من الطبيعي أن يسيء الطفل التصرف من آن لآخر، ولكن ليس من الطبيعي أن يختار الطفل جميع السلوكيات السيئة ليتخذها نهجاً له. بعض الأمهات يشتكين من أطفالهن؛ لأنهم مدمرون أو لأنهم شياطين، أو لأنهم فاشلون، وأغلب هؤلاء الأمهات جربن الكثير من طرق العقاب والثواب لتعديل هذه السلوكيات ولم ينجحن في مهمتهن. ما هو السبب الحقيقي وراء هذه التصرفات البغيضة؟ لقد وجدت الإجابة في كتاب الدكتور ويليام سيرز The Discipline Book.
يقول د. سيرز في كتابه: إن الطفل الذي يفتقر إلى تقدير الذات يسيء التصرف. هكذا بمنتهى البساطة!
يبدأ الطبيب الشهير ورائد مدرسة التربية بالترابط Attachment Parenting كلامه بالتعريف بتقدير الذات؛ فيقول إنه شعور الطفل بأنه جدير بالحب، وجدير بالاهتمام، وبأنه مقبول ومرغوب ومحبوب.
في رحلة تقدير الذات هناك أشياء تبنيه وأشياء تهدمه، ومن أمثلة الأشياء التي تبني تقدير الطفل لذاته الابتسام في وجهه والضحك معه، واللعب معه، والحديث معه، والأحضان والقبلات والكلام الإيجابي، والمدح، وكذلك الرضاعة بدون جدول (الرضاعة عندما يحتاج الطفل للرضاعة)، وحمل الطفل كثيراً، ومشاركته النوم والاستجابة له ولندائه.
ومن الأشياء التي تهدم تقدير الذات ترك الطفل يبكي، وإهمال التعبير عن المشاعر الإيجابية له وعنه، والسخرية منه، ومقارنته بالآخرين، والانشغال عنه والتذمر من أسئلته، وتجنب قضاء وقت معه، والتجهم في وجهه، واستخدام الكلمات النابية في التعامل معه والحدة، ووصفه بصفات سلبية.
يدرك الدكتور سيرز أننا بشر، وهناك أوقات سنغضب أو ننفعل أو نتجهم، ولكنه يذكرنا أن الطفل يكون انطباعات حقيقية ودائمة عن نفسه وعن أسرته بناء على ما يشعر به أغلب الوقت، وأن الاستثناء لا يصبح قاعدة إلا إذا تكرر وأصبح هو المعتاد.
إذا افتقر الطفل تقدير الذات Self Esteem أصبح بداخله يشعر بعدم الاحترام، وعدم التقدير، وعدم الأهمية، وعدم استحقاقه للحب، ومن هذا المنظور السلبي لذاته يختار إساءة التصرف. لماذا يتصرف باحترام وهو غير محترم؟ لماذا يحسن التصرف وهو يشعر أنه سيئ؟ لماذا يجتهد وهو فاشل؟ لماذا يحاول وهو غبي؟ لماذا يحافظ على مشاعر أهله وهو يشعر باستياء تجاههم؟
إذا أردت أن تعدل سلوك طفلك فعليك أن تعدل سلوكك أنت معه، والقاعدة تقول Garbage in – Garbage out أو كما نقول بالعربية: إن كل إناء ينضح بما فيه. ما فات قد فات.. ابدأ اليوم.. ابدأ الآن.. ابدأ من هذه اللحظة.احضن طفلك كثيراً؛ لأن هذا يشعره بالأمان والحب والقبول.
قبّل طفلك كثيراً؛ لأن هذا يشعره أنك حقاً تريده في حياتك.
اضحك معه كثيراً؛ لأن هذا يشعره بمشاعر إيجابية تجاهك.
العب معه كثيراً؛ لأن هذا يشعره أنه جدير بوقتك.
حدثه باحترام وتجنب الحدة أو السخرية؛ لأنك تكون صورته الذاتية بنبرتك تلك.
اعتذر إذا أخطأت؛ لأنك تعلمه الاعتذار والتسامح.
اهتم بأسئلته واهتم بالحوار معه؛ لأن هذا يشعره بأن رأيه مهم.
أعطه مسؤوليات مناسبة لسنه؛ لأن النجاح سينمي ثقته بنفسه.
اشكره.. امدحه.. عبّر عن حبك قولاً وفعلاً.
قد يستغرق الأمر وقتاً لتشهد تغييراً حقيقياً في سلوك طفلك، ولكن تذكر أن الأمر بيدك، وأن سلامة طفلك النفسية مسؤوليتك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.