بعد الحملة الناجحة للشباب الجزائري التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ خليها تصدي إشارة إلى السيارات المستوردة والغالية الثمن، جاء الدور على الشباب المغربي أو كما يحبون تسمية أنفسهم الشعب الفيسبوكي الذي أطلق حملة منذ قرابة أسبوع لمقاطعة مجموعة من المواد والمنتجات الاستهلاكية لشركات مغربية وأجنبية، والتي يعتبرونها مثقلة لكاهل العائلات المغربية بسبب الارتفاع الكبير وغير المبرر في الأسعار، وكمثال على ذلك منتوج ماء سيدي علي المعدنية الذي يباع بخمسة دراهم مغربية للتر الواحد، والذي يساوي أضعافاً مضاعفة في بعض البلدان الأوروبية ثم سنطرال للحليب الذي ارتفعت أسعاره خلال السنوات الأخيرة من درهمين ونصف إلى ثلاثة دراهم ونصف لنصف لتر فقط، ثم شركة الغاز إفريقيا.
تم وسم مقاطعة المنتجات بتسميات مختلفة، حيث نجد أكثرها تفاعلاً على موقع فيسبوك
#خليه_يريب
#مازوطكم_حرقوه
#الما_ديال_الله_ماشي_ديالكم
تجندت لهذه المقاطعة أكبر الصفحات والمجموعات الفايسبوكية والتي تلقى تفاعلاً بالآلاف، ولأول مرة يمكن القول أن هناك انسجاماً وهدفاً واحداً استطاع أن يلتئم عليه الشباب الفايسبوكي المغربي وذلك لإحساسهم بأن القضية تهمهم بالدرجة الأولى والتي تمس جيوب العائلات الفقيرة والتي لا يتعدى دخلها الحد الأدنى للأجور، مع اعتبار أن ثلث الشعب المغربي يعيش تحت عتبة الفقر، في حين قامت صفحات أخرى بتخوين المنخرطين واعتبارهم خونة يحاولون زعزعة الاقتصاد المغربي.
ويتضح كذلك من خلال تفحص العديد من المنشورات أنها تتطرق لموضوع المقاطعة من جميع الجوانب النفسية من خلال التأثير بكلمات رنانة وصور معبرة تشجع على الاستمرار في المقاطعة، ثم الجانب الاقتصادي الذي استحضرت فيها معادلة المقارنة بين أثمنة المنتجات وربطها بالدخل الفردي مع دول متقدمة كدولة قطر والسعودية ثم إيطاليا وإسبانيا، وكذا استحضار قيمة أرباح ملاك الشركات المعنية بالمقاطعة، وكذا الاجتماعية التي ركزت على الاستنزاف الذي يطال جيوب البسطاء وخصوصاً المياومين الذين يضطرون لتوفير هذه المواد الأساسية لأبنائهم صباحاً، ثم السياسية واستهداف لأشخاص بعينهم ومدى تأثيرهم على صناعة القرار واستغلال للنفوذ للاسترزاق على حساب الشعب.
ويلوح الكثير من المنخرطين أن الحملة ستستمر لمدة شهر كامل، مما يعني أن شهر رمضان المقبل في أسبوعه الأول معني بالمقاطعة، وستطال الكثير من المنتجات الأساسية الأخرى لردع هذه الشركات والكف عن استغلال المواطنين بشتى الطرق الممكنة، وتفاعل مع الحملة الكثير من أصحاب المحلات التجارية وظهر ذلك من خلال فيديوهات وصور موثقة، مما يعني أن الحملة هذه المرة جدية رغم ظهور بعض الأشخاص محاولين توجيه الحملة وإضعافها، خصوصاً بعض المحسوبين على بعض الأحزاب السياسية التي تحتضن كبار المستثمرين في المغرب.
تعتبر ثقافة المقاطعة نوع من أنواع الاحتجاج السلمي المبني على حجج واقعية ومنطقية، وهي طريقة للتعبير عن رأي جماعة أو شخص، ويكون عادةً في منطقة ذات شهرة واسعة لإيصال الصوت إلى أغلب شرائح المجتمع، والمنطقة أو الفضاء الأكثر شهرة للشباب المغربي هو وسائل التواصل الاجتماعي، وهو فضاء لا يمكن أن تتحول فيه المقاطعة أو الاحتجاج السلمي إلى صراع بين الشعب والسلطة.
إن وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت ذات تأثير قوي على سياسات الدول والحكومات وأصحاب القرار، ولعل أبرز إنجازات هذه المواقع الاجتماعية احتضانها لشرارة ثورات الربيع العربي قبل توسعها للشارع، وأساند بدوري هذه الحملة.
ولأن الدين الرسمي للمغرب والمغاربة هو دين الإسلام، فقد حذر من النزعة الاستهلاكية التي تؤدي إلى زيادة في الطلب على السلع والبضائع مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ويشجع التجار على ذلك، نتيجة لغياب الوعي لدى المواطنين، وعدم تحديد ميزانية لكل أسرة توازن بين الدخل الشهري ومعدل الإنفاق.
ونؤكد كذلك أن الإسلام نهى عن الاستغلال والجشع، والحث على ضرورة الإحساس بالآخرين حيث يقول الله تعالى في كتابه "وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". البقرة الآية.188
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.