجدان الناس ليظهر على صورة أحاديث هزلية عن اللامنطقي في فقه المشايخ وملابسهم وطريقة كلامهم.

استحضر الجمهور تصرفات المتدينين وأفكارهم العجائبية هروباً من الحديث عن محرقة الموصل أو الغوطة وصار الاستهزاء اليومي من فتاوى الوعاظ حول كروية الأرض وأحكام الاختلاط والسبي وزركشة عباءة المرأة والمنامات ومبايعات أولي الأمر هي الوجه الظاهر للغضب المكتوم من الخيبة في المتدينين.

ارتدت لعنة داعش على كل ما بناه الإسلاميون على مدى عقود وسط غياب للأصوات المتعقلّة بهم خلف السجون والانشقاقات والانغلاقات الفكرية ليتفجرّ كل ما كان مؤجلاً دفعة واحدة. لم يقتنع الناس بتبرؤ الإسلاميين من الظاهرة الداعشية؛ لأنّ فتاواهم بأغلبيتها استُحْضِرَتْ بفجاجة من التراث والذي للأسف لم يُراجع.. وصار واضحاً أنّ الفضاء الإسلامي سواءً التقليدي أو الحركي غير قادر على توليد إجابات مقنعة.

انكشف جمود التقليد ولمست شرائح واسعة فقر الفقه بنسخته الحالية عن مجاراة الأحداث.

ضاقت غالبية الجمهور بالوعظ ولم يعد كثير من الدعاة يُحتفى بهم كما في السابق، خاصة بعد أن لمس الكل تذبذب مواقفهم بين التشدّد في الفروع والتساهل في المبادئ إرضاءً للحاكم. وانكفأ الإسلاميون على أنفسهم وأصموا آذانهم كنوع من الدفاع المُستميت عن الذات في وجه ما تصوروه هجمة كونية تهدّد الدين لينشغلوا بالردّ على الملحدين بدل أن يفهموا أنهم هم ربما من يقود الآخر إلى الإلحاد، كان الناس متعطشين إلى إجابات حقيقية حول أساسيات الحياة والآخر وليس إلى مسكنات وعظية.. وصار حدث بسيط كمحاضرة لزغلول النجار حول الإعجاز العلمي في القرآن مناسبة لتفجرّ التناقضات.. حوصر الإسلاميون في مربع الاتهام، وأدرك الكلّ أن "التدين" بصورته الحالية هو مشكلة إلا شريحة واحدة لم تستطع إدراك ذلك: "المتدينون".

 

قبل أشهر من الانتخابات قرأ البعض مبكراً إرهاصات الهزيمة، صدمتني رؤية أحد الفاسدين على قوائم الإسلاميين للانتخابات، وأدركت أن خطباً ما سيتفجرّ ممّا دفعني حينها إلى التدقيق في الأسماء المرشحة، كان واضحاً الغياب التامّ للفكر والرؤى.. أدركت أن خللاً ما يفقد التيار الإسلامي قدرته عن فرز النموذج. يومها حاول البعض إطلاق صرخات التنبيه، لكنها قوبلت بكثير من التشكيك. صار الوسط الإسلامي طارداً للأفكار والكفاءات بامتياز، والمتفلتون الناقمون في ازدياد، ولن تحتاج إلى عميق نظر لتمس أن هناك غياباً للمثقف لحساب الحركي متوسط الثقافة والذي لا يمتلك أدوات النقد والتنظير، لم يُثر هذا المناخ للأسف أي تساؤلات لديهم، كان الإنكار هو المسيطر على المشهد. ومع مرور الوقت وكأي وسط لا يعمل على احتضان روافع لتنهض به سيمتلئ فضاؤه بالوصوليين الذين سيتصدرون المشهد ليس بأفكارهم، ولكن بولاءاتهم وأحياناً وللأسف "بفسادهم".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد عدنان الكيلاني
معماري أردني ناقد
تحميل المزيد