وجهتك السياحية القادمة ليست إسطنبول ولا باريس.. 10 أشياء ستجعلك تزور مدينة “هوَّاسا” الإثيوبية

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/15 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/15 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
Bonata Village, Omo Valley. Ethiopia - January 2, 2014: Unidentified people at Terracotta pots stalls at local village market.

مهما حاولت أن أصف لكم جمال بحيرة هواسا التي تمتد على مساحة كبيرة غرب المدينة وجنوبها، فإنني لن أتمكن من ذلك، لا تسألوني عن الخضرة والمياه التي تحيط بك من كل جانب، ولا عن طيور (المارابو ستورك) العملاقة والأليفة في الوقت نفسه، التي تحوم حول الساحل الشرقي للبحيرة وتتجول وسط الناس، ولا عن الأجواء المعتدلة والغيوم التي تظلل المكان وترسل رذاذاً يداعب وجوه الصيادين والزوار.

مقاهٍ شعبية وخضرة وجمال

المشهد الآخر الذي يضفي على المكان بهجةً ونضارةً، المقاهي الشعبية التي تنتشر على طول ممشى البحيرة، ورائحة البخور المعتق تعطر المكان وتغازل السياح وتغريهم لتناول فنجان القهوة التي يطلق عليها بالأمهرية اسم "البُنّة". وبالطبع تشكل القهوة أحد أهم مظاهر الحياة في إثيوبيا ككل، حتى في الفنادق الفخمة ذات الخمسة نجوم تجد صانعة القهوة مرتدية الزي الشعبي، وتقدم المشروب الأول في أرض الحبشة بابتسامةٍ مريحة للضيوف.

عند تجوالك في البحيرة لا بد أن تشعر بما شعرنا به من بهجةٍ وسرور كحال الذين صادفناهم من الزوار الإثيوبيين القادمين من العاصمة أديس أبابا والمدن القريبة، مثل شاشمني وأداما، إلى جانب العشرات من الأوربيين وبعض السودانيين.

كيف لا نشعر بالبهجة ونحن في قلب الطبيعة الخلابة التي تحيط ببحيرة هواسا الخضراء الممتدة على ضفاف البحيرة وعلى جانبها طريق مرصوف بالأحجار المدورة وأشجارٌ خضراء متدليةُ الأغصان كأنها يعانق بعضها البعض.. الأزهار تشكل هي الأخرى لوحةً بديعة بألوانها البرتقالية والحمراء والبنفسجية، تفوح منها رائحة زكية تختلط بالنسيم العليل وبقايا الرذاذ الذي لا يزال متواصلاً منذ الصباح الباكر.

ولممشى البحيرة النظيف العريض قصة يحكيها الشاب إيايو قبري، موضحاً أن "هذا المكان كان قبل عام 2000م مكبّاً تُرمى فيه الأوساخ والفضلات"، فقمنا نحن ـ والحديث لقبري ـ مجموعة من الشباب بتنظيف هذا المكان وإصلاحه كما ترون، وأصبح نظيفاً وجميلاً، ثم قسمنا أنفسنا إلى مجموعات وتدارسنا تقسيم المنطقة إلى محالٍ تجارية، فحبَّذ الكل تلك الفكرة وعرضنا الموضوع بعد ذلك على الجهات المعنية للموافقة عليه، فلم يخيبوا ظننا ورحبوا بنا مقدمين الدعم والمساعدة لإنجاح مبادرتنا الرامية إلى خلق فرص العمل، وصادقت لنا السلطات بمحلات ومتاجر صغيرة، بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم التي ترونها حول المكان"، مضيفاً أن عدد "التعاونيات" التي تعمل على ضفاف البحيرة يصل إلى 11 مجموعة.

قضينا يومنا كله مستمتعين بالخضرة والجمال، ثم أشار إلينا مرافقنا بضرورة القيام بجولةٍ على متن الزورق السريع لمشاهدة أكبر حيّز ممكن من نطاق بحيرة هواسا، وأجزاء من منتجع "هايلي" الشهير.

كانت تلك تجربة فريدة من نوعها، خصوصاً أن سائقي "اللنشات" الصغيرة يتقيدون تماماً بتعليمات الشرطة المحلية، ولا يتخطون النطاق المسموح لهم حرصاً على السلامة العامة.

وجهة عالمية للرياضة وخدمات صحية لا بأس بها

التطور الذي شهدته المدن الإثيوبية في عهد رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين لم يقتصر على الاستثمار والسياحة فقط، بل واكبته نهضة شاملة في العديد من القطاعات، أهمها قطاع الشباب والرياضة.

