السر الحقيقي وراء انشغال نتنياهو الدائم بإيران

عدد القراءات
1,426
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/09 الساعة 16:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/09 الساعة 16:23 بتوقيت غرينتش

 ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الأسبوع وسط أداء درامي، كاشفاً عما زعم بأنه  "الأرشيف النووي السري لإيران". وقام بذلك وسط إبهار مسرحي؛ إذ أزاح ستارة سوداء عن الملفات المزعومة التي يصل عددها إلى 55,000 ملف وُضِعت داخل أضابير على الأرفف إلى جانب حقائب مكتظة تحتوي على 183 قرصاً مضغوطاً CD وتحتوي أيضاً على 55,000 ملف تحتوي على بيانات سرية.

وتضم هذه الملفات، على حد زعمهم، الكنوز السرية التي حاولت إيران إخفاءها عن العالم. وذكرني هذا العرض بساحر يقوم بعملية "الكشف" الكبيرة، عندما يُخرج الأرنب من قبعته وسط اندهاش جمهوره.

المخبأ الإيراني المزعوم

 وعُقِد عرض نتنياهو في كرياه، النسخة الإسرائيلية من البنتاغون. ومن المثير للفضول، لم يرافقه وزير دفاعه، أفيغدور ليبرمان، أو رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، أو حتى رئيس جهاز الموساد، يوسي كوهين، الذي ربما شارك عملاؤه في التوصل إلى المخبأ الإيراني السري.

ومن المفترض أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، المعروف بحبه الأضواء بالإضافة إلى تقديم عروض جيدة، أراد أن يسلط الأضواء عليه وحده.

أثناء مشاهدتي لمقطع الفيديو، لم أستطع التوقف عن التفكير في بائع أثاث المكاتب الذي كان عليه قبل أن يبدأ حياته السياسية. لقد كان يبيع، لكنني لست متأكداً من أن العالم كان يشتري.

ترك نتنياهو نفسه معرضاً إن لم يكن للسخرية، فعلى الأقل لعدم التصديق مثلما حدث عندما تحدث إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال مساعدات سمعية بصرية تظهر سلاحاً نووياً إيرانياً على أنه صاروخ كرتوني.

فعلى الرغم من أن نتنياهو عرض ما زعم أنه كنز كامل وراءه وهو يتحدث، فإنه لم يعرض سوى القليل من الوثائق. وكانت جميع الوثائق باللغة الفارسية، مُترجمة إلى اللغة الإنكليزية، على ما يبدو من قبل الاستخبارات الإسرائيلية. ولم يصرح أي شخص علانية عن اطلاعه على الوثائق الأصلية.

ويتطلب هذا من العالم تقبل كلمته من ظاهرها، ولا يرغب بذلك سوى قلة قليلة جداً. وتعتبر سمعة نتنياهو بأنه محتال سياسي معروفة جيداً بالنسبة لكل من وسائل الإعلام العالمية وزعماء الدول التي كان يستهدفها في محاولة منه لإفساد اتفاقية P5+1 النووية.

عدم وجود أدلة موثوقة

"إن عناصر برنامج السلاح النووي الذي كشف عنه نتنياهو خلال عرضه لا أساس لها وطفولية"، حسبما ذكر روبرت كيلي، المدير السابق لعمليات التفتيش النووية في العراق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). فعلى سبيل المثال، إن ما عرضه نتنياهو على أنه رسم "لجهاز نووي" كان سخيفاً للغاية، وبأحجام نسبية لا يمكن أن تنجح من الناحية العملية.

كما عرض أيضاً رسومات تحتوي على مواصفات فنية يمكن أن تنطبق على أي برنامج نووي مدني موثوق به، لكنه عرضها على أنها مخصصة للأغراض العسكرية.

وقال أولي هاينونين، أحد المفتشين البارزين السابقين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية: "شاهدت فقط الكثير من الصور التي شاهدتها من قبل. وأطلعت الوكالة على بعض الصور التي شاهدناها [خلال عرض نتنياهو] في جلسة مغلقة في فبراير/شباط عام 2008".

وبعد عرض نتنياهو، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بياناً تعلن فيه عدم وجود أدلة موثوقة بأن إيران عملت على تطوير "جهاز تفجير" نووي بعد عام 2009، وأنها اعتبرت القضية "مغلقة" بعد طرحها في تقرير في ديسمبر/كانون الأول عام 2015.

