أتعبَتْنا كثيراً ولم نفهمها يوماً.. كيف يرى الأدباء ما يحدث في القدس؟

عدد القراءات
574
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/22 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/22 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش

منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل سفارة دولته من مدينة تل أبيب إلى القدس في السادس من ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، باعتبارها خطوة نحو اعتبار إدارته مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وصولاً إلى افتتاح السفارة على يد ابنته إيفانكا ترمب في 14 مايو/أيار الجاري، انتفض العالم العربي وسقط الشهداء في فلسطين، وعادت القضية إلى وجهتها الإنسانية الأولى مجردة من أي ألوان وحسابات وخطابات، وكأنها لم تبتعد أبداً عن الأذهان، وامتلأت شوارع الدول العربية بأجيال جديدة من الشباب لم تلتحم ذاكرتها بعد بقضية القدس كما حدث مع آبائها وأجدادها، إلا أنها تظاهرت وهتفت معلنة رفضها لإعلان ترمب ربما يقودها المقدس وربما عناداً للإمبريالية الأميركية، وربما رسماً لأولويات مستقبلية مغايرة.

فقد خرج المواطن العادي والمسيّس، البسيط والمتعلم كل منهم ينظر إلى القدس المدينة والمسجد والكنيسة والإرث الإنساني بعينه هو وروحه هو وعقله هو،  لكن ماذا عن المثقف والأديب كيف يرى هذه "القدس"؟ هل هي مناسبة عنده أم شعار أم تحقق أم مكان يشتاق إليه؟ وجهتُ هذا السؤال لمجموعة من الشعراء والشاعرات والروائيين.. بعضهم أجاب باستفاضة وبعضهم بكثير من السياسة وآخرون اختصروها بعبارة شعرية، وهناك من قرأ نصاً من كتابه.

مريد البرغوثي: شاعر وكاتب فلسطيني

أَتْعَبَتْنا القُدس. أعني أَتْعَبَتْ كلَّ البَشَر، لا أعرف مدينة على كوكب الأرض أتعبت أهل الأرض كالقدس. مدينة ترفض أن تكون مدينة. أرض ترفض أن تكون أرضاً. وكيف تكون والمقدس يتكدس فيها، وعليها، وحولها، طبقة فوق أخرى وعلى امتداد كل العصور؟

ربما كانت أرضاً قبل إلمام الناس بشكل دنياهم وقبل أن تصلنا أخبار الله، وقبل أن تطأها صنادل الأنبياء ذات السيور الجلد وخطى اليقين. ربما كانت أرضاً يوماً ما، لكنها بكل هذا المقدس، أصبحت، للأسف الشديد، قطعةً من السماوات.

هنا سال المقدس غماماً ومعنى وخيالاً، حتى فَقَدَ الحَجَرُ حَجَرِيَّتَهُ والشارعُ شارِعِيَّتَهُ. طارتْ سَقْفِيَّةُ السُّقوف والقِباب فصارت المعاني سُقوفاً للمباني وارتفعت التآويل، كلما أمسك بها العقل لعلها تتضح، أزاحتها يد الغموض. صلابة القدس سالت ابتهالات وصلوات. حتى هذا السور الغامق الشاهق الثقيل حولها يبدو قادماً من حلم عتيق يتكرر كلما اجتاز مؤمنٌ أقواسَه وبواباتِه، حلم يتيح للقادم أن يحياه ويُلَحُّ على المُغادِرِ أن يَشتهيه.

زحَفَتْ إليها خيولٌ على رُكَبِها المجروحة تصهل تحت أشواق فرسانها المستعدّين للموت. تعاقبتْ عليها المعابد سكناً لروح الإنسان، فأخذت تعلو وتعلو عاماً بعد عام، وقرناً بعد قرن، حتى أصبحتْ جزءاً لا يتجزأ من السماء. وتريد القدس أن تظل سماءً، وغامضة وملتبسة كالسماء.

لكن القدس أرض.

وهي أرض محتلة.

