التّخرج حُلم معظم أولئك الذين يدخلون المعاهد العليا والجامعات، في مختلف أنحاء العالم؛ لأنه إضافة إلى سحر لباسه الأكاديمي الأسود، وسحر تلك الورقة المصنوعة من الكرتون، والتي تعبّر عن إكمال الدراسة في تخصص معين، بتقدير معيّن، فإن بالنسبة للجميع بوّابة نحو عالم الوظيفة التي ستجعل الطالب يخرج من عالم الأحلام التي قضى سنوات طويلة في التخطيط لها، والدخول إلى عالم التنفيذ.
لكن هل يحقّق الجميع أحلامه بعد التخرج؟
دعونا نتحدث بلُغة الأرقام التي لا تخطئ:
يبلغ معدّل البطالة في بلجيكا، حسب إحصاءات 2016 ما يقدّر بـ 8 بالمائة، لو قمنا بحساب عددهم نسبة إلى جميع البلجيكيين الحاصلين على دبلومات في مجالات مختلفة، سنجد أن العدد هو 433.882 عاطلاً عن العمل. أي 433.882 مُتخرجاً كانت لديه أحلام كثيرة ولم يحقق منها أي شيء لحد السّاعة، ناهيك عن كونه لا يزال تحت رعاية والديه في غالب الأحيان.
في البرازيل ترتفع النسبة إلى 10.1 بالمائة، في فلسطين 41.5 بالمائة، اليونان 24.1 بالمائة، العراق 16 بالمائة، في المغرب هناك ما يقارب 1.2 مليون عاطل عن العمل.
إذا رغبنا الآن في الحديث بلُغة الأسواق والاقتصاد، سنشرح الأمر ببساطة شديدة:
لنتخيل أنني أبيع الطماطم بسعر معيّن في سوق محلّية، وإذا أشرنا إلى كون هذه السوق تعجّ بباعة الطماطم، ولكن عدد المشترين لا يتجاوز 30 شخصاً في اليوم. هنا نجد أن العرض أكبر بكثير من الطلب، وبالتالي فإن الكثير من باعة الطماطم سيقضون أيامهم في السوق دون بيع أي شيء.
هل تعتقدون أنه من الحكمة أن أبقى في هذه السّوق لأبيع الطماطم طيلة حياتي وأنتظر كلّ يوم مشترياً دون أن أفقد الأمل؟
هذا تماماً ما يحدث مع الوظائف في سوق الشّغل. الطماطم هي الدبلومات والمشترون هم الشركات التي نادراً ما تبحث عن شخص جديد.
ما الذي ستفعله بعد التخرج؟
جرّب أن تطرح هذا السؤال على أي طالب تصادفه في طريقك، الجواب مشترك بين الجميع: سأبحث عن وظيفة.
هل تفكّر جيداً في السؤال قبل أن تجيب؟ هل تعلم أن ملايين الطلبة سيبحثون مثلك تماماً عن الوظيفة؟ هل تعتقد أن دبلومك يكفي لتمييزك عن البقية؟ أم أن لديك خطة بديلة؟
صدّقني، إذا لم تصنع لنفسك خطّة بديلة ستبقى في السوق المحلية لسنوات حتى تملّ وتنسى تماماً كيف تباع الطماطم وما هي أهميتها بالنسبة لك.
لهذا قررت أن أشارككم بعض الأشياء التي يمكنكم، وأحياناً يجب عليكم فعلها ما عدا البحث عن وظيفة بعد التّخرج:
تطوير مهارة واحدة
تخرّجت في تخصّص البرمجة؟ هذا ممتاز، لكن هل تعلم أن البرمجة التي درستها في الجامعة مجرد مبادئ أكاديمية لا تؤهلك لسوق العمل؟
في العمل سيطلبون منك برمجة تطبيقات ومواقع احترافية، وليس مشاريع تخرج؛ لذلك قبل البحث عن وظيفة ابحث في الإنترنت عن مهارة محددة في عالم البرمجة، ركّز على لغة واحدة أو برنامج واحد وتعلّم كل خفاياه وتفاصيله قبل أن تطلب عملاً في شركة معينة. المهارة هي كلّ شيء، يجب أن تفهم أن الدبلومات لم تعُد تعني الكثير للمؤسسات التي تعرف قيمة المهارات أكثر من الورق.
تطبيق ما تعرفه في مشاريع تطوعية
تتقن الكتابة؟ اعمل في مشاريع تطوعية كثيرة. تتقن البرمجة؟ التصميم؟ إدارة الأعمال؟ تطوّع كثيراً، ستجد الكثير من المؤسسات التي تحتاج كفاءتك.. واعلم أنها حتى ولو لم تدفع لك درهماً واحداً فإنها تقدم لك شيئاً أغلى من المال، شيئاً لن تعرف قيمته إلاّ بعد سنتين أو ثلاث من انتهاء تلك التجربة.