وتعتبر الأنشطة البحثية النووية السابقة لإيران ذات الأبعاد العسكرية المحتملة السبب الأفضل في الحفاظ على خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA؛ إِذْ فرضت الاتفاقية النووية قيوداً شديدة على البرنامج النووي الإيراني؛ ووضعته تحت مزيد من نظام التفتيش التدخلي أكثر من أي وقت مضى منذ بدء الأبحاث النووية الإيرانية في السبعينات من القرن الماضي؛ كما أغلقت جميع الدروب التي يمكن أن تسلكها طهران لصنع قنبلة نووية، كما أوجدت شروطاً لا يمكن لإيران بموجبها الاشتراك في أي أنشطة نووية سرية دون الكشف عنها.

في الواقع، أعلن 26 قائداً عسكرياً بارزاً في إسرائيل في بيان مشترك أنهم يفضلون الحفاظ على خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA.

وبالعودة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي المطعون في صدقه، من الجدير أن نتذكر شهادة نتنياهو عام 2002 بأن صدام حسين كان عازماً على تطوير أسلحة نووية.

وصرح نتنياهو خلال جلسة استماع للكونغرس الأميركي:

… صدام حسين "يسعى للتخلي عن… أسلحة الدمار الشامل ومن بينها الأسلحة النووية… إن صدام مصمم على تطوير القنابل الذرية بأسرع ما يمكن… لقد ملأ العراق بـ"أجهزة الطرد المركزي النووية بحجم غسالة الملابس.. ولن يتمكن أي شيء سوى الغزو الأميركي أو تغيير النظام من إيقاف صدام عن توزيع الأسلحة النووية على الجماعات الإرهابية". وخلص إلى أن الغزو يمكن أن ينجح بشكل جيد. "إذا أخرجتم صدام… أضمن لكم أن ذلك سيكون له مردود إيجابي كبير  في جميع أنحاء المنطقة.

أهو عمل من الداخل؟

كيف تمكنت إسرائيل من الوصول إلى هذا الكنز؟ حسبما تساءل يوسي ميلمان، أحد الصحفيين الاستخباراتيين الإسرائيليين المخضرمين، في تغريدة تكشف أنه عمل داخلي.

يبدو أن الموساد الإسرائيلي حدد أحدد الإيرانيين ممن لديهم حق الدخول إلى المواد ودفعوا إليه مبلغاً كبيراً من المال لنسخ الوثائق أو سرقتها. ومن أجل هذا الجاسوس، آمل أن تكون إسرائيل قد هربته خارج الدولة، وإلا، لن تساوي حياته شيئاً.

فإذا كان أداء نتنياهو إجراءً مخادعاً، فقد كان إجراءً فردياً وحسب، وليس حتى من الإجراءات الافتتاحية.

 وتمثل الإجراء الأول في الإعلان يوم الإثنين عن هجوم شامل على قاعدة إيرانية يُطلق عليها الجبل 47 خارج حماة في سوريا، والتي أسفرت عن مقتل 26 إيراني على حد زعمهم. وتضم المنشأة بطاريات صواريخ أرض – أرض.

وبالرغم من أن إسرائيل لم تعترف بدورها، أكد مصدر إسرائيلي مطلع إلى حد كبير لموقع ميدل إيست آي Middle East Eye أن إسرائيل كانت بالفعل مسؤولة. كما كشف المصدر عن أن الهجوم لم يجرِ باستخدام الأسلحة العادية التي استخدمتها إسرائيل في الماضي، عندما أرسلت طائرات من طراز F-16 لإطلاق صواريخها من المجال الجوي اللبناني على سوريا.

في هذه المرة، أطلقت غواصات دولفين الإسرائيلية، وهي غواصات ألمانية الصنع وتتولى ألمانيا تمويلها، قذيفة صاروخية من البحر الأحمر استهدفت سوريا. وربما كان هناك غواصة أخرى من نفس النوع متمركزة في مكان آخر متورطة في الهجوم، على الرغم من أن المصدر لم يصرح بموقعها.