أرض ومحتلة بجيش قويّ، وظيفته الوحيدة أن يبعد جسدي وصوتي وخطوتي وذاكرتي عنها وأن يمنعني إلى الأبد من الوصول إليها. العالم ليس عالم أرواح وغمام. العالم دُوَلٌ وجنودٌ وحدودٌ وجوازاتُ سَفَرْ، تأشيراتٌ وتفتيشٌ إلكتروني وقوانين بناء وضرائب وتصاريح إقامة وسيارات تسير بالبنزين لا بالصلوات. الشرطي وحده الآن هو من يسمح لنا بالصلاة أو يمنعنا عنها. الشرطي الإسرائيلي الآن هو رب المدينة أو يرغب أن يكون رباً. الشرطيّ المسلّح هو من ينظّم ويقرر، لا السماوات ولا التمائم، لا حسرة فاقديها ولا صبوات عشاقها.

القدس مدينة كالمدن.

تسألني منذ متى أصبحت القدس مدينة كالمدن؟ وأنا أجيبك: منذ تجاوز عدد الجنود فيها عدد مقدّساتها آلاف المرات. منذ زمنها العتيق عندما اختارت سماويتها، قرر الجنود أن يحبّوها بإشهار السلاح في وجه التاريخ.

القدس مدينة ككل المدن منذ بنيت حولها الجدران ونقاط التفتيش ومنذ ملأتها المراكز الحكومية والمخبرون وكاميرات التلصص على أعمدة الكهرباء، وقوانين الجنسية ومخافر البوليس ومعسكرات الجيش وجلسات التعذيب ورقص الغزاة في أعياد انتصارهم عليها لا في أعيادها هي. والقدس أصبحت مدينة منذ أن أصبحت مُحَرّمَة علينا.

***

لا يعرف العالم من القدس إلا قوة الرمز. قبة الصخرة تحديداً هي التي تراها العين فترى القدس وتكتفي.

القدس الديانات، القدس السياسة، القدس الصراع، هي قدس العالم.

لكن العالم ليس معنياً بقدسنا، قدس الناس.

قدس البيوت والشوارع المبلطة والأسواق الشعبية؛ حيث التوابل والمخللات، قدس الكلية العربية، والمدرسة الرشيدية، والمدرسة العمرية، قدس العتالين ومترجمي السياح الذين يعرفون من كل لغة ما يكفل لهم ثلاث وجبات معقولة في اليوم. خان الزيت وباعة التحف والصدف والكعك بالسمسم. المكتبة والطبيب والمحامي والمهندس وفساتين العرائس الغاليات المهور. مواقف الباصات القادمة كل صباح من كل القرى بفلاحين يبيعون ويشترون. قدس الجبنة البيضاء والزيت والزيتون والزعتر، وسلال التين والقلائد والجلود، وشارع صلاح الدين. جارتنا الراهبة وجارها المؤذن المستعجل دائماً. السعف الماشي على الطرقات في أحد السعف. قدس النباتات المنزلية والأزقة المبلطة والممرات المسقوفة. قدس حبال الغسيل. هذه القدس هي قدس حواسنا وأجسامنا وطفولتنا. هي القدس التي نسير فيها غافلين عن "قداستها"؛ لأننا فيها، لأنها نحن.

نتجول فيها بطيئين أو مسرعين بصنادلنا أو بأحذيتنا البنية أو السوداء نساوم الباعة ونشتري ملابس العيد.

نتحوج لرمضان وندعي الصيام، ونشعر بتلك اللذاذة الغامضة عندما تلامس أجسامنا المراهقة أجسام السائحات الأوروبيات في سبت النور. نشاركهن ظلام كنيسة القيامة ونرفع معهن الشموع البيضاء التي تنيرها.

هذه القدس العادية، قدس أوقاتنا الصغيرة التي ننساها بسرعة؛ لأننا لن نحتاج إلى تذكرها، ولأنها عادية كما أن الماء ماء والبرق برق، كلما ضاعت من أيدينا صعدت إلى الرمز.. إلى السماء.

كل الصراعات تفضل الرموز.. القدس الآن هي الآن قدس اللاهوت. العالم معني بـ"وضع" القدس، بفكرتها وأسطورتها. أما حياتنا في القدس وقدس حياتنا فلا تعنيه. إن قدس السماء ستحيا دائماً، أما حياتنا فيها فمهددة بالزوال. إنهم يحددون عدد الفلسطينيين فيها، وعدد البيوت الفلسطينية، والنوافذ والشرفات والمدارس والحضانات، وعدد المصلّين في يوم الجمعة والأحد، إنهم يحددون للسائح من أين يشتري هداياه، وأي أزقة يسلك، وأي البازارات يدخل.

