نصيحة.. لا تتزوج من غزاوية!

عدد القراءات
1,783
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/01 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/01 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش

قيل لأحدهم استظرافاً: "تزوج فلسطينية تعيش في غزة؛ شهدت ثلاث حروب، وعاشت عشر سنوات من الحصار، وتحملت ويلات انقطاع الكهرباء والماء، والحياة وفق الجداول، والتشرد بعد القصف، ومرارة فقد الأحبة، من تحملت كل هذا حتماً ستتحمل الحياة مع شخص مثلك"

من واقع خبرتي، كامرأة فلسطينية تعيش في غزة، دعوني أخبركم أنه، بالإضافة للآثار السلبية التي قد تشوه المعايير والمبادئ والقواعد الأخلاقية العامة عند الكثير من الناس، التجارب الصادمة تطور الخبرة المعرفية والسلوكية للتعامل مع الصدمات؛ وبالتالي التكييف معها، ومن ناحية أخرى، فإنها تؤثر عميقاً في تطور الشخصية، وطريقتها في إدارة أزماتها الداخلية، وآليات اتخاذها للقرارات، وتجعلها أقوى وأقدر على التعامل مع الأزمة المستقبلية المحتملة.

الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي المرير الذي عاشه المجتمع الفلسطيني في غزة تحت وطأة الحصار الخانق منذ العام 2007، أدى إلى تغييرات عميقة في بنية المجتمع الغزي، ومع أن المرأة كان لها النصيب الأكبر من العبء المعنوي والمادي لهذه الفترة الضاغطة من الزمن، إلا أنها استطاعت بفضل إرادتها وبدعمٍ من المؤسسات النسوية والإغاثية، أن تكسر الكثير من الحواجز التي كانت تعد عصية على الكسر قبل هذه الأزمة.

طبيعة المجتمع الغزي المحافظ لم تكن في السابق تنظر بإيجابية لعمل النساء، الآن ازدادت أعداد النساء العاملات اللاتي يبحثن عن الفرص في سوق العمل العام والخاص، وبادرن للمشاركة في حركة الأعمال الريادية التي ازدهرت في القطاع، بحثاً عن حلول للأزمة الاقتصادية الخانقة، ووضعت المرأة بصمتها في مجالات الإعلام والقانون والتجارة الحرة، وكلها كانت مناطق شبه محظورة على النساء في غزة، خاصة بين بنات الطبقة الوسطى.

وأدى هذا إلى انفتاح النساء المعنفات والمهمشات على نوافذ التدريب المهني والفني والتوعية القانونية والحقوقية، وتمكنت المؤسسات النسوية من الوصول إلى معظم طبقات المجتمع، من خلال برامج التوعية المقترنة بالدعم الاقتصادي وقروض المشاريع الصغيرة والصغيرة جداً، ومن خلال دعم النساء الفاقدات بعد الحروب مادياً ومعنوياً، وأيضاً من خلال تشجيع إنتاج الأبحاث والمواد الإعلامية التي تستهدف كشف حجم المعاناة وأبعادها، وكيفية التعامل معها، فأصبح هناك قاعدة شعبية تدعم المطالبات في تغيير القوانين المجحفة بحق المرأة.

ومن قلب الانكسار، لمعت أسماء الكثير من الفتيات والنساء الرياديات والعصاميات والمبدعات وصانعات النجاح في كل المجالات، وبعضها تخطت الحدود المحاصرة؛ لتثبت نفسها عربياً وإقليمياً. وهكذا بفضل إثباتها لجدارتها ومقدرتها استطاعت المرأة الفلسطينية، تحت نير الظلم والاستهداف، في خلال أحلك السنوات عتمةً في تاريخ القضية الفلسطينية، وفي ظل أسوأ الظروف الاقتصادية والسياسية سوءاً، أن تحقق إنجازات ونجاحات قياسية، وغيرت في مفاهيم الموروث الفكري الاجتماعي الذكوري الموجه ضد النساء لتنال مساحة خاصة بها على خارطة الفعل والتغيير والشراكة الاجتماعية.

نظرياً يبدو هذا إيجابياً، لكن على المستوى الواقعي لا يتعدى كونه تحسيناً لظروف المعاناة، لا تزال المرأة في غزة تعاني وتعيش ظروف حياتية بمنتهى القسوة، ما تزال تقاوم العنف الأسري والظلم الاجتماعي، والعوز الاقتصادي، وهي بحاجة ماسة للتخلص هذه المعاناة، إنها صامدة، تعرف أنها تحمل على ظهرها أوزار وتبعات قرارات رجال لم يكونوا على قدر مسؤولياتهم، ولا تتراجع؛ تعيش بعض حياة تستحقها كلها، لكنها لا تمانع؛ لأنها تراهن على صبرها في معركتها مع الوقت.

ما يدعو للأمل، أن نَفَس الفلسطينيات لو تعلمون طويل، وصبرها قلما يخونها، وفطنتها لا تخذلها، وفطرتها عادة ما تقودها للنجاة من حيث لا يدري أحد؛ لذا سيكون من الصعب التعامل مع الفلسطينية على أنها فريسة سهلة يمكن السيطرة عليها والتنكيل بها دون أن تدافع عن نفسها.

لنعد للأخ الذي كان يتلقى نصيحة في بداية هذه التدوينة: نصيحتي لك: الفلسطينيات جميلات وصبورات لكنهن قطعاً لسن ضعيفات، فإذا كنت نذلاً حقيراً تبحث عن أنثى ضعيفة، تتحمل ساديتك وحقارتك، فلا تتزوج فلسطينية تعيش في غزة؛ لأنها غالباً ستربيك وتربي أهلك الذين لم يربوك من جديد.

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سماهر الخزندار
كاتبة فلسطينية
تحميل المزيد