أهذا هو الوطن؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/06 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/06 الساعة 07:44 بتوقيت غرينتش
Djerba, Tunisia - November 09th 2007: Homeless old man sits at the entrance mosque in the old town Houmt Souk in Djerba. He sleeps with the a gesture for handouts.

يقال إن أردتَ أن تبحث عن الوطن فابحث عنه في دم الشهداء، وإن أردت أن تعرف حاله فشاهِد ملامح الأبرياء، وإن أردت اكتشاف مستقبله فراقِب سِير الأبناء.

لم يرهقني البحث عنه، فقد فاحت رائحة الأرض بدم الشهداء الذين قدَّموا أرواحهم فداء للوطن، هم لم يطلبوا منه سوى أن يحيا هو بسلام، وفي سبيل ذلك لا رجوع ولا استسلام، فكم من بيوت قد اختلطت فيها فرحة الزغاريد مع حرقة البكاء على فراق من يخرُّ له الوطن إجلال وإحياء! هنا قد تعجز الكلمات عن وصف ذلك الشهيد الذي لم يخشَ ذلك الوعيد من جيوش محمَّلة بصواريخ وبواريد، ولم يرضَ أن يكون هو وأهله لهم عبيداً، ووقف شامخاً كسوراً عنيداً، هو البطل الذي لم يبِع لا الأرض ولا العرض؛ بل باع نفسه ليحمي أهل هذا الوطن.

وبينما كانت نسائم الفخر والاعتزاز تغازل روحي على أبطال وطني وأمجاد بلادي المستشهدين، لاحت في ذهني صورة الأبرياء اليوم، آهات الفقراء الجائعين، صرخات الشباب التائهين، آلام الخائفين من ظلم دولة خلفاء الزين. عواقب وخيمة تهز جسد الوطنية التي تكاد تنقرض. في هذا الوطن يوماً بعد يوم، تزداد المِحن بعد أن فقدنا دولة القيم.

نعم يا سادة، هذا حال بلادي اليوم، هذا هو وجع العموم، هذا سبب كتابة قلمي اليوم، أتجول في شوارع بلادي فلا أرى سوى الحسرة واللوم، لوم على حكام هذا القوم، وجوه تدل على حزن مخزون، دموعهم تحبسها العيون وقلة حيلة تجف لها الجفون، أسمع أنين الصابرين الذين لا يسعون سوى لإرضاء رب العالمين، ففي وطني لا مكان للأحلام، حتى الأطفال أصبحوا يعرفون أنها مجرد أوهام فدولتهم دولة سيد وأغنام.

نعم، في بلدي ننتخب الحكومات حتى يتفننوا في قتل كل بذرة أمل فهو وطن لا مجال فيه للحلم، أصبح حلمنا يقتصر على وطن كالأوطان يُكرَم المرء فيه ولا يهان، حتى نسينا أن نحلم كإنسان.

من هنا تبدأ شمس الوطن تغيب لتحجبها غيوم الهجرة والنحيب، لم يعد لكلمة "بلد" رنين، فقد فقدنا كل ذرة حب وحنين، هو نور ينطفئ في أعماق أغلب المتساكنين.

لقد أرهقني حال الوطن اليوم؛ بين شعب ناقم وحاكم مختلس، بين شاب باع الأرض وشيوخ تتراقص على المناصب والفرص، ففي الماضي كنا نصرخ: "نموت نموت ويحيا الوطن"، واليوم نهتف "نفر نفر من هذا الوطن"؛ إذ بهذا تحول مفهوم الوطن من مسقط رأس ومقر إلى.. إليه لا رجوع ومنه المفر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حمدي عبد الهادي
مهندس تونسي
تحميل المزيد