الشائعات والأخبار الكاذبة.. هل تنتصر التكنولوجيا على بينوكيو هذه المرة؟

تم النشر: 2018/05/10 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/10 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش

كثيرون الآن يلعبون دور الشخصية الكارتونية "بينوكيو"، الذي اشتهر ببروز أنفه عندما يكذب، ولكن بينوكيو في عصرنا هذا لن يحدث لأنفه شيء حتى لو أدمن الكذب يومياً، سينكشف أمره بمقارنة سلسلة طويلة من اللقاءات والتصريحات الإعلامية، وربما بتكنولوجيا جديدة قادمة في الطريق تؤشر لحظياً على كذب المتحدث على الهواء مباشرة.. دعونا نتعرف على ذلك في السطور التالية.

بينوكيو الأميركي

في ديسمبر/كانون الأول 2016، وقبل تولّي الرئيس الأميركي دونالد ترمب منصبَه رسمياً، أطلقت جريدة واشنطن بوست برنامجاً خاصاً للتحقق وفحص تغريدات ترمب فقط على تويتر تحت عنوان RealDonaldContext يفنّد أخطاء وسياق التغريدة الواحدة.

هذا الأمر الذي أثار الرجُل، فأطلق الاتهامات ضدّ واشنطن بوست، ومنعها من أي مؤتمر صحفي له؛ ليتطوّر الأمر مع استعراضات ترمب وغزارة تغريداته المثيرة، فتقوم جريدة لوموند الفرنسية بتفعيل قاعدة بيانات لهزيمة السموم والخدع الإخبارية التي انتشرت في الثلاث سنوات الأخيرة، بإنشاء قسم خاص لفحص الحقائق وكشف الأخبار الكاذبة التي تستنزف وتعبث بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العالم.

اعتمدت "لوموند" في محرّك البحث الخاصّ بها على فكرة إشارات المرور، فاللون الأحمر بجانب النصّ يعني أنه كاذب، والأصفر يشير إلى فقدان الثقة في المصدر، أما الأخضر فيدلّ على صحة النص والخبر.

بينوكيو الإلكتروني

وقبل كلّ ذلك وبعده يظلّ الفيسبوك هو المتّهم الأول والمروّج الأساسي لصناعة الأخبار الكاذبة في عالمنا المعاصر؛ من خلال سيطرته المتنامية على إعلانات المواقع الإخبارية التي دفعت الكثيرين لاتهام الفيسبوك بتضليل الناخبين في استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، بإعطاء أولوية النشر لخبر يفيد بدفع بريطانيا نحو 350 مليون يورو أسبوعياً للاتحاد الأوروبي، وكذلك المساهمة الفعالة في فوز ترمب بالرئاسة الأميركية، وهو الأمر الذي أكده ترمب نفسه، ودفع مارك زوكربيرغ مؤسس الموقع للإعلان، مؤخراً، عن إعطاء الأولوية للمنشورات الاجتماعية على حساب منشورات وسائل الإعلام التجارية، وتقليل مساحة البث الإخباري بنحو 1% لمواجهة المعلومات المضللة، واستطلاع رأي نحو 2 مليار مستخدم شهرياً في جودة الأخبار الجديرة بالثقة، ومن ثم منح وسائل الإعلام درجات في الظهور والانتشار.

هل تنتصر التكنولوجيا على بينوكيو هذه المرة؟!

هنا، لنا وقفة مع مشهد آخر مثير وساخر، ففي منتدى دافوس الاقتصادي رقم 48 الذي انتهت أعماله في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وجّه الملياردير جورج سورس نيران اتهاماته ضد الفيسبوك وترمب معاً، وبعدها بساعات قليلة خرجت إلى النور ميفان باباكار، مديرة مشروع التحقق الإلكتروني من الأخبار الكاذبة التي تتبع منظمة "الحقيقة الكاملة" في بريطانيا، لتعلن عن تكنولوجيا جديدة تبدأ من أكتوبر/تشرين الأول 2018 تفحص وتتحقق آلياً من تصريحات المسؤولين على الهواء مباشرة، من خلال ربط البيانات والإحصاءات الحكومية الرسمية وأرشيف من المواقف والتصريحات السابقة، وكذلك برمجة اللغات الطبيعية مع البث الإخباري المباشر لأهم الأحداث العالمية، للكشف الفوري عن الأخبار الكاذبة الخاطئة والمعلومات المضللة وتحليلها قبل انتشارها.

