أمل الوجود بالكنز المفقود في بلاد العرب

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/01 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/09 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
"Istanbul,Turkey - June 28, 2004 : Anti-NATO demonstration in Istanbul. Protesters arrested by police on June 28, 2004."

هل حقاً حقوق الإنسان ورعايتها عبء على الأنظمة والحكومات؟

في مجتمعاتنا العربية نعاني بدرجات متفاوتة مع كل نظام خروقات لكافة قواعد حقوق الإنسان، رُغم أنه التزام فرضته الدساتير والاتفاقيات الدولية على أنظمة الحكم.

فحقوق الإنسان ليست منَّة بل حق غير قابل حتى للانتقاص، ناهيك عن العصف والتجريف الواقع في بلادنا لكل هذه القيم.

يُروّج ومنذ زمن في بلادنا لحقوق الإنسان على أنها رفاهية لا يجب محاصرة الدولة بها لتأثيرها على عمل الأجهزة الأمنية في حفظ ورعاية الأمن القومي، حتى ترسّخ في عقول قطاع عريض من شعوبنا العربية أن الأمن القومي وحقوق الإنسان في تضاد، ولا يمكن أن يجتمعا.

فلا صوت يعلو فوق صوت الأمن القومي، وعبارات تعرضه للخطر تحاصرنا في كل مكان، تلاحقنا حتى في النقاشات والحوارات الأسرية والمجتمعية، وفي مجالس الأصدقاء ومقرات العمل، تُفرد المساحات الزمنية بلا أمد لسرد المخاطر التي تهدد أمن بلادنا القومي من كل حدب وصوب، فمجرد الحديث عن حقوق الإنسان في ظل هذه الظروف المُصطنعة موضع الترفيه المتعارض مع الواقع الوهمي.

أصبحنا نؤمن بذلك تحت تأثير خطاب الإعلام الموجه من قِبل الأنظمة، ونجحت في غرس هذا المفهوم، فتنازلنا عن حقوقنا من أجل الأمن القومي، وفُتح باب انتهاك كافة حقوق الإنسان على مصراعَيه أمام الأجهزة الأمنية بلا محاسبة ولا عقاب.

سدَّت القوانين والاتفاقيات الدولية ذرائع أي نظام يستبيح هذه الحقوق بدعوى محاربة الإرهاب أو حتى أثناء الحروب، فخصصت للإنسان أثناء الحرب اتفاقية تحميه (اتفاقيات جنيف 1949 الأربع التي وفرت كيفية حفظ هذه الحقوق للعسكريين والمدنيين وقت الحروب).

أمن وسلامة الشعوب وتقدمها مُرتبطة وبشكل مباشر بمدى التزامها بحماية حقوق الإنسان وإعلاء مبادئها.

الجانب المنسي في الحديث عن حقوق الإنسان هو أنها ركيزة الأمن القومي والتقدم والازدهار الاقتصادي لكل مجتمع، كل حسب التزامه بتلك الحقوق.

قوام المجتمع هو الإنسان، صفته المكتسبة كمواطن (أو بدونها) له شخصية قانونية يعيش على إقليم (دولة) إذا ما تعرضت حياته أو ممتلكاته لخطر، يُولَد لديه شعورٌ بالخوف وعدم الأمان والاستقرار نكون أمام خطر يهدد أمن قوام المجتمع.

وواقعنا العربي خير دليل على ضياع الأمن الداخلي وشعور بالخطر الدائم بيد السلطة، فأي أمن قومي ذلك لمجتمع لا ينعم مواطنوه بمجرد شعور بالأمن والطمأنينة؟!

حقوق تحمل في جنبات إنفاذها كنوزاً للمجتمعات كفيلة بأن تغيّر ملامح بلادنا للأفضل.

مثالاً لا حصراً؛ الحق في العمل مكفول لكل إنسان، وعلى الدولة توفير فرص عمل مناسبة تستوعب كل مَن له حق في ذلك، وتؤهله للنزول إلى سوق العمل.

تطبيق هذا النص يكفي لنهضة مجتمع اقتصادياً وإدارياً ومؤسسياً من خلال توفير فرص العمل المناسبة لكل في تخصصه، بعيداً عن المحسوبية التي لا ينتج عنها إلا الفشل من جهة، وإهدار لحقوق مستحقين لعمل من جهة، وإضاعة كوادر على الدولة وكفاءات قادرة على النجاح وإنجاح الدولة وتقدمها.

انظروا إلى بلدان تحمي حقوق الإنسان وترعاها إلى أين وصلت من تقدّم وتطور في كل العلوم والمجالات، وبين بلدان نخر المرض أجساد مواطنيها وعمّ الجهل والفقر والفساد حتى أصبح البؤس يوصف بملامحهم، رسخت زيفاً في عقول شعوبها أن الأمن القومي فوق حقوق الإنسان.

ما زلنا نبحث عن وجود لنا كمجتمع يحترم الإنسان ويقدر العقول، يرعى النوابغ من أبنائنا بدلاً من أن يدعوهم للعمل على (توك توك، بيع الخضار!).

نأمل في العثور على الكنز المفقود في بلاد يرى حكامها أن حقوق الإنسان عبء على كاهلهم ورفاهية لا محل لها في واقعهم الوهمي!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسين صالح عمار
محامٍ وباحث قانوني
حسين صالح عمار محامٍ وباحث قانوني سابق بوزارة التنمية المحلية، وباحث حقوقي ومساعد باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة أوكسفورد، وعضو مجلس إدارة مستشفى كرداسة الحكومي وعضو فريق تنسق برنامج مساعدة اللاجئين (صوي) بتركيا
تحميل المزيد