الآن، نحن لا نستطيع دخولها سائحين ولا طلاباً ولا عجائز.

الآن، لا نقيم فيها ولا نرحل.

الآن، لا يستبد بنا السأم فيها فنهاجر منها إلى نابلس، أو الشام، أو بغداد ، أو القاهرة ، أو أميركا.

الآن، لا نستطيع أن نكرهها بسبب غلاء الإيجارات مثلاً.

الآن، لا نستطيع أن نتذمر منها كما يتذمر الناس من مدنهم وعواصمهم المملة المرهقة.

أسوأ ما في المدن المحتلة أن أبناءها لا يستطيعون السخرية منها.

مَن يستطيع أن يسخر من مدينة القدس؟

الآن لا تصلنا المكاتيب على عناويننا فيها. أخذوا عناوين بيوتنا وغبار أدراجنا. أخذوا ازدحامها وأبوابها وحاراتها. أخذوا حتى ذلك المبغى السري الذي كان يثير خيالاتنا المراهقة في حارة باب الحطة، بغانياته البدينات كتماثيل الهند. أخذوا مستشفى المطّلع، وجبل الطور الذي سكن فيه خالي عطا وحي الشيخ جراح الذي سكنّا فيه ذات يوم. أخذوا تثاؤب التلاميذ فوق مكاتبهم ومللهم من الحصة الأخيرة يوم الثلاثاء. أخذوا خُطى جدتي في طريقها لزيارة الحجة حفيظة وابنتها الحجة رشيدة. أخذوا صَلاتهما وغرفتهما الفقيرة في "البلد القديمة". أخذوا الحصيرة التي كانتا تلعبان عليها "البرجيس" و"الباصرة". أخذوا ذلك الدكان الذي كنت أسافر إليه خصيصاً من رام الله لشراء حذاء من الجلد الممتاز، وأعود للعائلة بفطائر من حلويات "زلاميطو"، وكنافة من حلويات "جعفر". وبعد ستة عشر كيلومتراً في باص بامية، وبأجرة خمسة قروش، أعود إلى بيتنا في رام الله مزهواً متباهيا.. فأنا عائد منها، من القدس.

الآن لن أرى قدس السماء

ولن أرى قدس حبال الغسيل.

لأن إسرائيل،

متذرعة "بالسماء"

احتلت "الأرض"!

مايا أبو الحيات: شاعرة وروائية فلسطينية

فرق كبير بين الكلام عن القدس والعيش فيها، بالنسبة لي تتلخص حياتي بين البيت والحاجز، القدس بيتي وطريق عودة أولادي من المدرسة، ليست حالة طارئة أتكلم عنها في نص أو أجيب بها عن سؤال رومانسي بالكثير من العقلانية والقليل من الانفعال.

حين يقف الجندي أمام باب بيتي وأنا عائدة ليلاً وأحاول أن لا تتلاقى أعيننا لأمر بسلام، أفكر بأطفالي الذين يكبرون في هذه المدينة، وأفكر بعدد المرات التي سيوقفهم الجندي وهم ذاهبون إلى الدكان أو المدرسة أو عائدون من بيت صديق.

وأفكر بالألعاب التي يحملونها بأيديهم والملابس التي يضعونها على أجسادهم، بالأوشحة والقبعات التي من المحتمل أن تجلب لهم الموت.

وحين أمر من باب العامود وأنا عائدة من عمل فكرت طويلاً قبل الذهاب إليه بأشكال الموت الملقاة في الشوارع، وأسمع الأطفال الجالسين على الدرجات والمحاطين بالجنود والشرطة من كل جهة وأسمعهم يغنون باسم فلسطين ويهتفون ضد أميركا رأس الحية، أبتسم بملء فمي وأردد على نفسي أننا لسنا مهزومين في النهاية، والقدس التي تبدو أقدم منا جميعاً، تعطي قوة روحية ومعنوية لهؤلاء الأطفال الذين يتجولون في شوارعها في طريقهم إلى المدرسة ولا يتجنبون التمعن في وجوه أعدائهم وإسماع أصواتهم بشكل واضح.

أنا شخص طارئ على القدس لا أعرفها ولم أكبر في حواريها، وتبدو لي وأنا أمشي فيها كمن يمشي في تقرير تلفزيوني مبالغ في إتقانه؛ الكثير من التوتر والتوجس والخوف في العيون، الذي يتساقط فوق هول القداسة والشموع التي يشعلها المؤمنون الآملين بحياة أفضل، قبل أن تنطفئ بالكامل.