المثير هنا أن الملياردير جورج سورس، المعروف بدوره في تمويل ثورات التغيير في أميركا الجنوبية وأوروبا والشرق الأوسط، هو نفسه المموّل والداعم الرئيسي الآن لمنظمة "الحقيقة الكاملة" التي تلقت عبر مؤسستَي Omidar وOpenSociety التابعتين لسورس تمويلاً يقدّر بنصف مليون جنيه إسترليني للقضاء على الأخبار الكاذبة بحلول 2020، حسب تصريحات ميفان باباكار.

تساؤلات عادلة

إذَن، نحن أمام تغيير جوهري في التعامل مع أخبار العالم، من جهود وابتكارات وادعاءات دوافعها سياسية واقتصادية في المقام الأول، للحدّ من الكذب في العصر الرقمي، وهو ما يدفعنا لطرح التأملات والأسئلة التالية في وجه مستقبل تلك التكنولوجيا الممتعة:

أولاً: من المعروف أن أي خطأ ينشأ نتيجة إما معلومات مغلوطة أو معلومات منقوصة، فهل تستطيع التكنولوجيا فعلاً تنقيح الأمرين للوصول إلى المعلومة الصحيحة الكاملة، لاستعادة الثقة في مواقع النشر التي وصلت لأدنى مستوياتها بنحو 25% فقط خلال عام 2017 حسب مؤشر "إلدمان" للثقة؟!

ثانياً: الانتقاء صفة إنسانية خالصة تخضع للتوجّه والتحيّز ومزاج ومصلحة المصدر والمتلقي المشتركَة على حد سواء، فما هو ضمان حيادية اختيار تصريحات لمسؤولين بعينهم ومن ثم التحقق منها وتحليلها على أساس تكرارها وتأثيرها؟! وما هي الأدوات الفعالة والحدود المسموح بها للعمل أمام هذا الفيض الهائل من الأخبار والمعلومات اللحظية؟!

ثالثاً: هل الهدف فعلاً مكافحة التضليل والكذب الإلكتروني بشكل عام أم خلق منظمات جديدة وكيانات عملاقة على غرار منظمات التصنيف الائتماني؛ تعيد ترتيب وتصدير وتوجيه المعلومات والأخبار حسب رؤية مموّليها؟! وهل نشهد منافسة قريبة بين منظمة فيرست درافت العملاقة لتقصّي الحقائق ومنظمة الحقيقة الكاملة للتحقق الإلكتروني؟!

رابعاً: كيف ستستقبل مؤشرات الأسواق المالية التصريحات ونقائضها وتأكيدها في نفس الوقت؟! هل ستزيد عصبية الأسواق ارتفاعاً وانخفاضاً؟ وهل سيؤثر ذلك على تدفق واستقرار السيولة في الأسواق؟ وكيف حال معنويات المستثمرين حينها؟ وما هي المنتجات الجديدة التي ستخلّفها تلك التكنولوجيا؟

خامساً: هل تفلح تكنولوجيا التحقق الإلكتروني من الأخبار الكاذبة في التفريق بين وجهة النظر والرأي والتصريح والموقف، والربط الأمين بينها جميعاً للحصول على تحليلات ونتائج أقرب للصواب؟ أم أن الذكاء الصناعي سيتوقف مذهولاً ومقيداً أمام الألعاب النفسية الرهيبة والمتنوعة التي يمارسها البشر ضدّ أنفسهم؟

تبقى الإجابات في عهدة أكتوبر/تشرين الأول القادم، فربما تنتصر تكنولوجيا العصر الرقمى على جزء من الأخبار الكاذبة أو كل من يلعبون دور بينوكيو ولكن على طريقتهم العصرية

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد مهدي عبدالنبي
باحث اقتصادي ووسيط مالي بالبورصة المصرية
محمد مهدي عبدالنبي من مواليد 2 مارس 1983. كاتب اقتصادي، وخبير أسواق المال العالمية، ووسيط مالي معتمد بالبورصة المصرية منذ العام 2006.
تحميل المزيد