الصبر الذي علَّمتني إياه الجامعة

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/06 الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/06 الساعة 07:12 بتوقيت غرينتش
Anxious Teenage Student Sitting Examination In School Hall

 

كثيرةٌ هي الأيام التي ننساها، بيد أن هناك أياماً عصيَّةً على النسيان، ومن هذه الأيام عندي يومُ إعلان نتائج امتحان "الديناميكا الحراريَّة"، كيف لا؟! وهو اليوم الأول من أيام عيد الفطر في حياتي الجامعية بألمانيا، فبينما الناس تُفكِّر في الملابس الفاخرة التي سيرتدونها أو الأطعمة الشهيَّة التي سيتناولونها بعد 30 يوماً من الصيام… كُنت أفكِّر في نتائج الامتحان الذي عكفتُ لدراسَتِه طَوَال أيام رمضان تقريباً، ثم ها هي النتائج تصدر مُتأخرة في يوم العيد، وأما النتيجة فكانت: "سقوط"!

لم يكن الموقف سهلاً، خاصَّةً أنه لم يكن أولَ سقوطٍ في عامي الأول بالجامعة، وهو العام الذي لم أفعل فيه شيئاً غير "الاعتكاف" في المكتبة والركض من محاضرة إلى أخرى.. ثم ماذا؟ ثم سقطت!

الحقيقة أن الأمور كانت مُعقَّدة لدرجة أنني كُنت مضطراً في تلك الأيام إلى تطوير علاجات خاصَّة ضد الاكتئاب، ليس لأنني أعاني اكتئاباً مُزمناً، ولكن من يسمع حكايات الطلبة مع الاكتئاب هنا يقشعر بدنه، فالإحصائيات تقول إن نسبة من يعانون اضطرابات نفسيَّة تصل من 20 إلى 25%، وفي جامعة آخن وحدها نحو  11000 طالب كما جاء بتقرير للصحف المحلية هنا!

هذه الأرقام تضطر الواحد فينا إلى التفكير في العلاج الوقائي؛ لأنه لو لم يفعل فقد يقع فيما وقع فيه غيره، وعندي وجدت بـ"سورة العصر" أفضل علاج في تلك الفترة، لكنها لم تكن كافية؛ لأنني كُنتُ أفكِّر بحقٍّ في ترك الجامعة إلى جامعة أخرى مع معايير أسهل، ويومها بالصدفة التقيت شاباً عرفته في رمضان، ولا أحسبه إلا من المناضلين في سبيل العلم قَلْباً وقالَباً.

كان صاحبنا قد تأخر في دراسته كثيراً، ولكنه قرر قراراً خطيراً: "سوف أبقى في الجامعة إلى حين أن أُطرد أو أنتهي"، وكان يُذكرني بالمجاهد عمر المختار؛ إذ يقول: "نحن لا نستسلم.. نُحارب أو نموت". في ذلك اليوم راح الشاب -وهو ليس بعربي- يُحدثني عن "الصبر" وينطقها بعربيَّة مُكسَّرة جميلة استطاعت أن تستقر في ذاكرتي، فلم يكن يحدِّثني عمَّا قرأ في الكُتب، ولكنها مُعاناة 5 أو 6 سنوات في صراع مع المواد الصعبة، وكان يعترف بأنه ليس ذكياً، ولكنه كان يؤكد أن هذا ليس سبباً كافياً للاستسلام، وبالفعل فقد التقيت الشاب قبل فترة ووجدته يستعد لإنهاء الماجستير معاً!

لم أتعلَّم منه عن الصبر، ولكنه أقنعني يومها بالذهاب إلى موعد فتح الدفاتر والبحث عن أي "علامة" يُمكن كسبها، وكطالب في السنة الأولى لم أكن يومها أفقه في هذه الشؤون، قررتُ الذهاب، وبالفعل ما إن جلست أتأمل أوراقي حتى وجدت أن من قام بتصليح الأوراق لم يصلح لي سؤالاً من 4 علامات، ولم أكن أحتاج إلا علامةً واحدة، فنجحت والحمد لله، وكان ذلك بفضل صاحبي "المناضل". وللحق، فإنني وجدت حسنة عظيمة للطلبة المتأخرين في دراستهم لا توجد عند غيرهم، وهي أنهم خُبراء في خفايا الدراسة ومشاكلها.

الحقيقة أنني تعلمت من هذا الامتحان درساً مؤلِماً، بالأخص لأنني كثيراً ما كُنت أسهر الليالي حتى الفجر وأنا أدرس، وكثيراً ما كُنت أحسب ساعات الدراسة وأفرح بها إن كانت كثيرة، وهذه -لو تأملنا- جريمة بحق إدارة الوقت في الحياة الجامعية، فلا يُعقل أن يُعامل الإنسان نفسه كما لو كان موظفاً يحسب على نفسه عدد الساعات دُون النظر في جودة العمل؛ بل إن الأصل كُل الأصل في هذه الأجواء التي فيها شيء من الحريَّة، أن يمنح الطالب نفسه شيئاً من المرونة في الوقت، ليُكرِّس كل طاقاته الفكرية في "جودة التعلُّم"، حيث لا يهم إن كان يدرس ساعة أو اثنتين أو حتى 10، ولكن الأهم أن يُراجع الطالب نفسه مراراً، ويسألها: ماذا درسَتْ؟ وماذا أنجزَتْ؟ وكيف ولماذا الذي درسته مهم؟ بدلاً من سؤاله نفسه: "كم ساعة درست؟!.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمر عاصي
كاتب فلسطيني يعيش بألمانيا
تحميل المزيد