فاتنة الغرة: شاعرة فلسطينية

أذكر زيارتي اليتيمة للقدس حينما كنت في الثامنة من عمري وذهبت مع والديّ في رحلة علاجية هناك وانفتح عالمي الغزّي الصغير على عالم أوسع مختلف ما جعل هذه الرحلة علامة فارقة في ذاكرتي والتي إلى الآن أستحضرها وكأنها كانت حلماً.

كانت القدس عالمي الموازي الخفي الذي ما زالت رائحة حواريه والسميط المقدسيّ الشعبي تفوح فيه، وربما من أجل هذه الرحلة احتلت القدس التي لم أشم رائحتها بعد هذا اليوم مكانا خاصا في وعيي.

لم أرَ القدس يوماً شعاراً، إنما كنت أراها كائناً حياً بشخوصه وحواريه وصوت باعتّه يدوي في المكان، ولهذا حينما حدثت هبة القدس قبل بضعة أشهر بعد منع الكيان الصهيوني المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى هبّ المقدسيون برمتهم للدفاع عنها، وكان ذلك المشهد المهيب الذي رأيناه يقول إن القدس ناس وشوارع وذاكرة وتاريخ وربما ما أضر القدس هو وضعها في ذلك الإطار المقدس الذي جعل التلاعب في مصيرها أمراً يعتمد على أحقية دينية تاريخية في المكان، وليس مكاناً عادياً يحمل قدسيته من تاريخ حجارته وأسواره وناسه الذين يفتحون أبوابهم رغم كل الجروح لكل غريب مرحبين.

خالد خليفة: روائي سوري

القدس قد تختصر المعاني لمأساتنا الحقيقية؛ خيانة الحُكام، وتواطؤ العالم، وتجلي الخسارة والانهيار العربي، لا يمكن اختصار رمزية مدينة عظيمة ببعض الصور لقبة المسجد الأقصى، أو شوارع المدينة، لكن المدن التي خسرناها ليست أقل رمزية، حيفا، عكا، ومدن سوريا دمرت على الهواء مباشرة، وهناك بغداد، حلب، كل هذه المدن رمزيتها لا تقل عن القدس. لكن القدس هي التجارة الكبرى الفاضحة لكل المدافعين عنها على طريقة المزاودين.

ستذهب القدس كما ذهبت مدن أخرى إلى أن تتوقف الخيانات ويتوقف المزاودون عن البيع والشراء في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.

كل مدن فلسطين وسوريا والعراق واليمن تحولت إلى قدس جديدة.. لن نحلم بها ما لم يذهب الطغاة إلى مزابل التاريخ.

خالد الحروب: كاتب وأكاديمي في جامعة كامبريدج

إهانة كبيرة للعرب والمسلمين معاً ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من قرار رسمي باسم الولايات المتحدة اعتبار القدس عاصمة إسرائيل.

قيل الكثير عن حيثيات ومنعكسات هذا القرار الأهوج لأكثر القادة طيشاً واستعراضية في تاريخ رؤساء أميركا، وهناك مَن يقللون من أهمية هذا القرار أو يريدون استعجال الزمن كي يطويه النسيان، خاصة السياسيين العرب، فهم لا يدركون أن مواقفهم الناعمة من هذا القرار إنما تُسهم في تدمير مصالحهم هم أيضاً على قدم المساواة مع تدمير المصلحة الفلسطينية.

يتأتى ذلك من نقطة أساسية وهي أن الرسالة التي تصل إلى الإدارة الأميركية الحالية، والإدارات القادمة أيضاً، كما تصل إلى ساسة وقادة العالم أجمع، أنه بالإمكان اتخاذ أي قرار معادٍ لأي دولة عربية أو للعرب والمسلمين معاً حتى لو كان ذلك القرار بمستوى ضخامة قرار ترمب حول القدس وما يمسه من مقدسات وقيم دينية، من دون أن يكون هناك رد فعل حقيقي يستحق التوقف عنده.

وهذا الاستسهال الأميركي والغربي الناتج عن المواقف الخجولة والناعمة كرد فعل لمعارضة هذا القرار، يُغري صاحب القرار بالولوج عميقاً في أي اتجاه لا يحسب حساباً للعرب والمسلمين.

