أن يخطبكِ أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي

عدد القراءات
530
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/05 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/05 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
Middle eastern women posing looking looking through a fence very sad one is holding a crying baby

أن يأتيكِ صوته من وسطِ الأسلاك الشائكة، محملاً بالشوقِ لرؤيتكِ وجهاً لوجه، ولينطلقَ لسانه المعقود منذ اعتقاله لسنين طويلة وصلتْ عند بعضِ زملائه إلى عقود، أن يبني آماله عليكِ، ويربط فرحته بكِ، وأنتِ الحرة وهو السجين، أن يخططَ لتكوني جزءاً من أحاسيسه المتعبة والممتعة في آنٍ واحد، أن يُقحمكِ عالمه المقيد، أن يطلبكِ زوجة؛ هل ترتضينه؟
أتوافقينه الرأيَ وتُشاطرينه القرار أم تتركينه؟! لن أتحدثَ هنا عن فتياتٍ تمت خطبتهن قبل اعتقالِ أزواجهن، بل سأتحدثُ عن فتياتٍ وافقن أن يُصبحنَ مخطوباتٍ وخاطبوهنّ ما زالوا يقضون أحكاماً عاليةً في سجون الاحتلال الإسرائيلي قد تصلُ إلى المؤبدات.

فقد جرت العادة عند الفلسطينيين وفي قطاع غزة تحديداً إلى تخليد وتمجيد صورة الأسير باعتباره بطلاً، ضحى بزهرة شبابه وجادَ بعمره من أجل الوطن، الأمر الذي جعلَ فتياتٍ كثيرات معجبات بل مفتونات بتضحياتِ الحركةِ الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما عزز قناعتهن بأن الارتباط بالأسير والزواج منه شرفٌ كبيرٌ ينقلُهن من فتياتٍ عادياتٍ إلى صاحباتِ مكانة في المجتمع، فكثيرات من التواقاتِ للشهرةِ والمكانة الاجتماعية دخلن إلى ساحةِ الماجدات باقترانهن بأسيرٍ داخل السجن، وإن سألنا عن دوافعهن لكانتْ إجابتهن "زوجة أسير وهذا يكفيني"، تواصلُ بعضهن: "سأنتظره إلى آخر رمق؛ فقبولي بالزواج منه هو هدية متواضعة مني للوطن، وهو أيضاً رد بسيط لجميله الكبير وعطائه اللامحدود"!

كما أن في ذلك تحدياً للاحتلال الإسرائيلي، ففيها يُعلن الأسير انتصاره على سجنه، وأنه قادر على أن يصنعَ فرحته ويُكون أسرته رغماً عن أنفِ الزنزانة، هي رسالة صمودٍ من الطراز الأول، تعكسُ الكثير من أساليب الفلسطينيين في تمرد على جلاديهم من المحتلين الإسرائيليين!

وبعيداً عن صحةِ أقوال الفتيات المعجبات بالأسير وبطولاته، سأحاولُ أن أعطي الموضوعَ نظرةً أكثر عقلانية وأضع الكلام العاطفي في الزاوية؛ لأقول إن موافقة الفتيات على الاقتران بأسرى داخل السجون أمرٌ لا تستسيغه بعض العقول، فمن الصعب أن تُرهن فتاة حياتها لصالح أسيرٍ لا تعرف متى سيخرج من سجنه، ثمة عوامل نفسية واجتماعية وشخصية تفرضُ على كل فتاةٍ تحديد رأيها في ذلك؛ فإن كانتْ الفكرة تحظى بتأييدٍ من فئةٍ معينة، فإن هناك من يرفضنها رفضاً قاطعاً؛ لاعتباراتٍ منطقية وواقعية، أهمها برأيي أن الارتباط بالأسير شرف كبير قد لا تقوى عليه الحالة النفسية التي اعتادتْ عليها بعض الفتيات، اللواتي يعشن في أجواء منفتحة، ولديهن بيئة مجتمعية مبنية على اللقاء والانفتاح، مثلُ تلك الفتيات يصعبُ إقحامهن زنانة الأسير وعالم عزله الانفرادي الذي يعيشه، فلا قدرة لديهنّ لخوض هذه التجربة الشعورية، التي قد تؤذيهن في مشاعرهن وإنسانيتهن.

علاوة على ذلك، فإن استحالة التكهنِ بموعد الإفراج عن الأسير يضيفُ عبئاً آخر على كاهل الفتاة في حالِ خطبتها له، وقد يُفرج عنه من السجن وتجده شخصاً آخر غير الذي سمعتْ عنه، بل شخص لا يمت بصلة لذلك الذي تحدثتْ إليه وتحدث إليها خلال مرحلة خطبتهما التي أمضاها في السجن، ومن هنا تحدث الفجوات ويُصبح الحل الأيسر لهدمها أن يتزوج الأسير بثانية أو أن ينفصلَ عن مخطوبته؛ لأنها قد تكون كبرتْ أو هرمتْ وهي تنتظره، ولم تعد صالحة للإيفاء بمتطلبات الحياة الزوجية والأسرية.

أبطال فلسطين والكرامة والوطن، نعم بالصوت العالي أقول، لكن أن تهبَ الفتاة نفسها لأسيرٍ تقدمَ لخطبتها في السجن، أمرٌ يحتاجُ إلى التريث والعقلانية، وفي حالِ رفضت الارتباط فإن رفضها لا يعني أبداً التقليل من شأنِ الأسير وأهميته ووزنه؛ فكثيرات لسانُ حالهن يقول: "إن الارتباط من أسيرٍ داخل السجن أو حتى أسيرٍ محرر، شرفٌ كبير لكننا لا نقوى عليه ولسنا أهلاً لاستحقاقاته وتبعاته لا النفسية ولا الاجتماعية ولا الجهادية، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وحجم قدراته؛ فلا يُكلف الله نفساً إلا وسعها".. ومن هنا فإنني أتمنى على الأسير أن يتريث قبل أن يطلبَ بنت الحلال وهو داخل أسوارِ سجنه، تفادياً للكثير من الإشكاليات التي قد يصطدم بها بعد تحرره.

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هنادي نصر الله
مراسلة تلفزيونية
تحميل المزيد