صناعة الكرامة في داخل الوطن تعني زيادة قيمة الوطن والمواطن بنظر الجهات الخارجية
فكيف سيكون لنا وزنٌ عند العالم العربي والدولي ونحن ليس لنا وزن واحترام لأنفسنا أصلاً؟ فلو كان للمواطن العادي صوت انتخابي فعّال له أهميته عندما يدلي به في صناديق الاقتراع بشفافية تامة، لكانت نظرة العالم اختلفت تجاهنا بدايةً من العدو ونهايةً بالبعيد والقريب.
ولنتذكر كيف نظرنا -نحن الفلسطينيين- وكل العالم بكل تقدير واحترام وإجلال للانتخابات التونسية بعد الثورة وللانتخابات الأولى بعد الثورة المصرية؛ فلنتذكر حجم الاحترام الذي بادلناهم إياه عندما علمنا أن للمواطن البسيط أهمية ووزناً فيما لو قرر أن يدلي بصوته، هذا المواطن الذي يعمل على على عربة خضار في شوارع مصر!
كيف لنا أن نطلب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار بشكل جدّي لأي قرار فلسطيني مصيري لو كان صاحب هذا القرار السياسي الممثل للشعب الفلسطيني لا يستند على قاعدة شعبية وطنية شاملة كاملة من الداخل؟!
كيف لنا أن نطلب من العالم أن يبقى يجارينا بما نطالب؟! ولأسبابنا الخاصة "الانقسام" نتعذر لهم ونقول بأن ما في جعبتنا من خطط وأوراق سياسية قد انتهت، ولا يمكننا أن نجري تبديلاً يُفرزُ أفكاراً جديدة، قياداتٍ جديدة، وجهات نظر جديدة تنظر للأمور من زوايا مختلفة، تحالفاتٍ جديدة، خططاً جديدة، طرقاً لتعبئة جماهيرية داخلية جديدة، أحزاباً جديدة، عقائد اجتماعية جديدة لا تعتمد على البعد العائلي القديم الذي يشكل أساساً جوهرياً في تشكيل الأحزاب، خططاً داخلية عميقة جديدة تهدف إلى إزالة الحواجز والفجوات بين القائد والمواطن؛ لأجل الحصول على انتماء حقيقي وقاعدة شعبية مخلصة تدعم القرارات السياسية في كل مكان؟!
خلاصة القول: إن إجراء عملية انتخابية جديدة هي إحدى أكبر الضمانات لدينا لقلب الرأي العام الدولي، وخصوصاً بعدما تَصَدَّرَ في أميركا ودولنا العربية زعماء قد وضعوا القضية الفلسطينية على الرفّ، فعندما نضمن أننا نسير على نهجٍ ذي قاعدةٍ وأساسٍ قويم، فإنه وبكل بساطة يمكننا أن نقول لأشباه الزعماء هؤلاء إن الفلسطيني عندما يتكلم فإنه يتكلم باسم الهم والقضية العربية الإسلامية وهي ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإن الفلسطيني عندما يتكلم باسم شعبه فإنه يتكلم باسم شعب عربي يسمى الشعب الفلسطيني وليس شعباً من القمر، وإن هذا الفلسطيني القائد الذي تم اختياره وانتقاؤه ضمن قواعد وقوانين ومعايير وضوابط أخلاقية ووطنية ومتوافق عليها عالمياً وعرفياً وإنسانياً، ولم يأتِ بالتزكية أو بسبب وراثته الحكم عن أبيه عن جده عن جد جده عن جد جد جده، وهكذا الى أن ننتهي بالمستعمر الذي وضعه في مكانه.
سنقول له وبكل بساطة: إن صاحب القرار الفلسطيني عندما يتكلم فإنه يتكلم باسم الشعب الذي لم ترهقه رائحة البارود أو الحروب أو التهجير بشتى أنواعه، وفي كل مكان تخطو، تطأه قدمه، وإنه يتكلم باسم الشعب المتحضر الذي يختار قادته بطريقة ديمقراطية عصرية بحتة.
العلاقة العكسية في مبادئ العدالة بين الغرب والشرق
وعلى ما يبدو فإن العالم قد بدأ يتراجع عن المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي كان يتبناها، بدايةً بالتغيير الديمقراطي وتداول السلطة بشكل حضاري، وعلى الأرجح وبعد الثورات العربية فقد استخلص الجانبان عدة أمور، والجهتان اللتان أعني هما الأنظمة الغربية والأنظمة المستبدة العربية، فقد تخلت الجهة الأولى وهي الأنظمة الغربية عن المبادئ التي كانت تنادي بها، وخصوصاً بعدما شعرت بأن هذه المبادئ سوف تُبرز ما لا تريد له أن يَبرُز، والجهة الثانية ممثلة بالأنظمة العربية المستبدة وبعد نهاية الثورات العربية أرادت أن تنتقم أولاً من الشعوب العربية وتُهينها بشكل مخزٍ من خلال التلاعب بعقولهم بشكل سطحي وساذج، عن طريق أبواق الإعلام المأجور، وأن تنتقم منهم من خلال منع الحريات والتضييق والمصادرة أكثر وأكثر عما كانوا عليه قبل الثورة، ومن جهة أخرى فإنهم يريدون قصم ظهر هذه الشعوب بشكل حاد جداً بهدف عدم إتاحة المجال لهم للنهوض مرة أخرى فيما بعد.
وبسبب هذه العلاقة العكسية بين الأنظمة العربية والأنظمة الغربية (كلما زاد العرب في خرق مبادئ العدالة والإنسانية، قلّ اهتمام الغرب بتطبيق والحث على تطبيق هذه المبادئ).
فإن علينا نحن كفلسطينيين أن نكون جزءاً من منظومة الديمقراطية للفت الأنظار على الأقل كشعب تحت الاحتلال يختار قيادته بطريقة نزيهة تجبر الجميع على التعامل معه ومع قضيته بشكل جدّي، وخصوصاً في الوقت الذي يبحث العالم فيه عن ضوء الديمقراطية في الشرق الأوسط "المنطقة المظلمة"، فإن إسرائيل هي نفسها تتخذ من هذه السياسة وسيلة، وهي المناداة بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.