لهذا السبب، بوغت الجيش السوري ودفاعه المضاد للطائرات على حين غرة. فقد توقعوا شن هجمات من اتجاه لبنان إلى الغرب أو ربما من الشمال. إلا أن هذه الصواريخ جاءت عن طريق البحر بدلاً من الجو، ومن مسافة أطول بكثير وفي اتجاه مختلف (من الجنوب) عما كان متوقعاً.

الدعم العربي للهجمات

صوبت الصواريخ الإسرائيلية إلى هدفها عبر المجال الجوي الأردني. وقد تم الاتصال بالسفارة الأردنية في الولايات المتحدة ووزارة الخارجية الأردنية في عمان للرد على ما إذا كانت حكومتهم على علم بأن القذائف الإسرائيلية قد عبرت مجالها الجوي لمهاجمة سوريا، ولكن لم يكن هناك أي رد حتى وقت مثول هذا المقال للنشر.

إذا كان هذا صحيحاً، فسيشكل ذلك تطوراً غير مسبوق في علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب. فعلى حد علمي، لم تسمح أي دولة عربية مجاورة لإسرائيل بمهاجمة دولة عربية شقيقة أخرى بهذه الطريقة.

وهذا يعني أن الأردن لم يهِن سوريا فحسب، بل إيران أيضاً. وهذا يزيد من حدة العداء بين التحالف السني – بما في ذلك الأردن وبقيادة المملكة العربية السعودية – والتحالف الشيعي الذي يضم سوريا وإيران.

يعزو السبب وراء استخدام غواصات الدولفين إلى عدة أهداف تتمثل في: رغبة نتنياهو في إقناع أعداء إسرائيل من السوريين والإيرانيين وإلى حد ما الروس، بأنه يمتلك خيارات متعددة للهجوم.

فقد أراد أن يفاجئهم ويستعرض إبداع إسرائيل الاستراتيجي في القيام بذلك. وأراد بشكل خاص أن يوضح لإيران مدى الضرر الذي يُمكن أن تلحقه ترسانة الأسلحة الإسرائيلية بها: إذا هاجمت إسرائيل إيران أو عندما تفعل ذلك، فإن هذه الغواصات ستلعب دوراً أساسياً في الهجوم.

ونظراً إلى المسافة التي تفصل بين إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها أسطولها الجوي في الطيران إلى أهدافها، تعتبر الغواصات بديلاً ممتازاً.

يُعد أحد الانتقادات التي وجهتها منذ فترة طويلة للاتفاق الإسرائيلي-الألماني الذي انطوى على بناء ثماني غواصات قادرة على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية، أنها لن تؤدي فقط إلى تصعيد احتمالات القدرة على الفتك في المنطقة، بل يمكن أن تسبب محرقة نووية أيضاً.

وعلى الرغم من أن الألمان لم يصمموا الغواصات على وجه التحديد لإطلاق صواريخ مسلحة برؤوس نووية، فإن الإسرائيليين قد طوروا تقنيات وإعدادات الإطلاق في الغواصات لتمكنهم من القيام بذلك.

في حال استخدمت إسرائيل غواصات الدولفين لإلحاق أضرار جسيمة بالأهداف الإيرانية، فإن كلاً من ألمانيا وإسرائيل ستضطران إلى مواجهة المفارقة في أن الدولة نفسها التي قتلت ستة ملايين يهودي أثناء محرقة الهولوكوست قد سمحت لإسرائيل باستخدام أسلحتها لإحداث معاناة جماعية في الشرق الأوسط.

دحض ادعاءات نتنياهو

بالعودة إلى الأرشيف الإيراني والادعاءات المتعلقة بمحتوياته، يلاحظ معظم المحللين الإعلاميين ومحللي المعلومات الاستخبارية أنه لا ينطوي إلا على القليل من المعلومات الجديدة. ويثبت أن إيران كان لديها برنامج للأسلحة النووية حتى عام 2003. وقد أشار تقرير المخابرات الأميركية لعام 2007 حول البرنامج النووي الإيراني إلى ذلك بالفعل.

علاوة على ذلك، يدعي نتنياهو أن الأرشيف يشتمل على خطط ومخططات ورسومات ودراسات هندسية ستستخدمها إيران لبناء أسلحة نووية. تتمثل المشكلة المتعلقة بهذا الادعاء في أن ما من شيء فعلته إيران ينتهك معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (التي وقعت عليها إيران ولم توقع عليها إسرائيل) ولا الاتفاقية التي عقدتها إيران مع مجموعة 5+1 (اتفاق توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، ويسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية، وقبولها زيارة مواقعها النووية).

