الانتخابات المحلية التونسية.. بداية ديمقراطية جديدة أم جهود لا فائدة منها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/08 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/08 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
Rached Ghannouchi, head of the Ennahda party, casts his vote at a polling station for the municipal election in Tunis, Tunisia, May 6, 2018. REUTERS/Zoubeir Souissi

على الرغم من التحوّل إلى الديمقراطية منذ سبع سنوات، فإنه لم يكن بإمكان التونسيين انتخاب سياسيين محليين، حتى الآن.

على مدى السنوات السبع الأخيرة، عاش التونسيون في مفارقة واضحة. فبعد الإطاحة بنظام بن علي وإجراء ثلاثة انتخابات ديمقراطية، لم يتمكنوا من انتخاب السياسيين المحليين، الذين عيّنهم رئيس الوزراء والحكومة المركزية تاريخياً في تونس.

ومن المقرر أن يتغير ذلك يوم الأحد عندما يذهب ملايين التونسيين إلى صناديق الاقتراع وتتاح لهم الفرصة للتصويت والاختيار بين ما يقرب من 2,074 قائمة مرشحين في 350 من البلديات المختلفة.

ومع ذلك، في خضم التقارير الواسعة التي تشير إلى انخفاض نسبة الإقبال على التصويت من قِبَل وسائل الإعلام الدولية، هناك قصة أكبر لم يُعرِها الكثيرون الاهتمام.

تعد هذه الانتخابات، التي تم تأجيلها أربع مرات في السنوات الثلاث الماضية، تُبشر ببداية السياسة الديمقراطية الحقيقية في تونس؛ إذ إن المرشحين الذين يتجاوز عددهم 57 ألف مرشح، الذين أبرزوا أنفسهم، 49 في المائة منهم من النساء، وأكثر من نصفهم تحت سن الـ35، وهو ما يعد مؤشراً جيداً.

ويُعتبر انتخاب أكثر من 7,200 ممثل منتخب بمثابة حدث ديمقراطي له أهمية بالغة في حد ذاته؛ إذ إنه يضع مجموعة جديدة من المؤسسات المنتخبة في مكانها الصحيح، والتي يمكن أن تقي من حدوث انقلاب سلطوي، الأمر الذي شهدنا حدوثه في بلدان أخرى في المنطقة.

بل والأهم من ذلك، أن الانتخابات تُبشر بإحداث ثورة في الخريطة السياسية بطريقتين.

حتى الآن، أتيحت الفرصة للتونسيين للتصويت على 217 من أعضاء البرلمان وانتخاب رئيس، وجميعهم يضطلعون بأعمالهم السياسية في تونس، بالإضافة إلى أن السياسة والأحزاب السياسية كلها مركزية – والمعنيين بالعمل السياسي غير مهتمين بدرجة كبيرة بالشؤون المحلية؛ إذ إنهم منشغلون بدلاً من ذلك بالقضايا الوطنية ويخوضون معارك سياسية وطنية.

كما أن أغلب الأحزاب السياسية الـ15 في البرلمان، لديها قواعد محلية ضعيفة، مما يدل على أن معظمها لم يتمكن من الحصول على المرشحين الميدانيين في أكثر من خمس بلديات.

سياسات لا أيديولوجيات

يُمكن لهذه الانتخابات من خلال إجبار الأطراف على التركيز على المستوى المحلي وتقديم حلول ملموسة للمشاكل اليومية، أن تؤدي إلى ظهور أحزاب سياسية حقيقية في تونس.

وحتى الآن، واصلت معظم الأحزاب العمل عن طريق الأيديولوجية بدلاً من الأفكار أو الحلول السياسية.

تهيمن تلك الأيديولوجيات التي تمثلها ثلاث عائلات سياسية تونسية بارزة في الشأن السياسي على الحياة السياسة في تونس – وهي العقيدة الإسلامية التي تمثلها حركة النهضة، ومركزية الدولة، الأيديولوجية القومية التي يمثلها حزب نداء تونس، والأيديولوجية العلمانية اليسارية التي تمثلها الجبهة الشعبية وحزب مشروع تونس- ولكن من دون ترجمة حقيقية إلى سياسات ملموسة تمس حياة الناس.

عانت جميع الأحزاب للتحوّل من كونها مدافعة عن الهويات (سواء إسلامية، وطنية أو علمانية) إلى مقدمة للحلول للمشاكل الحقيقية.

