يستقبل الناس رمضان بالتحضيرات والاحتفالات الكثيرة، فمنهم مَن يبدأ بالتسوق وشراء أصناف الطعام والشراب وحتى الزينة والأواني الجديدة، ولكن هل فكرت كيف ستستقبل هذا الشهر جسدياً ونفسياً؟
تحتل الحاجات الفسيولوجية (من طعام وشراب وجنس وتجنب الألم وغيرها..) القاعدة الأساسية في هرم ماسلو لحاجات الإنسان في سبيل البقاء البيولوجي، وتتغير هذه الحاجات بتغيير ظروف الحياة والمناخ والفصول.
ويعتبر الإنسان أكثر المخلوقات قدرةً على التأقلم بشكل قد لا يستطيع العلم تفسيره. ولكنه أمام أي ظروف جديدة قد يحتاج فترة انتقالية بسيطة للعودة إلى دائرة الأمان "safe zone" من خلال التأقلم "adaptation".
يأتي علينا شهر الصيام، شهر من اثني عشر شهراً في السنة (1/12)، لكسر عاداتنا في كل شيء (الطعام والشراب والنوم والحركة)، وذلك بهدف ترك كل ما يبعدنا أو يشغلنا عن العبادة والتقرب من الله في أفضل الشهور عنده سبحانه وتعالى.
شهر الصيام يعد فرصة جماعية نادرة مشجعة للتخلص من سموم وترسبات الجسد السنوية.
ولكن لا يعقل أن يتقبل الجسم هذا التغيير الكبير من الإمساك لوقت طويل عن الطعام والشراب بسهولة، بل قد يسبب ذلك صدمة للجسم وكسلاً وإرهاقاً شديدين، وقد يرسل الجسم إشارات المجاعة إلى الدماغ، فيبدأ الجسم باستهلاك رصيده من الفيتامينات والمعادن والدهون وغيرها.
لذلك حاولت جمع بعض النصائح المفيدة في محاولة لتخفيف تلك التغييرات الغذائية المفاجئة للاستعداد لشهر كامل من الصيام في خمس نقاط (ليست على سبيل الحصر) لتعديل عاداتنا الغذائية اليوم استعداداً وتدريباً تدريجياً منا للجسم لتقبّل التغيّرات القادمة .
خمس نصائح غذائية بسيطة وسهلة التطبيق من اليوم استعداداً للشهر الفضيل:
1- اكسر عادتك الصباحية حتى لا تشعر بالإرهاق والتعب بسبب غياب تلك العادة أياً كانت.
وعلى سبيل المثال لا الحصر لعشاق القهوة بكافة أشكالها من قهوة، نسكافيه، كابتشينو، فلتر كوفي وغيرها.. ممن لا يستطيع بدء يومه أو حتى فتح عينيه أحياناً إلا بعد احتساء كوب ساخن من المنبهات المعشوقة لديه.. فهذه فرصتك للتخلّص من الكافيين حتى تساعد جسمك على الصيام براحة ونشاط وذلك لسببين:
– السبب الأول: احتواؤها على مادة الكافيين التي تعد مادة منبّهة للأعصاب فتعطي نشاطاً مؤقتاً، وكثيراً ما تسبب آثاراً شبيهة بالإدمان، فيزداد الطلب عليها ثم يرتفع مستوى استهلاكك لها يوماً بعد يوم، ولكن ذلك كله لا يعدو إلا عادة اعتاد جسمك عليها حتى صارت تتحكم بمزاجك؛ لذلك في الأيام القليلة هذه أكثروا من شرب الماء؛ لتساعد الجسم على التخلص من ترسبات الكافيين تدريجياً.
– والسبب الأهم لكونها مادة مدرّة للبول وبالتالي يخسر الجسم السوائل التي نحن بأمسّ الحاجة لها في الصيف وخلال فترات الصيام الطويلة؛ لذلك احرصوا في فصل الصيف خصوصاً على:
– استبدال القهوة العادية بتلك الخالية من الكافيين.
– استبدال الكولا وخصوصاً الدايت بالعصائر الطبيعية أو المياه الغازية (الصودا) والماء.
– استبدال الشاي (أسود، أخضر، أبيض..) بالأعشاب الطبيعية (ميرمية، زنجبيل، زهورات..).
– الامتناع عن شرب مشروبات الطاقة.
* قائمة بنسبة الكافيين في مشروباتنا اليومية المعتادة:
– 30 ملل من القهوة العربية = 40 ملل كافيين.
– 30 ملل من اسبرسو = 40 – 75 ملل كافيين.
– 240 ملل من قهوة سريعة الذوبان (نسكافيه) = 27 – 173 ملل كافيين.
– 240 ملل من القهوة المغلية = 95 – 200 ملل كافيين.
– 240 ملل من الشاي الأسود = 14 – 61 ملل كافيين.
– 240 ملل من الشاي الأخضر = 24 – 40 ملل كافيين.
– 355 ملل من مشروب (سفن أب) = 0 ملل كافيين.