فقد اهتمت الحكومة الإثيوبية بتشييد منشآت رياضية واستادات عملاقة، عدد منها في العاصمة أديس أبابا وعدد آخر في معظم المدن الكبرى كبحر دار وهواسا ومقلي وغيرها. ولعلكم تذكرون أن استاد زهرة الجنوب قد استضاف في مطلع مارس/ آذار الماضي مباراة جمعت بين "وولايتا ديتشا" الإثيوبي و"الزمالك المصري" انتهت بفوز الأول على الثاني بهدفين مقابل هدف، ضمن بطولة الكونفدرالية الإفريقية

وإلى جانب استادات كرة القدم تحتضن هواسا باستمرار بطولات أخرى في سباق الضاحية وألعاب القوى، فضلاً عن الكرة الطائرة وبطولات متنوعة محلية ودولية.

وبالنسبة للخدمات الصحية، فإن زهرة الجنوب تعد من المدن التي تتوافر بها منشآت صحية لا بأس بها مقارنة مع مدن إثيوبيا، فقد ساعد وجود كلية الطب التابعة لجامعة هواسا في ترقية الخدمات الطبية وتدريب الخريجين والطلاب من أبناء المنطقة.

ومن أهم المؤسسات التي تقدم خدمات علاجية لسكان المدينة وريفها مستشفى جامعة هواسا التخصصي الشامل، ومستشفى الآتيون، فضلاً عن عيادات "هايك بولي".

كما تزخر المدينة بالعديد من المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة التي تعمل على مدار الساعة.

لماذا نُرشّح هوَّاسا لتكون وجهتكم القادمة؟

1– مع دخول فصل الصيف الحار يفضل كثير من الناس قضاء إجازاتهم في المناطق التي تتمتع بمناخٍ معتدل مائل للبرودة.. ومن واقع تجربتي في زهرة الجنوب أرشحها لكم بكل ثقة إذ لا تزيد درجات الحرارة فيها في شهور الصيف على 24 درجة مئوية كحد أقصى. وتهطل الأمطار بمعدل ثلاث مرات يومياً في الفترة من يونيو/حزيران وحتى أكتوبر/تشرين الأول.

2- تشتهر هواسا بمنتجعاتها الخلابة ذات الخمس نجوم، ومن أبرزها منتجعا "هايلي" و"ليوي" اللذان يطلان على البحيرة مباشرة. وتحف المدينة وضواحيها الأشجار العتيقة المخضرة إلى جانب سلسلة من الجبال والمرتفعات.

3- لا تكتفِ بمشاهدة البحيرة من الشاطئ فقط، عِش أفضل التجارب وقم بتجربة فريدة عبر استقلال أحد "اللنشات" السريعة التي تقوم بجولاتٍ مستمرة حول البحيرة بتكلفة معقولة لا تتجاوز 250 بِر (الدولار الأميركي = 27.8 بِر إثيوبي). وإذا رغبت في جولةٍ أوسع يمكنك أن تطلب ذلك من سائق اللنش بتكلفة إضافية.

4- تذوَّق الأطعمة الشعبية، وخاصة أسماك البحيرة الشهية، ننصحك تحديداً بأكلة اسمها (آسا لب) وهي عبارة عن وجبة أسماك مطهوة بالتوابل المحلية.. أشهر مطاعم السمك تجدها على شاطئ البحيرة حيث تختار القطع التي تريد تناولها ويتم طهيها أمامك مباشرة؛ لتقدم لك وهي طازجة.

5- تعرَّف على معالم المدينة وأشهرها ساحة "ميسكل" قرب المدخل، تضم عدداً من المحلات التجارية والبنايات الكبرى، إلى جانب مقر فرع شركة الخطوط الجوية الإثيوبية وبعض المطاعم الفاخرة. وكذلك ننصح بزيارة جامعة هواسا ومجمعها الضخم الذي يضم كليات العلوم الطبية والمجمع الآخر لكليات الاقتصاد والإدارة.

جدير بالذكر أن بوابة المبنى الرئيسي للجامعة تحمل شعار إقليم "أمم وشعوب الجنوب" بكل تنوعه وامتزاجه في لوحة فنية رائعة تعكس التسامح والألفة.

