أحمد الشقيري ومورغان فريمان.. رحلتي معهما حين شككتُ في الله

عدد القراءات
887
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/19 الساعة 07:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/18 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش

ما زلت أشعر بهواء فجر تلك الأيام التي كنت أستيقظ فيها في الخامسة صباحاً قبل ثلاثة أعوام، أهرب من الواقع من بين جدران غرفتي الأربعة إلى سماء الدنيا الخالية من أنفاس الناس، أصلّي ثم أخرج أمارس رياضتي الصباحية على أنغام الموسيقى الخليطة بين الحديث والقديم، لا يجمعهما إلا الحس الكلاسيكي الذي يناسب فصل الشتاء وسكينته.

هنا بدأت رحلتي في البحث بعد أن كان الشك قد بدأ يطرق باب قلبي وعقلي قبل عامين سابقين من هذه الأحداث، حين كنتُ طريحة الفراش في السنة الأخيرة من جامعتي، ثم ما لبثتُ أن نسيتها بين ملهيات حياتي الساذجة بعد أن شفيت.. لكن ارتباطي العميق بمفهوم الوجود، بالإضافة إلى مصاعب الحياة وغرابتها، كل ذلك كان كفيلاً بإرجاعي إلى طريق البحث من جديد، وبدأ البحث جدياً لا الاعتماد على التفكير وحديث النفس.

كنتُ وقد وضعتُ مسبقاً خطةً للوصول إلى اليقين لا إلى الحقيقة! كانت تتملكني رغبة جامحة -وما زالت- في أن يكون للميزان عدلٌ يوازي بين كفّتي أحداث الدنيا بخيرها وشرّها، أن ترد الحقوق إلى أولئك الذين قتلوا في الحروب، ميزان إلى أولئك الجوعى الذين ستغمرهم ثمار جنة موعودين بها، إلى الدعوات التي تلقى إلى السماء السابعة توقاً للاستجابة مهما كانت بساطتها، إلى اليوم الذي ترد فيها حقوق المظلومين والمقهورين في بلاد العالم، إلى اليوم الذي أرغب فيه في تصديق أنني لستُ أمراً لم يكن ويوماً ما لن يكون أبداً.

بحثت طويلاً عبر القراءة حيناً وعبر مشاهدة فيديوهات المعجزات أحياناً أخرى وكنتُ أصطدم في كل مرة في المقاطع التي تنفي -قطعاً-تلك المعجزات، وأعود في سبات عميق من الحيرة، وبكاء يتملكهُ النحيب المكبوت حتى لا تسمعني عائلتي، وبين الشك واليقين.. كان له ولغيره من الوجوه المرتبطة بالدين دور في إرجاع توازني وإعادة بعض من الراحة والسكينة إلى قلبي.

أحمد الشقيري، مقدم برنامج سلسلة خواطر الشهيرة، أحب هذا الرجل وأحترمه كثيراً -وما زلت وربما أكثر الآن- كنتُ دائماً أراه رجلاً من أهل الجنة يمشي على الأرض، وكل أغاني مقدمات خواطر كانت تحتل جزءاً كبيراً من ذاكرة هاتفي..

ومن هنا أعود لفجر تلك الأيام؛ كنتُ أحرص على أن تتخلل رياضي الصباحية -وأنا أنظر إلى الغيوم السوداء وبعض قطع السماء الظاهرة من خلالها- سماع أغنيات برنامج خواطر، لا سيما تلك التي تدعونا إلى الصراط المستقيم، كانت تتملكني حالة لا يمكن للكلمات وصفها، كنت أشعر أنني في أقرب أيامي من الله، كان لكلمات الأغنية مفعول السحر وحلقات البرنامج مفعول الدواء الذي ساهم قليلاً في شفائي من ضياعي وحيرتي، لا سيما تلك الحلقة التي تحدث فيها أستاذ أحمد عن الصلاة معنوناً الحلقة باقتباس من حديث للنبي محمد "أرحنا بها يا بلال".

وكانت تلك الحلقة من ضمن القشات التي كنتُ أتمسك بها رغبة منّي للوصول للطمأنينة التي كنت أريد! وكان من ضمن الحلقة جزئية تُثبت دور الصلاة الإسلامية في تحقيق ما تدعو إليه بكلماتها وذلك بواسطة إجراء علمي لا مجال في التشكيك في صدق نتائجه على حد علمي آنذاك.

