لماذا أنا محجَّبة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/02 الساعة 07:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/12 الساعة 13:16 بتوقيت غرينتش
Portrait of a modest Muslim woman on a light background, Russia

2016:

"في مصر مفيش حاجة بتحصل غير ظاهرتين: الجواز، وقلع الحجاب"، قالها صديقنا متهكماً بينما نجلس في "جروبي" بالقاهرة لتوديع صديقتنا قبل السفر، أدركنا أنه يتحدث عن هذا الكمّ من الصديقات اللاتي نعرفهن خلعن الحجاب، حتى بات الأمر أشبه بالروتين اليومي أن تستيقظ كل صباح لتعلم مَن قررت خلع الحجاب، ثم بدأت أتذكر المسكوت عنه.

1997:

كنت أسمع المشاجرة بين قريبتي ووالدتها بصمت، هي في عمري نفسه (8 أعوام)، فرضت عليها مدرستها الأزهرية ارتداء الحجاب، ولكنها ترفضه؛ لأنه يمنعها من اللعب مع غيرها من الأطفال، أو ممارسة أنشطتها الرياضية، "مش فاهمة ليه ألبس حجاب وأنا أصلاً مش مؤمنة به"؛ لتنتهي المشاجرة بأن تتفق معها أمها على ارتدائه فقط خلال ساعات المدرسة، أما خارجها فهي حرة في ارتداء ما تريده.

2004:

أذهب إلى درس اللغة الإنكليزية فيمنعني المدرس من الدخول، "أنت حرة في الأوقات العادية، ولكن في شهر رمضان عليك الحجاب؛ حتى يُقبل صيامك".

لم أخبر المدرس بأنه يتعدّى على حريتي الشخصية ويتجاوز دور أبي وأمي اللذين تركا لي حرية الحجاب بعد أن أخبراني بحكم الدين.

أضطر إلى الذهاب للدرس في المرة التالية محجّبة، والسبب ليس إيماني المفاجئ؛ بل لأننا في منتصف العام الدراسي ولم أجد مدرساً آخر قريباً من بيتي!

2005:

تندهش قريبتي "المتدينة" من ارتدائي الحجاب، وتخبرني بأنني ما زلتُ صغيرة وعليَّ أن أتمتع بحياتي قبل تلك الخطوة التي ستحجب جمالي عن الناس!

2007:

تخبرني صديقتي -ونحن في العام الأول الجامعي- عن سبب حجابها، كان ضخماً -عبارة عن عدد كبير من "الإيشاربات" بعضها فوق بعض كأنها عمامة تركية!- بأنه التزام بالعادات والتقاليد، وسط مجتمع لا يعترف سوى بالشكليات، فالحجاب "أصبح برستيجاً".

كلماتها كانت صادقة؛ فحجابها لا يتناسب إطلاقاً مع نمط ملابسها الغربي من الجينز الضيق والتيشرتات القصيرة.

وحكت عن جارتها التي عانت مضايقات جيرانها، خصوصاً من الشباب؛ بسبب عدم ارتداء الحجاب.

ما أدهشني في كلام صديقتي أنها تنتمي إلى مستوى ثقافي واجتماعي مرتفع!

2009:

بداخل أحد مدرجات كلية إعلام القاهرة، تحوَّل النقاش من الإعلام الاجتماعي إلى الحجاب، وسِجال حول أسباب ظهوره؛ هل الوازع الديني أم التأثر بالتيار الوهابي من قِبل المصريين العاملين بالخليج؟ أم جاء رداً على انتشار الجماعات الإسلامية في السبعينيات؟ لينهي المحاضر المناقشة بأن الحجاب ليس ظاهرة في حد ذاتها؛ بل هو رد فعل نتيجة الظروف الاقتصادية الطاحنة، فالأم والمرأة العاملة التي تشكل أكبر نسبة داخل المجتمع لا تملك الوقت أو المال للذهاب أسبوعياً إلى صالونات التجميل، وبعد مشاركتها في إعالة أسرتها أصبحت تفضّل أن يذهب كل قرش تكسبه إلى أسرتها وأطفالها، قائلاً: "كفى اهتماماً بالقشريات التي تقال في الإعلام".

2011:

بعد التخرج في الكلية، كانت المفاجأة؛ خلعت أربع صديقات الحجاب، والأسباب مختلفة لكل منهن؛ فمنهن مَن قررت خلعه استجابةً لحبيبها، وأخرى لأنها ارتدته فقط خلال الكلية؛ حتى لا تكون منبوذة، وثالثة لأنها بحثت كثيراً في الدين ووجدت أنه مجرد عادة.

أما الأكثر إدهاشاً بالنسبة لي، فكانت تلك الصديقة التي تفتخر بثقافتها وانتمائها الإسلامي وكل أنشطتها تؤكد ذلك، ولكنها خلعته لكي تحقق حلمها وتصبح مذيعة!

2015:

"لماذا أنا محجبة؟".. كان سؤالاً مربِكاً مباغتاً من تلك الإعلامية الكبيرة، تلعثمتُ ثم ابتسمت بصمت، فبمَ سأخبرها؟ بالطبع، تعلم أنه أحد تعاليم الدين الإسلامي، فهي تنتمي إلى بلد عربي يمتاز بتنوع الديانات والمذاهب، سؤالها بدا أعمق من تلك الإجابة المباشرة، كانت ترغب في معرفة علاقته بقناعاتي الشخصية، غادرت المكان وأنا أفكر في توقيت السؤال الذي جاء -وللمصادفة- متزامناً مع حرب مشتعلة في مصر بسبب مناقشة دعوة خلع الحجاب.