هناك مؤسسات شهيرة تحتاج متطوعين، تخيّل لو عملت لصالحها لأربعة أشهر فقط ماذا ستربح ما عدا المال؟ ستربح شيئين مهمّين جداً في عالم الوظيفة:
– تجربة للإضافة للسيرة الذاتية التي ستبقى فارغة إن لم تفعل هذا.
مشروع لإضافته لمعرض أعمالك وعرضه على الشركات التي سترغب في العمل معها مستقبلاً.
لا تربط نفسك بالبحث عن المال.. كن ذكياً، ابدأ بلا شيء وتأكّد أنك ستخرج بالكثير من الفوائد لاحقاً.
من خلال تجربتي الشخصية، أستطيع أن أؤكد لك أنني رغم كوني قد عملت تطوعاً لأكثر من 4 سنوات في مجالات مختلفة فإن كل الأعمال المدفوعة التي حصلت عليها لاحقاً بعد السنوات الأربع كانت بسبب تجربتي التطوعية، وكانت كفيلة بجعلي أسترجع كلّ تلك المبالغ التي لم أحصل عليها أثناء فترة التطوع.
البحث عن الكنز
هل تعلم أنت الإنترنت شبكة عنكبوتية؟ حسناً.. هل تعلم أن المواقع التي تتردد عليها يومياً لا تشكل حتى 0.01 بالمائة من محتوى الإنترنت الذي يستحق أن تهتم به؟
اصنع تحدّياً لنفسك، اخرج من فيسبوك، تويتر، مواقع الأخبار، وجميع المواقع العادية التي تعرفها وتدخل إليها يومياً وابحث في دهاليز الإنترنت عن مواقع جديدة، تطبيقات جديدة، عن أفكار جديدة.. انفتح على العالم واكتشف أساليب عمل وتعلّم جديدة.
طوّر لغاتك الأجنبية وابحث بها على الإنترنت لتدخل عالماً آخر لم يسبق لك أن عرفته. هناك الكثير مما يمكن اكتشافه إذا تركت جانباً ما تفعله كلّ يوم بشكل روتيني ومُمل.
لا تحتاج جواز سفر ولا حساباً بنكياً لتحضر درساً في أرقى جامعات العالم، يمكنك من خلال جهاز حاسوبك أن تسافر لجميع القارات وتكتشف خبايا ما يحدث في الإنترنت الخاص بها وتتعلم منه، فلماذا لا تفعل ذلك؟
قُم بالتسويق لنفسك
هل تعلم أن بروفايلك وكل تجاربك وما فعلته في حياتك هو ماركة كاملة؟ وما هي الماركات؟ إنها مجرد هيئة معنوية تقدم خدمات أو تبيع منتوجات للمستهلك، تملك لوغو أو هوية بصرية وتقوم بالتسويق لنفسها بكلّ الطّرق لكي تبيع نفسها.. هل فكرت يوماً في نفسك بهذه الطريقة؟ ما الذي تفعله في الواقع حين تطلب من شركة ما أن تقوم بتشغيلك؟ ألست بصدد بيع بروفايلك وتجاربك ودراستك ومهاراتك لهذه الشركة التي ستدفع لك مقابلاً بشكل شهري؟ افعل ذلك إذن منذ اليوم، حدّد مهاراتك وتجاربك وتعلّم كيف تبيعها.
استعمل الإنترنت أو استعمل أي شيء آخر تتقنه لكي تجعل الناس يعرفون اسمك، وبمجرد سماعهم اسمك يخطر ببالهم ذلك الشيء المميز الذي تتقن فعله.
أنشئ مشروعك الخاص
أعرف أن الكابوس الوحيد المتعلق بهذه الفكرة هو رأس المال. كل من يقرأ هذه العبارة يفكر في جيبه، ويتساءل: هل أملك المال الكافي لإنشاء مشروعي أم لا؟
إنها أفكار تقليدية انتهى عصرها. هل تعلم أنه في سنة 2017 يمكنك أن تنشئ مشروعاً من صفر درهم؟ صفر دولار وصفر يورو؟
حسناً، هناك ما يسمى بالستارتاب، لماذا لا تجرّب هذا؟ يمكنك اختيار فكرة وجمع فريق والبحث عن مستثمرين لتطبيقها على أرض الواقع. ليس المال هو ما ينقص المستثمرين بل الأفكار ومن يسير بها نحو النجاح.
استغل هذا الأمر إذن، ابحث عن مواقع التمويل الجماعي واقترح مشروعك عليهم واعمل عليه وستفهم كيف أن كلّ شيء سهل جداً ما دمت تملك الإنترنت.
إذا كانت لديك أية تساؤلات أو استفسارات بخصوص أي شيء ورد هنا، لا تنسَ تركه لي في تعليق أو مراسلتي عبر حسابي وسأجيبك عليه بالتفاصيل التي تهمّك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.