كيف سيكون شكل الحكومة العراقية القادمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/18 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/18 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش

مشهد قديم بألوان جديدة منذ نهاية تموز 2015 اشتد التنافس على تملك منصب "رئاسة الوزراء" بين ثلاث جهات؛ الحركات الإحيائية الوطنيّة والتي اتخذت من تعدد الثقافات في مواجهة حكومة المحاصصة والفساد. والجهة الثانية الحركات الأصولية المسلحة والتي صعد دورها بالمقاومة وشعبيتها في معارك العراق بالضد من داعش.

والجهة الثالثة، دبلوماسية ومخابرات دولية وإقليمية والتي نجحت في اختراق مكاتب رسم سياسات وإستراتيجيات تلك الحركات، وأهم تلك الجهات إيران وأميركا والسعودية وتركيا. ثلاث جهات كلها تتحدث عن العيش في العراق ومعه، وكلها تزعم أنها تعيش لإعمار العراق وليس لتدميره.

إن العبء الأكبر في هذه المعادلة المعقدة في داخل البيت السياسي الشيعي وما حوله، تحمله وتتحمله قيادة التيار الصدري وقيادتا بدر وصادقون في تحالف فتح وقيادات حزب الدعوة الإسلامية وتيار الحكمة، والتي عجزت أن تحقق اللجوء إلى المرجعية في النجف مثل المرات السابقة. ما تخشاه الجهات الساندة والمراقبة لعملية تمكين الديمقراطيّة والاستقرار، من انحدار أواصر العلاقة وصلات المذهب والدين بين تلك المسميّات وتعصف بهم موجة الاغتيالات السياسية.

حجج المعترضين على تفاهمات الصدر من أجل تحالف متعدد الثقافات لتشكيل الحكومة العراقيّة، ذات اتجاهين؛ اتجاه يرى أن تفاهمات الصدر مع القوائم والشخصيات اللادينية هي محاولة لإخراج منصب رئيس الوزراء من البيت الإسلامي الشيعي وإعلان العداء للحركات الدينية الشيعية، ولا يجوز القيام بهذا التغيّر الجوهري "انقلاب" بتعاون مع أميركا والخليج بمقابل نبذ واستبعاد إيران. وأما الاتجاه الآخر؛ وهو اتجاه المقاومة الشيعية المحافظة يرى أن تفاهمات التيار الصدري لا تمثل التشيع الصحيح وعليه لابد من عزل تأثيره في صناعة تحالف تنبثق منه رئاسة الحكومة القادمة. ويبدو لي أن المطلوب من قيادة "سائرون" وقيادة "الفتح" الآن التخلي عن وهمين اثنين؛ وهما إمكان تشكيل حكومة بعيدة عن التأثير الدولي والإقليمي.

والوهم الآخر: إمكانية استبعاد مرجعية النجف من دائرة التأثير في صناعة التحالف الحاكم. يقول الفيلسوف النمساوي غادامير: "صحيح أن الوعي يملك مقومات ثقافية بارزة، لكن التغيير لا يتم في الوعي، بل في الواقع، وهو سياسي واجتماعي وفردي" البيت السياسي الشيعي الذي غيّرت نتائج الانتخابات شكله وأوزان مكوناته لا ترتبط سياساته بنصرة المذهب كما حدث عام 2005 بل بالمصالح التي ترتبط باعتبارات كثيرة كاستقرار ووحدة العراق واقتصاده وبثوابت أن المكون السياسي الشيعي العراقي هو النواة الصلبة في الحكم والتشريع والإدارة.

 

خاض الصدريون السنوات الثلاث الماضية تجربة المعارضة الحكومية وقيادة الاحتجاجات الشعبية بخلفية تعتمد القطيعة السياسية للبيت السياسي الشيعي، وما بدأ ضعف تلك الأطروحات آنذاك وأصبح أنصار التيار الشعبي والحراك المدني يشعرون باليأس والانقسام والتشاؤم لأن الحرب على داعش كانت الكاتم لتلك الأصوات الإصلاحية الغاضبة وغلبت على تلك المرحلة أصوات البنادق الحشدية التي حفزت روح المقاومة والجهاد بالضد من توحش الإرهاب. العبادي الذي أخذ زمام المبادرة في الدعوة إلى التهدئة مع كل أزمة داخلية، وأصبح يميل لتعليل الأزمات والنكسات تعليلاً ثقافياً، بسبب تعدد الهويات والثقافات الفرعية العراقية، وبسبب المحاصصة الهوياتية البالغة التعقيد داخل مؤسسات الدولة من جهة، وفوضى العلاقة بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية من جهة أخرى.

 

مكونات تحالف الفتح والتي تعتبر الجوهر الثابت لقوات وفصائل الحشد الشعبي والتي انتصرت في الحرب على داعش، اعتبرت قياداتها وخاصة من بدر والصادقون، الانتصار وطنياً عراقياً إضافة للمكاسب السياسيّة والاجتماعية. قادة ائتلاف دولة القانون المجردون من كل شيء رأوا أن عليهم خوض الانتخابات كمعركة فاصلة في السياسة والهوية، بعد أن جردهم أصدقاؤهم في البيت السياسي الشيعي من أسباب قوتهم، لكنهم اندفعوا للرد سياسياً لعجزهم في المجالات الأخرى.

 

تيار الحكمة الذي تعامل مع الواقع وأن المستقبل الواعد يكمن في ناحية الخروج من المجلس الأعلى الإسلامي والدخول في تأسيس حركة شبابية متعددة الثقافات تستند على ثوابت الحكيم المحافظة، هذا التيار يمتلك قوة الشباب وطاقات تريد أن تفرض نفسها على الساحة السياسة في العراق. لقد كانت نتائج انتخابات 2018 ضربة قاسية وخيبة أمل للحركات والمنظمات التي تبحث عن تعزيز الثقة بالهوية الوطنية العراقية والتغيير الجوهري أمام المجتمع الدولي وأمام أنفسهم. بيد أن تغيير الواقع صار ممكناً ومتاحاً نسبياً رغم الفشل والتردد والتشاؤم، وعدم وجود الرؤية الواضحة حتى الآن.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هشام الهاشمي
كاتب وباحث عراقي
هشام الهاشمي من مواليد بغداد 1973، هو مؤرخ وباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة، ومختص بملف تنظيم داعش وأنصاره. متابع للجماعات الإسلامية العراقية منذ عام 1997، عَمِل في تحقيق المخطوطات التراثية الفقهية والحديثية، مع أن تحصيله الأكاديمي بكالوريوس إدارة واقتصاد - قسم الإحصاء. حاصل على الإجازة العلمية في الحديث النبوي الشريف، ولديه اهتمام بتاريخ الحافظ الذهبي، وتم اعتقاله وحُكم عليه بالسجن من قِبَل نظام صدام حسين، وقد خرج من السجن عام 2002، وبعد عام 2003 انصرف إلى العمل في الصحافة، وبدأ يشارك في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية، وكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق.
تحميل المزيد