ليس مطلوباً من إيران تدمير مستندات تتعلق بأبحاث نووية سابقة والتي ربما كانت موجهة نحو صنع سلاح نووي، بل مطلوب منها فقط الامتناع عن مثل هذه الأبحاث في المختبرات أو على منصة الإطلاق. وكما كتب المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، بول بيلار، في مجلة ناشيونال إنترست، قائلاً بأن "الحفاظ على الملفات لا يُعد انتهاكاً للاتفاقية".

حتى الصحفية جينيفر روبن المؤيدة لإسرائيل التي تنتمي إلى مجموعة المحافظين الجدد -مجموعة سياسية أميركية يمينية-  ما زالت غير مقتنعة، وكتبت في صحيفة واشنطن بوست:

"بطبيعة الحال، قد تعتقد أن نتائج عملية التجسس التي قدمت كنزاً من المستندات الإيرانية، ستظهر دليلاً جديداً على أن إيران تنتهك الاتفاقية. ولكن لم يحدث ذلك على الإطلاق. فقد ترك العرض بأكمله المراقبين يتساءلون عن السبب وراء كل تلك الضجة… إذ إنه ليس خبراً جديداً أن إيران كان لديها برنامج للأسلحة النووية … ولكن ما لم يعرضه نتنياهو وما لم نعثر عليه حتى الآن هو دليل على خداع إيران لشروط خطة العمل الشاملة المشتركة".

تسأل روبن، إذا لم يكن لدى نتنياهو شيء جديد للتصريح به، فلماذا يكلف نفسه كل هذا العناء؟ على الأرجح، هو يظن أنه قادر على خداع ترمب إلى الاعتقاد بأن إيران تراوغ في الوقت الحالي.

يسمع ترمب فقط إلى ما يريد الاستماع إليه، ويميل بالفعل إلى إلغاء الإنجاز الذي حققته إدارة أوباما. فمن الممكن تماماً ألا يبرم الرئيس ترمب الصفقة – بدفعة صغيرة من نتنياهو.

بالإضافة إلى كون نتنياهو رجل استعراض ذكياً، فهو مناور بارع. ويتمتع ترمب بشخصية يسهل التلاعب بها، كما لاحظ العديد من المراقبين في رئاسته.

مهووس بإيران

عند مشاهدة أداء نتنياهو المصور، ترى رجلاً يحاول يائساً إقناع العالم بخيانة إيران. لماذا ينال ذلك كل هذا القدر الكبير من الأهمية بالنسبة له؟ بالطبع، يدعي أن إيران تشكل تهديداً وجودياً لوجود إسرائيل والشعب اليهودي بأسره. ولكن حتى لو أرادت إيران بناء سلاح نووي، فليس هناك دليل على الإطلاق على أن إيران ستستهدف إسرائيل.

يوجد سببان يُعزى إليهما اقتناع نتنياهو بأن إيران ذات أهمية بالغة؛ لأنها تُمثل إلهاءً عن مشكلاته السياسية الخاصة: فما دام بإمكانه تركيز اهتمام إسرائيل والعالم على إيران، فهو أقل عرضة للتهديد من عواقب قضايا الفساد الأربع المختلفة، التي يمكن لأي منها إنهاء مسيرته المهنية.

ثانياً، يُعتبر ذلك وسيلة لتشتيت الانتباه عن رفض حكومته التفاوض على اتفاق سلام مع الفلسطينيين. طالما يستطيع نتنياهو إقناع العالم بأن إيران تريد تفجيرها، فإنه سيواجه ضغطاً أقل بكثير لتقديم أي تنازلات لحل الصراع الذي دام 50 عاماً مع الفلسطينيين.

تعتبر إيران بمثابة غطاء، أو أداة يمكنه أن يستخدمها بسخرية تامة لحماية نفسه وإطالة إحكام قبضته على السلطة السياسية.

هذا المقال كُتب بالاشتراك مع الكاتب Richard Silverstein

هذه التدوينة مترجمة عن موقع middle east eye، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد سحيمي
أستاذ بجامعة جنوب كاليفورنيا
تحميل المزيد