2015:

بينما ننتظر بدء محاضراتنا في الجامعة الأميركية ببيروت، حكى زملائي قصة الحجاب في بلدانهم العربية، فبدا أنه ليس قضية مصرية فحسب؛ بل عربية دوماً محل جدل.

فصديقتنا العراقية من البصرة، أعلنت كرهها الحجاب؛ فقد اضطرت إلى ارتدائه جبراً؛ التزاماً بما أقرته قوات الجيش وغيرها من القوات بسبب الحرب، "إذا جاءت لي فرصة فسأخلعه على الفور".

في دول الخليج، كان تأكيد أن الحجاب عادةٌ، الالتزام بها أمر مسلَّم به وليس شأناً دينياً، بحسب الكويتي "حسين"، فزوجته ترتدي الحجاب كتقليد نسائي، وأكدت اليمنية "بغداد" كلامه بقولها: "عندنا الحجاب إرث وتقليد، لا يمكن مناقشته، وهو ليس حجاباً عادياً؛ بل أشبه باللثام لا تظهر منه سوى عينيّ".

الحديث عن أن الحجاب لم يعُد قناعة دينية، صار كرة طاولة، الكل يلقيها للآخر في المغرب والجزائر وليبيا ومصر، ما عدا تونس، فبحسب "وفا"، فالمرأة تتمتع بحرية كبيرة تجعلها ترتدي الحجاب وفق معتقداتها الشخصية وليس جبراً من أحد، و"يسرا" بالفعل ارتدت الحجاب وخلعته بعد أن شعرت بأنها غير مستعدة له، "لم يتعرض لي أحد".

2017:

في جلسة رمضانية مع الأصدقاء، كان الحديث يدور حول هل تربية الفتيات أم الذكور هي الأسهل؟ حكى صديقنا -ذريته من الذكور- أنه لم يتمنَّ قط إنجاب إناث، أمَّنت زوجته على حديثه، وتبريرهما أن الفتيات الصغيرات في عائلتهما أو بيوت أصدقائهما لم يعُدن صغيرات، فهن يرفضن الحجاب؛ بل ويصفن أمهاتهن المحجبات بالمتخلّفات!

لم أصمت كما اعتدت كل مرة أسمع فيها كلمة "حجاب"، أخبرت صديقنا بأنني كنت مثل غيري متردِّدة بشأن حجابي، بعد أن أدركت أنني أرتديه تقليداً وإرثاً وليس قناعة شخصية.

ولولا أنني أخذت على نفسي عهد الإجابة عن سؤال "لماذا أنا محجبة؟" من خلال البحث والقراءة المستمرة وحضور الندوات، لكنت خلعته منذ زمن.

فالمشكلة ليست فيمن قررتْ خلع الحجاب ولكن في المجتمع، وكثيرات خلعنه بعد أن رأين التناقض الشديد بين أفكار المجتمع وسلوكه، الذي يقول شيئاً وينفّذ شيئاً آخر، يدّعي الفضيلة والشرف في الملبس فقط، بينما في السلوك يتبع مبدأ "الضرورات تبيح المحظورات".

المجتمع الذي اختزل الحجاب في مجرد مَلْبس يمنع التحرش أو مضايقات الرجال، أو مجرد قطعة قماش يمنح الفتيات صك العفة والشرف، أو يجعل الناس ترى الفتاة مطيعة وليست متمردة تبحث عن كيانها! وخلع الحجاب هو نتيجة حتمية للتعامل مع الفتاة كإحدى عرائس "الماريونت"، فبمجرد البلوغ نجبرها على ارتداء الحجاب دون مناقشة، والرد إن اعترضت: "الدين بيقول كده"، ثم تأتي أمهات فيطلبن من بناتهن التخفف من الحجاب وارتداء ما يصف وما يشف لـ"جلب العريس"!

فلم نشرح أن الحجاب فكرة دينية وليس عادة مجتمعية، ولم نشرح أنه جزء من الهوية -ليس كلها كما يقول بعض الغلاة- ولم نحكِ عن رأي الدين ورؤيته للمرأة ودورها في المجتمع وأنه في النهاية -بحسب الدين- لها القرار بالاستمرار في لبسه أو خلعه دون إجبار.

فلا لوم على مَن خلعت الحجاب في مجتمع لا يلتزم بالمعنى الحقيقي للحجاب! ويجب ألا نندهش إذا كثر سؤال: "لماذا أنا محجَّبة؟!".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إنجي الطوخي
صحفية مصرية
كاتبة صحفية، تعمل حالياً بجريدة الوطن المصرية، وسابقاً في الشروق المصرية، حاصلة على بكالوريوس الإعلام من جامعة القاهرة. درست في الجامعة اللبنانية الأمريكية (دراسات إعلامية)، حصلت على العديد من الدورات التدريبية في رويترز، ومعهد جوته الألماني، والجامعة الأمريكية بالقاهرة. عملت في مؤسسة سمير قصير لحرية الصحافة خلال عام 2015، متخصصة في كتابة القصص الإنسانية، أؤمن بأن لبعض الكلمات تأثيراً يفوق الرصاص.
تحميل المزيد