يُعد ذلك أحد العوامل الأساسية التي أبعدت الناس عن السياسة في السنوات الأخيرة؛ إذ تواصل الأحزاب المعارضة مثل أقصى يسار الجبهة الشعبية التصرف، وكأنها مجموعات احتجاجية، تعارض كل سياسة حكومية دون تقديم أية حلول خاصة بها، وتعمل الأحزاب الحاكمة كرجال إطفاء أكثر من كونهم صانعي سياسات، وتحاول إدارة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعددة بدلاً من حلها.

قد تقدم السياسة المحلية طريقة للخروج من هذا المستنقع؛ إذ يعني الحكم المحلي حل المشاكل اليومية الملموسة بدلاً من الحروب الأيديولوجية التي تفضل العديد من الأطراف الخوض فيها.

إذا سألت أي تونسي عادي في الشارع عما يريد أن يفعله ممثلوه المنتخبون؟ فأغلب الأجوبة ستدل على أن العديد من أولوياتهم محلية في المقام الأول، مثل تنظيف الشوارع، وتوفير إضاءة للشوارع، وتحسين البِنى التحتية الضرورية مثل الطرق والمرافق الصحية.

وهو أمر بعيد كل البعد عن الصراعات التي غالباً ما يتم تصنيعها حول القضايا الثقافية أو المُتعلقة بالهوية.

وسيجبر انتخاب المجالس البلدية التي تتمثل مسؤوليتها في التركيز على هذه القضايا السياسية الصغيرة النطاق، ولكن الأساسية الأطراف على التركيز على التفاصيل الصغيرة الخاصة بإيجاد حلول سياسية للمشاكل الحقيقية.

موجة سياسية جديدة

تَعِد الانتخابات المحلية أيضاً بتجديد الطبقة السياسية عن طريق جلب جيل جديد من السياسيين – 7,206 على وجه الدقة. لا يقتصر الأمر على العديد من المرشحين الشباب والإناث فحسب، ولكنّ المرشحين من ذوي الاحتياجات كذلك، الذين كانوا مستبعدين في السابق من الحياة السياسية، ويرأسون أيضاً 18 قائمة انتخابية.

معظم هؤلاء المرشحين لم يكن لهم في السابق أي علاقة بالسياسة.

خلال عشرات المناظرات والأحداث الانتخابية، لاحظت أن معظم المرشحين يمثلون أسلوباً جديداً واضحاً للسياسات "المستقلة".

كما أخبرني أحد المرشحين: "أنا على قائمة حزبية، لكنني هنا لأنني أريد أن أفعل ما هو الأفضل لمنطقتنا، وليس لخدمة أي حزب. أنا على استعداد للعمل مع كل شخص في منطقتي، مهما كان حزبه".

وبطبيعة الحال، تواجه المجالس البلدية القادمة تحديات هائلة؛ إذ تواجه معظم البلديات عجزاً في الميزانية وتنفق أكثر من 80 في المائة من ميزانياتها على تكاليف ثابتة، مما يترك القليل للاستثمار المحلي، بالإضافة إلى أنهم يعانون من نقص كبير في الموظفين، و10 في المائة فقط من الموظفين المحليين لديهم مؤهلات جامعية أو مهارات فنية.

ولا يزال الفساد قضية مهمة، تسهم في انعدام ثقة المواطنين في السلطات المحلية، وقد حققت بعض المبادرات لإشراك المواطنين في صنع القرار بعض النجاح، لكن معظم الجمهور لا يزال غير مهتم ويشك في أن أي شيء سيتغير. من شأن انخفاض إقبال الناخبين يوم الأحد أن يضعف شرعية المجالس القادمة.

ومع ذلك، فإن تنوع وطاقة الآلاف من المرشحين يعطي الأمل.

قد يساعد ظهور موجة جديدة من الممثلين السياسيين المهتمين بالشؤون المحلية على كسر الحواجز السياسية التي أغرقت السياسة في معارك أيديولوجية لا معنى لها بالنسبة للمواطنين العاديين، وهو أحد العوامل التي أدت إلى عزوف الناس عن السياسة تماماً.

وقد يشير أيضاً إلى إيجاد حلول واقعية لمجموعة التحديات الواسعة في تونس من خلال منح الممثلين السياسيين الفرصة للحكم والتصدي لإيجاد حلول سياسية صغيرة للمشاكل المحلية، وهي الحلول التي قد تكون قابلة للتطبيق على المستوى الوطني.

هذه التدوينة مترجمة عن middleeasteye للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
انتصار خريجي
باحثة تونسية بريطانية
تحميل المزيد