لماذا تنتهي الأشياء الجميلة بعد الزواج؟

عدد القراءات
1,277
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/10 الساعة 09:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/10 الساعة 09:49 بتوقيت غرينتش
Instant camera with print

تبدو الحياة من الخارج كفراشة جمعت في تكوّنها جميع ألوان الطيف السبعة، فتنشر معها أينما ذهبت سعادة وبهجة قد فقدها البشر بحكم ما يعتقدونه من تعاسة تغمر حياتهم، فهم يؤمنون بها حق الإيمان، وكيف لقلب يؤمن بالتعاسة لا تأتي له وهي مبتهجة كونها محل تقدير وإيمان؟!

أخبرتني تلك السيدة، أنني سأفقد حياتي عندما أتزوج، سأفقد ذاتي وشغفي وجنوني، سأفقد اهتمامه وحبه، سأكون آخر أولوياته، سأبقى له خادمة، وسيضع عليّ قلبي وعقلي وروحي قيوداً لا محل لنزعها، سأرتدي حينها العباءة، وسأربط رأسي بقطعة من القماش، ويكون وجهي شاحباً، وحالي شبه الأموات، أحمل طفلاً على يدي يصرخ ولا يفعل شيئاً سوى الصراخ.

أخبرتني أيضاً أن أستمتع باهتمامه في بداية علاقتنا، أن أجعله يجلب لي الهدايا، التي حتماً سأفتقدها كثيراً بعد الزواج، أن أنصت جيداً لكلمة "أحبك" جداً، وأعشقك ما دمت حياً، أخبرتني كيف استمتعت بكلمات الحب التي سوف تُفني بالزواج.

وقالت لي: إن الرجل الذي لا يدفع كلَّ ما يملكه ليحصل على امرأته التي يرغب فيها، فلا ضامن له؛ لذلك كوني جشعة في طلباتك، فلا تعاطف أو شفقة مع الرجال.

حينها أدركت كيف نحن نربي أبناءنا على التعاسة والشقاء، كيف ندمر مستقبلهم، كيف نجعلهم يعيشون في وهم نزرعه نحن بأيدينا ونغرسه في نفوس الصغار، كيف يصبح الزواج نهاية الحياة في مجتمعاتنا الشرقية بفعل المعتقدات.

هل المسؤولية تقتل شغف البدايات؟! أم نحن من نقتلها بفعل الجدية مع متطلبات الحياة؟! ولماذا نعتقد أن الزواج هو نهاية كل ما هو جميل؟! إذ كان ذلك فلماذا نتزوج إذاً؟! أم لكونه سُنة الحياة؟!

هل نستطيع أن نتحمل المسؤولية بكثير من الحب؟! نذهب إلى العمل لأننا نحبه، نريد أن نقدم شيئاً لمجتمعنا ولأنفسنا ولغيرنا، نريد أن نبدع، أن نكتشف ذاتنا، أن نعرف قدر إمكانياتنا. لماذا نجعلها كبحاً لحريتنا.. فرضاً علينا وواجباً لا بد منه؟! عندما تتخيل أنك بلا عمل، لا تفعل شيئاً في حياتك، ولا تتحمل أي مسؤولية، تأكل وتشرب وتنام، ولا قيمة لحياتك، هل ستستطيع أن تعيش؟! الإنسان يجد نفسه حيث يجد إنتاجيته في هذه الحياة، هذه الإنتاجية التي تتمحور حول ما يعمله، ما يجنيه من ثمار، ما يحققه من نجاح، ما يقوم به من علاقات اجتماعية، وما يكوّنه من بيت وأسرة، وما يحققه من سعادة لذاته وللآخرين.

نحن لنا الحق في أن نعمل، وأن ننجح ونحقق ذاتنا، ونجني ثمار جهدنا، ونحب ونتزوج وننجب ونسعد، لنا الحق في أن نعيش في هذه الحياة بروح تملؤها الحياة والسعادة، رغم ما نواجهه من إحباط ويأس وتعب.

لماذا نعتقد أن الإنسان لا يستطيع أن يأخذ كل شيء في هذه الحياة؟! لماذا نريد أن نعيش في الحياة بالقليل وليس بالكثير؟ لماذا نحرم على أنفسنا أن ننجح، وأن نبدع، وأن ننطلق، لماذا نحرم على أنفسنا ما أحلَّه الله لنا، وأن نجعل أمنياتنا ضعيفة، وأن نرضى بالقليل في حين نستطيع أن نجلب المزيد مع الرضا أيضاً، ولماذا نستسلم إلى الروتين والملل الذي يهدر العمر الذي نعيشه مرة واحدة في هذه الحياة؟! ونترك دوامة هذه الحياة لتأخذنا من سعادتنا ومما نريد أن نفعله ونحققه؟!

إذا كان الزواج مسؤولية، فهو من المسؤوليات التي تجلب للنفس مَن يشاركها في الحياة وليس مَن يكبحها، تجلب الشعور بالأمان والسعادة والحب، وليس التعاسة والخوف والجفاء، فهي تجلب العطاء وليس الحرمان، تنتقل معها إلى الأمومة والأبوة التي بالضرورة تجعلك تتحمل المزيد من المسؤولية، ولكنها مسؤولية مغمورة بالحب والعطاء والفطرة، حتى كدت أتخيل أنها مسؤولية نابعة من الفطرة السليمة، فنحن نعطي ونتحمل دون انتظار المقابل.

ما أريد أن أصل إليه من هذه المقالة، أن الزواج هو بداية أشياء أجمل في حياتنا، هو بداية الشعور بمشاعر يغمرها مزيج آخر من السعادة والفرح، مزيج يتحسسه القلب والروح معاً مغلفاً بالفطرة السليمة، وأن المسؤولية هي مسؤولية محببة للنفس، وأن الراحة هي عندما تجد شريكاً يبقى بجانبك يشاركك أنت والحياة، فالوحدة هي أشد أنواع الخوف وعدم الراحة، وأن الحياة ليست على وتيرة واحدة، هناك الحزن والسعادة، ولكن بأيدينا أن نعطي لأنفسنا كثيراً من السعادة وقليلاً من الحزن؛ لأن بدونه لن نستطيع أن نتذوق طعم السعادة، وبدون التعب لن نستطيع أن نستمتع بالراحة، وبدون جهد لن نستطيع أن نستمتع بجني الثمار، وبدون الفشل لن نستطيع أن نصل للنجاح، ولكن هل نستطيع أن نتخطى كل ذلك لنحصل على ما نريده؟! من هنا يصل الإنسان إلى السلام؛ لأنه استطاع أن يكشف عما وراء ما يعانيه في الحياة من لحظات فشل ويأس وإحباط، فالحياة عادلة، والله عادل، ولكن نحن من نظلم أنفسنا عندما نغرس فيها الإيمان بالتعاسة والشقاء.

ففي النهاية.. كل ما يعتقده الإنسان سوف يحصل عليه حتماً، فاعتقد ما يجلب لك السعادة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سماء علاء الدين
كاتبة اجتماعية
تحميل المزيد