– 355 ملل من البيبسي أو الكولا = 30 – 55 ملل كافيين.
– 355 ملل من البيبسي أو الكولا (الدايت) = 27 – 47 ملل كافيين.
– 240 ملل من مشروبات الطاقة = 72 – 80 ملل كافيين.
– 240 ملل من مشروب الشوكولاتة (الكاكاو) = 20 ملل كافيين.
2- خفف من وجباتك اليومية فبدل الثلاث وجبات اجعلها وجبتين أساسيتين مع وجبتين خفيفة (سناك)، وبالتالي سيسهل عليك النظام في شهر رمضان؛ حيث ستعتاد معدتك على استقبال وجبتي السحور والفطور وحسب، وللتنويه أحببت الإشارة إلى كون المعدة عبارة عن عضلة، فبالتالي هي قابلة للتقلص كما أنها قابلة للتوسع عند من يتناول كمية طعام أكثر من سعتها كالمرضى الذين يعانون من فرط الشهية polyphagia الذين يستمرون بأكل الطعام حتى حد التقيؤ.
والدلائل يمكنكم لمسها عند من يجري عمليات تصغير أو قص المعدة (ring, sleeve, bypass..) فإنه في حال عدم تقييده بالتعليمات الغذائية والكميات المحددة، فإنه في البداية سيتقيأ الطعام الزائد عن حاجته ثم ستتوسع المعدة وتستعيد حجمها السابق لا بل أكثر.
3- نظم أوقات وجباتك بشكل متباعد وبشكل تدريجي، بزيادة نصف ساعة عن موعد طعامك يومياً حتى تصل إلى ٨ ساعات قبيل بداية الصيام، ولكن بأوقات شبه ثابتة حتى تعوّد معدتك على الامتناع لفترات أطول عن الطعام والشراب، فلا تنزعج أو تشعر بالتوتر بل يبدأ جسمك بالتأقلم على الجوع، وهو ما سنؤجر عليه، إن شاء الله.
والشيء بالشيء يذكَر فدعونا هنا نفرق ما بين "الجوع" وما بين "الرغبة في الطعام (الاشتهاء)"، فالجوع هو انقباض المعدة عندما تفرغ من عملية الهضم؛ حيث ترسل رسالة إلى الدماغ عبر هرمون يسمى "الغرلين" وأحياناً كثيرة نسمع صوت قرقرة المعدة؛ لأنها فارغة وتتسبب في توتر وعدم تركيز عند الجائع، ويتدرج الجوع تدريجياً ويختلف من شخص لآخر، أما في حالات الاشتهاء فهي على أغلب التوقعات ليست حالة فيسيولوجية بل هي نفسية وتسمى "الجوع المعرفي"، وتحدث لمعرفتك السابقة بطعم أو رائحة أو صورة هذا الطعام، وتكثر حالات الاشتهاء أمام الإعلانات التجارية أو أمام محلات الحلويات والمخابز مثلاً، وأحياناً أخرى بسبب الفراغ أو رابط متعة وسعادة رافقت هذا النوع من الطعام.
4- أكثر من شرب السوائل، ونقصد بذلك الماء والعصائر من فواكه أو خضار من جهة، وكذلك السوائل النصف سائلة، أي الحليب واللبن والشوربة من جهة أخرى.
أما عن شرب الماء فبمعدل لترين يومياً على الأقل، أي ٨ أكواب يومياً، وزعها بمعدل كوب كل ساعتين، وتجنّب شرب الماء أثناء الطعام أو مباشرة بعده؛ لأنه قد يتسبب بسوء هضم.
وبالنسبة للعصائر، احرص على تنوع مكوناتها ما بين خضار وفاكهة مع الحرص على أن تكون طازجة وموسمية.
5- تجنّب خلال الأسابيع القليلة قبل رمضان الطعام السريع fast food الغني بالدهون المشبعة والأملاح، وكذلك المشروبات الغازية المذكورة سابقاً؛ لاحتوائها على نسب عالية من الكافيين والأملاح أيضاً، فجميع المواد المذكورة ستترك عندك شعوراً دائماً بالعطش أو الإرهاق.
في النهاية.. لا تنسوا أن الرياضة جزء لا ينفصل عن الغذاء في مشوار الحياة الصحية؛ لذلك احرص على الرياضة قبيل غروب الشمس وتجنّب التعرض للشمس في ساعات الذروة. إن أجسامنا أمانة عندنا نُسأل عنها "وعن جسده فيما أفناه.."، والتغيير لعادات صحية لا يحتاج سوى قرار منك وإرادة، فهل سنفني أجسامنا بالتخمة والبدانة وما يليها من أمراض مزمنة تبعدك عن العبادة والسعي للرزق؟ أم سنتركها رهينة المنبّهات والمشروبات الضارة؟ أم أننا سنتعاهد في قلب صفحة جديدة نحو حياة أكثر نشاطاً وصحة؟
اللهم بلِّغنا وإياكم رمضان سالمين غانمين، وكل عام وأنتم بخير.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.