الفتاة المصرية الملتزمة: معقدة، انعزالية، وبلا أصدقاء.. دعاء في “سابع جار” نمرذجاً

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/06 الساعة 08:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/07 الساعة 16:49 بتوقيت غرينتش

تابع الكثير منا مسلسل "سابع جار" الذي أحدث ضجة وخلافاً كبيراً حوله من قِبل المشاهدين، رأى البعض أن المسلسل يقدم شكل حياتنا كمصريين في الألفية الثالثة تقديماً حَرفياً، في حين رأى البعض الآخر أن هذا الطرح لم يكن إلا تحيُّزاً من قِبل الكاتبة ورؤيتها الخاصة لواقع لا تألفه الطبقة المتوسطة في مصر..

وبصرف النظر عن المستوى الفني للمسلسل الذي أراه متواضعاً جداً من حيث الإخراج، والكادرات والحوار الدرامي، وبصرف النظر أيضاً عن جودة أداء بعض الممثلين والممثلات وظهورهم بصورة مختلفة عن التي اعتدناهم فيها، لم يلفتني شيء في المسلسل بقدر ما لفتتني قصة دعاء.

دعاء.. تلك الفتاة الملتزمة النقية التي تقاتل لتكون مثالية من حيث ترى هي المثالية، تذهب لعملها كطبيبة، ثم حلقة العلم في المسجد، تدرّس الفقه بالإنكليزية، ترتدي الفواتح من الألوان، لا تضع أياً من مساحيق التجميل، لا تتزيَّف، لا تكذب، لا تجيد التجمُّل ظاهراً أو باطناً، جافة، حريصة، تصنع لنفسها قيوداً لم يضعها التشريع أحياناً!

تواجه دعاء معاناة يومية في عدم تقبُّل الآخرين مظهرها أو طريقة حديثها، الذي ينتهي غالباً بـ"استغفر الله" أو "جزاك الله خيراً"، تتعرف على إسماعيل، الشاب الذي لا يملك من الدين سوى الشكليات، البارد المظهر والجوهر، ولكنه شاب متدين فيما تعرف هي عن التدين، فتتعلق به تعلُّقاً خالياً من أي شعور أو تفهم سوى أنه شخص يشبهها على هذا الكوكب، تشعر معه أنها ما زالت هنا تتنفس فقط لأنه يشبهها، يتحدث مثلها عن فقه الشافعية، يعرف المسجد الذي تذهب إليه، يوافق على عدم وضعها المكياج ويرى أنها لا تحتاجه، ولكنه حينما أحب قرر أن يحب أختها التي لا تشبهه مطلقاً، والتي بالمناسبة جافة إلى حد الوقاحة، ولا تجيد التجمل الظاهري والباطني أيضاً، ولكن المجتمع يقبلها ويحبها الجميع!

تحدُث نقطة تحوُّل بعدها في حياة دعاء، فتدخل في دائرة المرأة المستقلة، تمتزج بالمجتمع بشكل أكبر وتعقد صداقات، وتشعر بالسعادة.

نتفق أو نختلف حول دعاء والأسلوب الذي تم طرح قضيتها به، إلا أن الذي لا يمكننا الخلاف حوله هو واقعية قصتها، فالفتاة الملتزمة في الحقيقة لا يعدها المجتمع المصري جزءاً من نسيجه ابتداء، فتمارس هي بدورها شيئاً من الانعزالية، حتى يأتي من يقرر بدلاً عنها أنها شخص عادي، يجب أن تندمج في المجتمع مِن حولها، فتبدأ بالتخلي عن شيء من انعزاليتها تلك، وإيجاد حل وسط يرضي كل الأطراف.

حتى أتت حلقة النهاية، وافقت دعاء على خطبتها لشخص لا يتفق معها في قِيمها ومبادئ التزامها تلك، فهو -على حد قوله- "شخص عادي زي كل الناس بيقطّع في الصلاة، بس بيصلي الجمعة، وبيشرب سجاير".

أصرت والدته على أن "يشغلوا أغاني" في حفل الخطبة، فرفضت دعاء، حتى أتى خطيبها وذكَّرها بأنه تنازل عن العديد من الأشياء لأجلها فلتتنازل هي الآن، ثم قبَّلها وذكَّرها بأنه يحبها جداً!

ليفوز المجتمع في النهاية، رغم كل محاولات دعاء للتمسك بالقيم التي اختارتها طوال ثلاثين عاماً من عمرها، في الوقت الذي لم يفُز المجتمع في المعركة ذاتها مع أختها، فهي سوف تتزوج الشاب الذي يشبهها، ليقضيا وقتهما معاً في النوم بالنهار والسهر بالليل مع شرب القليل من البيرة في البلكونة، لم يستطع المجتمع الفوز في تلك المعركة، ولكنه استطاع أن يفوز في معركة دعاء، وينتهي المسلسل على الرقص على أغاني المهرجانات في حفل خطبتها.

إن سألتني أنا، فأنا لا أعد الموسيقى حراماً، وأعلم جيداً أن الأمر فقهياً فيه خلاف، ولكن الذي لا خلاف فيه أن الشخص العادي لا ينبغي أن يتهاون في صَلاته بغير عذر، وإن حدث فيدرك هذا الشخص العادي أنه مقصَّر..

إن سألتني أنا، فأنا لا أرى الانفراد برجل في مكان عام خلوة؛ لأن الخلوة تعريفها الشرعي ألا يراهما أحد أو يسمعهما، ولكن الذي لا خلاف عليه أن تقبيله إياها دون زواج أمر محرَّم..

إن سألتني أنا، فأنا أرى أن الملتزمين في مجتمعنا المصري يمارسون بعض الطقوس الانعزالية ويصرُّون على إشعار المجتمع باختلافه عنهم، ولكن ألا يحق لي كفتاة ملتزمة أن أقرر ما أرتدي أو أن أضع مساحيق التجميل على وجهي أم لا، كما قررت أختها "هبة" أو جارتها "مي" كامرأة مستقلة دون أن يلومهما أحد..

ما كانت لتكتمل جمالية قصة دعاء وواقعيتها، وجمالية حالة الموازنة الروحية التي قد وصلت لها مع صديقتها غير المحجبة، جمالية فلسفة الحب الذي يختصر التفاهم الروحي كطريق لبدء علاقة شرعية دون تعقيدات من فارق السن أو التمسك بأيديولوجية شرعية معيّنة أو طائفة محددة يتم الانتماء إليها، لولا الحلقة الأخيرة، التي تفعل فيها دعاء كل ما كانت ترفضه، فقط لتحب وتتزوج، بأنها يجب أن تتنازل لكي تعيش حياة طبيعية، مع الرجل الذي تحب.

ماذا لو كانت دعاء هي التي جعلت حبيبها ينتظم في صَلاته، يذهبان معاً لرؤية فيلم سينمائي قيِّم ثم يستمتعان بعمل من أعمال الخير، يتشاركان معاً وِردهما القرآني، تقترب روحاهما وعقلاهما معاً، ماذا لو..؟!

لِم على دعاء -وكل دعاء- أن تخرج خاسرة، أن ترضى بتقييم المجتمع لها وتصنيفه؟! ولماذا لا يطالب المثقفون بِحُرية دعاء كما طالب بالحرية لهبة أو مي أو هالة؟! لماذا على دعاء أن تبقى وحدها أو أن تتنازل.. لماذا؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بسمة سيد
كاتبة مصرية
تحميل المزيد