6- لعشاق الأماكن التاريخية، في زهرة الجنوب توجد كنيسة القديس جبرائيل التي تعد المعلم العنوان الأبرز لهواسا، وفيها كذلك مسجد ألكسو الذي بُني قبل 500 عام، ومحكمة "راجا" القضائية التقليدية لشعب "سلطي"، والتي تم ربطها بالنظام القضائي الحديث، إلى جانب عشرات المواقع الأثرية والتاريخية الأخرى.

7- ما يميز هواسا أنها مدينة هادئة مقارنة مع صخب العاصمة أديس أبابا وتتميز في الوقت نفسه بالأمان، فيمكنك التجوال فيها حتى ساعة متأخرة من الليل دون أن تواجه مشاكل.

8- لو كنت مهتماً بالصناعة والاستثمار، نوصيك بزيارة المجمعات الصناعية الحديثة، ففي زهرة الجنوب الإثيوبي يوجد أكبر مجمع متخصص في صناعة المنسوجات، وهو من أكبر المجمعات الصناعية في القارة الإفريقية كلها، بتكلفة تزيد على 250  مليون دولار أميركي. كما تضم المدينة أيضاً مجمعي "بولي لمى" و"المنطقة الشرقية" لصناعة الملابس والمستلزمات الشخصية وهما استثمار صيني بتكلفة قدرها 248 مليون دولار.

9- إذا رأيت أن تخرج من عاصمة إقليم الجنوب قليلاً فإننا ننصحك بزيارة قرية "كونسو" التي تعد واحدة من الوجهات السياحية المفضلة لزوار إثيوبيا، وسُجلت ضمن أهم المعالم السياحية الطبيعية على مستوى العالم، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

10- بعض الإثيوبيين يصفون هواسا بأنها المدينة التي لا تنام. ولذلك إذا كنت من محبي السهر فإنك ستجد مبتغاك من الملاهي الليلية والمحلات التي تقدم فيها العروض التراثية الراقصة أشهرها التي توجد بالقرب من كاتدرائية القديس جبرائيل والشارع الرئيسي المؤدي إلى البحيرة.

11- الميزة الأهم في تقديري، إلى جانب ذلك كله هي قلة التكاليف لاستئجار الغرف الفندقية والشقق التي تبدأ من 15 دولاراً لليلة الواحدة في الـGuest Houses المنخفضة التكلفة وبالطبع هناك خيارات أخرى للذين يفضلون الإقامة الفاخرة. والتكاليف عموماً معقولة للتنقل وللوجبات الغذائية.

عند زيارتك لزهرة الجنوب الإثيوبي من المؤكد أنك ستستمتع بأوقاتك بين الخضرة والجمال وبساطة الناس وطيبتهم.. التعايش والمحبة بين كافة الطوائف والقوميات مهما كانت معتقداتهم الدينية والثقافية، تحس ذلك وتشعر به في تجوالك على شواطئ البحيرة أو إذا جلست ترتشف فنجان القهوة الإثيوبية المعتقة في أي مقهى شعبي من مقاهي المدينة، وكذلك عندما تتمشى في طرقاتها العريضة وتتساقط عليك قطرات المطر.

انتهت رحلتنا إلى هواسا عاصمة الجنوب الإثيوبي بعد أن قضينا فيها أسبوعاً كاملاً لم نحس بمضيه لازدحام البرامج ولاستمتاعنا بطقسها المعتدل الخلاب.. في طريق العودة إلى أديس أبابا بالسيارة مررنا بالمشاهد التي قصصناها عليكم في الجزء الأول من الرحلة.. السهول الخضراء الممتدة على مد البصر.. القرى المتناثرة.. قطعان الماشية وهي تتهادى.. وكان لنا موعد في سيارة "الميني باص" مع ألبوم الفنانة الإثيوبية Abby Lakew الذي وجد رواجاً شديداً، خاصة أغنيتها Yene Habesha التي تعني "أنا حبشية"، وتمجد فيها صفات المرأة الإثيوبية.. شجاعتها وإخلاصها لزوجها وتحملها لصعوبات الحياة، نشير إلى أنها حققت مستوى عالياً من المشاهدات على اليوتيوب بلغ أكثر من 27 مليون مشاهدة

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد جامع
صحفي متخصص بالشأن الأفريقي
محمد مصطفى جامع، كاتب وصحفي سوداني، حاصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة وادي النيل، أعمل حالياً على ماجستير في الإذاعات الرقمية، أجد نفسي في الكتابة عن دول شرق إفريقيا، ونُشرت لي عنها أكثر من 300 مقالة وتقرير في عدة صحف عربية، أعشق القهوة وأحب الحوار الهادئ المتعمق.
تحميل المزيد