كيف ينظر الرجل للمرأة؟
الجمال الاصطناعي، ثقافة المثالية وصور الإغراء التي يتعرض لها الناس يومياً، لا سيما فئة الشباب منهم، على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي، ساهمت بشكلٍ كبير في تغيير وتشويه الذوق العام للمجتمع، فيما يخصُ مفهوم الجمال بجعله معياراً تسويقيّاً دنيئاً أكثر منه روحياً وتحويله من صفة إلهيّة ساميّة إلى صفة استهلاكية، التعرض المستمر لجمال أنثويّ اصطناعي بلاستيكي مزيف في أغلب الأوقات ينتج عنه شبابٌ صارت اليوم معايير الجمال عندهم أقل ما يقال عنها إنها متطرفة، فهم يريدون نسقاً من الجمال نادراً ما يجتمع في جسد امرأة في الواقع، "جسد ممشوق، عيون ملونة، شقراء بشعر أملس"… إلخ.
أصبحنا نعيش في حرب تشنها معايير محددة من الجمال، تتغير بتغير آخر صيحات الموضة، تلك المعايير المتطرفة تضربُ في عمق علاقتنا الاجتماعية، وإنه لمن المؤسف أن تَحْضُر فيها المرأة كـ"سلعة تسويقية"، بشكل رئيسي، من خلال "تكثيف البُعد الجسدي لها"، و"إقصاء الأبعاد الأخرى من إنسانيتها وروحها.
فَالمُتزوج مثلاً يُخلق عنده شعوراً مستمراً بعدم الرضا بجمال زوجته وشكلها، ويبدأ الخوض في دهاليز المقارنة بينها وبين الأخريات، في المقابل يصنع من المرأة اهتماماً مبالغاً فيه بنفسها عن طريق ممارسة الرياضة واستعمال مواد التجميل للوصول للشكل والوزن المثاليين؛ علّها بذلك تثير انتباه زوجها لها وتبقى على ما يراه من مغريات يومياً ويراه نادراً في بيته.
وإنه لمن المؤسف أيضاً أن نرى زوجات حبيسات لفكرةٍ لم تكن ملزمة بها النساء في الأجيال السابقة من اهتمام بالمظهر والجمال الخارجي بغية الحفاظ على الزوج وعلى تماسك الأسرة، من دون أن ننسى مسؤولياتها الأخرى كَالتربية والتعليم والعمل.
الشيء الذي يثقل كاهلها ويهدد بانهيارها في أي لحظة تحت كل هذه الضغوطات تحت مسمى المرأة المعاصرة.
كيف أصبح الجمال كل شيء؟
ولكن كيف حدث هذا؟ كيف تحول الجمال من أمر نسبي يصعب ضبطه والاتفاق حوله إلى حصره في معايير محددة صنعها الإنسان؟
أتذكر جيداً إجابات لطلاب يدرسون معي سألتهم فيها حول معايير اختيار شريكة الحياة، كانت أغلب إجاباتهم تدور حول الشكل الخارجي والمظهر الحسن، وهكذا كانت إجابات 70% منهم، كانت حُججهم متباينة منهم من قال: المرأة الجميلة تَسُر الخاطر ومنهم من استشهد بحديث رسول الله، وأن المرأة تنكح لجمالها ضاربين باقي المعايير عرض الحائط؛ في حين استوقفتني إجابة لطالب آخر قال فيها:
إن المرأة العفيفة الحصان الرزان هي من يظهر جمال روحها قبل صورتها، وإذا نظر إليها زوجها سرته، وإن غاب عنها حفظته، فماذا يهمني إن كانت جميلة وفاتنة وأنا لا أأتمنُها على أخلاق أولادي ولا آمن نفسي من أخلاقها، بل ولا يوثق في دينها، فإذا جعل الرجل المعيار الأوحد هو الجمال فمن العقل ألا يتزوج فذاك أسلم له، أن يبحث الرجل عن الجمال هذا أمر مشروع ولا يمكن نفيه، فالشرع لا يعاكس الفطرة، وإنما يقومها و يصوبها.
وبالتالي فإن الشباب إما مُفْرِط وإما مُفَرِّط في فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ المرأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ؛ تَرِبَتْ يَدَاك"، لكن لا ينبغي أن نفهم كلامه أنه يوصينا بأن نضع (المال) في المرتبة الأولى، و(الحسب) في المرتبة الثانية، و(الجمال) في المرتبة الثالثة، و(الدين) في المرتبة الأخيرة، فالحديث خرج مخرج الغالب أي تعبيراً عن واقع الناس وما دأبوا عليه، فهذا تصوير لحياتهم فقط وليس إقرارهم على ذلك، وأخّر الدين؛ لأن الناس يأخرونه لكنه أكد أهميته: فاظفر بذات الدين تربت يداك.
رؤيتنا مثل العدسة تماماً كلما كانت العدسة مفتوحة اتضحت واتسعت الرؤية وزال ضبابها والعكس، خلقنا الله وخلق بيننا مفارقات.
فما تراه جميلاً يراه غيرك قبيحاً وما تراه قبيحاً يراه غيرك جميلاً وهكذا.. العمر يزيد والجمال يزول ولن يحل محله سوى جسد مجعد قد تقدم به الزمن نحو أجله، والأهم هو الظفر بقلب محب طاهر وأخلاق زكية ودين متين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.