وحدث ما لم يكن في الحسبان بعد عامين آخرين، حين كنت أتابع سلسلة "قصة الإله" للممثل الأميركي "مورغان فريمان" الذي يصنف نفسه أنه يتأرجح بين الإلحاد واللاأدرية.

قصة الإله هي سلسلة وثائقية تناولت قصة الإله والأديان والمعجزات وكل ما يتعلق بذلك بطريقة موضوعية متخذة شكل الحياد للبحث والحديث عن فكرة الإله في كافة المعتقدات، ومن ضمن الحلقات التي كنت أتابع لفت نظري التجربة التي قام بها "مورغان فريمان" والتي سمّاها تجربة "اكتشاف ماهية الرب" حين تم حقنه بصبغ مشع يجري في دمه وطلبوا منه التأمل في أمور إلهية لمدة معينة ثم قاموا بتمريره داخل ماسح ثلاثي الأبعاد لرؤية ما إذا كان سيتغير شكل الدماغ بسبب تأمله في الإله!

كانت الدقيقة والأخرى تمر ببطء رغبة منّي في عدم المتابعة خوفاً من أن أشاهد ما لا يسرني! ألا وهو أن يتغير شكل الدماغ فعلاً، رغم أنه لا يعتنق أي ديانة ولم يسبق له أن صلّى صلاة المسلمين! وسرعان أن حدث ما خشيته.

تغير شكل الدماغ تماماً كما حدث في حلقة "أرحنا بها يا بلال" مع أحمد الشقيري! نفس التجربة، عند نفس الطبيب بواسطة نفس الأجهزة والنتيجة واحدة رغم اعتناق الأول الإسلام والثاني لا! كان الأمر صاعقاً بالنسبة لي، المزيد من المجاديف التي تتكسر في قارب إيماني! لا سيما حين أضاف عالم الأعصاب لـ"مورغان فريمان" أنه مهما اختلفت الممارسات سواء كنتَ راهباً في كنيسة أو بوذياً تستحضر صورة أحدهم فالنتيجة واحدة، فالجزء الجبهي الأيمن سوف ينشط حين تمارس طقوساً دينية أو تأملاً لاستشعار الإله.

أعدتُ حلقة "أرحنا بها يا بلال" مجدداً ولمستُ قصد أستاذ أحمد مباشرة حين أضاف بعد تجربة صلاته موضوع التأمل الذي بدأت تجريه بعض المدارس في الغرب رغبة منه إلى الرمي أن الممارسات الدينية ومحاولة التقرب من الإله تجعل الشخص أفضل وأكثر سكينة وليست صلاة الإسلام بعينها.

أضيف ذلك حتى أبرهن صدق هذا الرجل وعدم محاولته التلاعب بالحقائق وحكرها حتى يدعم دينه ومعتقداته، وحتى لا يفهم البعض أنني أسعى لإلقاء اللوم عليه.

ورغم اختلاف أهداف السلسلتين من خواطر وقصة الإله فإنني لم أستطِع أن لا أجري مقارنة تخصني وتخص ما أريد أن أعتقده أو لا! فهل أمضي في طريق الموضوعية والبحث كما عرضها "مورغان فريمان" أم أمضي وأريح جانب المخ الأيمن والتسليم على ما ولدتُ عليه؟! جوابي كان سر شقائي.

فأنت لن تستوعب كم مرة علينا أن نهرب إلى تلك الأمور التي كانت بمثابة مخدر لنا حتى نوقن أننا على الطريق الصحيح، معتنقين الديانة الصحيحة! ثم لا يلبث أن ينهار كل ذلك بقصدٍ من أصحابه أو من دون قصد!

أنت لن تستوعب رغبتنا في استحضار إله ندعو إليه بما شئنا ونعلم أنه سوف يستجيب! أنت لن تستوعب رغبتنا في أن تكون هناك قوة نعلم أنها إلى جانبنا كل يوم رغم مرارة العيش وصعوبة الأيام!

أنت لن تستوعب رغبتي أنا في اليقين والطمأنينة ولن تستوعب خوفي وقلقي الدائمين من انهيار عمود المعتقدات التي وُلدت عليها!

أنت لن تستوعب إلا رغبتك في التكفير..ولن تستوعب الصراع الذي أعيشه يومياً رغبة منّي في اليقين لا الشك، في طريق لبداية أخرى وليس نهاية أبدية.. رغبة في إله قريب وصلاة حقيقية.

أنت لن تستوعب أنني غير قادرة على استيعاب أن ما مضى -ربما- كان محض أمل مزيَّف.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إسراء الأحمد
كاتبة أردنية
تحميل المزيد