إن غض النظر عن قرار ترمب تجاه القدس أو عدم فتح معركة معه تناسب ما تستحقه المدينة المقدسة وتدفعه لتجميد قراره أو العودة عنه يعني انهياراً استراتيجياً شاملاً سوف تدفع ثمنه كل دولة عربية وإسلامية قد تختلف في وقت ما مع الولايات المتحدة حول أي موقف من المواقف. وعندئذٍ لن تحسب واشنطن أي حساب لهذه الدولة أو تلك وستمضي في موقفها المعني المُضاد لأية مصلحة عربية أو إسلامية منفردة أو مجتمعة.

نوري الجراح: شاعر سوري

في كتابات القدامى "القدس أقرب مدن الأرض من السماء". منذ الآن، نريدها، نحن الذين تلظّت قلوبنا بنورها القدسي الأسير، أن تكون مدينة الإنسان. وبمناسبة هذه الرؤية. كل مدينة في فلسطين عندي، هي القدس، وكل مدينة في الشام

سليم نصيب: روائي فرنسي لبناني

المسجد الأقصى، حائط المبكى، كنيسة القيامة: من الواضح أن القدس تتركز فيها كثيراً من الديانات في مكان واحد. ومن الواضح أن هذه الحالة ليست جيدة لضمان صحة عقول الرجال، ولا قدرتهم على التفكير بهدوء من أجل حل المشاكل.

لذلك يجب أخذ القضية الفلسطينية من جذورها التاريخية: الصراع على الأرض التي استولت عليها الحركة الصهيونية ثم دولة إسرائيل على حساب سكانها الأصليين.. إنه حق.

إذا كانوا عقلانيين، يمكن لقادة إسرائيل أن يتصوروا أن مصادرة الملكية هذه لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية؛ لأنهم سيخسرون يوماً ما الأغلبية اليهودية لدولتهم؛ لذلك سيكون من الأفضل لهم فصل الشعب اليهودي وترك للشعب الفلسطيني أرضاً قادرين عليها أن يزرعوا علمهم ويعلنوا دولتهم. هذا ما فهمه الرئيس السابق رابين جيداً قبل أن يقتله متعصب ديني.

ومنذ ذلك الحين، كان هؤلاء المتعصبون أنفسهم جزءاً من الحكومة الإسرائيلية وهم يدفعون بجنون إلى الاستعمار المتواصل. لماذا؟ لأن الله قد "أعاد" لهم الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وكذلك "عاصمتهم الأبدية" القدس.

وبدون قياس نتيجة هذه الاعتقادات، صدق الرئيس ترمب هذا الجنون لإرضاء قاعدته الانتخابية، وغيرهم من المتعصبين، والمسيحيين الإنجيليين Evengical Christians، من المؤيدين للصهيونية بشدة.

الملايين من المسلمين شعروا بسوء الحال من هذا الاستيلاء على واحدة من أكثر الأماكن المقدسة في الإسلام.

"لن ينخدع المسلمون!"، "لن ينخدع اليهود!"، "لن ينخدع المسيحيون!" ونتيجة لذلك، يتحول الصراع السياسي يوماً بعد يوم إلى حرب دينية، ولهذه الحرب مركز: القدس. ولكن عندما يتحول الصراع إلى ديني، يصبح حرفياً غير قابل للذوبان وقد يستمر إلى ما لا نهاية.

وسواء أحببنا ذلك أم لا.. يوماً ما سيتعين وضع القدس جانباً، لنصبح قادرين على العودة إلى نهج أكثر واقعية: والاعتراف بالظلم التاريخي الذي يُمارس على الفلسطينيين ومحاولة إصلاحه في أحسن الأحوال، كذلك التخلي عن فكرة اختفاء إسرائيل والملايين من الناس الذين وُلدوا هناك، وذلك من الممكن جداً حدوثه عبر المشاركة والإيمان بعبارة: فصل الدين عن السياسة.

هل لا يزال هناك وقت؟ ربما لا. فتحت راية القدس، يحلم المتعصبون من جميع الأطراف بانتصار نهائي مستحيل. كل هذا سوف ينتهي سيئاً، إذا كان على الأقل سينتهي يوماً ما!

نبأ برس

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أسماء الغول
كاتبة فلسطينية
تحميل المزيد