اليوم عيد ميلاد ابني، لقد أتمّ طفلي عامه السادس، ووجدتها فرصة لاجترار الذكريات وتأمّل رحلتنا معاً.
لقد سرنا معاً طريقاً يبدو طويلاً مليئاً باللحظات الجميلة وحافلاً بالانتصارات الصغيرة، ولكني اليوم سأتحدث عن أصعب عشر خطوات خطوتها معه في هذه الرحلة.
1- الحميمية:
قد يبدو عنوان هذه الخطوة صادماً؛ من يجد التقارب والارتباط والحميمية عبئاً؟ كل منا له طاقة معينة للحميمية، ولكن مهما ارتفعت أو انخفضت طاقتك، ستجد درجة الحميمية التي تطلبها الأمومة الحقة تفوق قدرتك على الاحتمال.
لن تستطيع الانفراد بنفسك لحظة – على الأقل أول ثلاثة أعوام – لأن هناك كائناً صغيراً، اخترت أنت بكامل إرادتك أن تأتي به إلى هذا العالم، نظره وقلبه وجميع حواسه معلقة بك.
هذا الكائن الصغير يحتاج أن يلمسك وأن يراك، وأن يشم رائحتك، وأن يسمع صوتك، وأن يشعر بدقات قلبك، وأن يرى ابتسامتك أثناء يقظته وأثناء نومه بلا أي استثناءات.
2- مواجهة مع الطفولة:
وجود طفل في حياتك وتحت رعايتك يحتّم عليك قطع الكثير من الرحالات المكوكية لطفولتك أنت شخصياً.
كل يوم، لمرات عديدة، تزور مواقف وحوارات ولحظات بعينها دفتها في صندوقك الأسود وتركتها لتتفحم، وتضطر إلى استرجاعها وتحليلها والتصالح معها حتى لا تكررها مع طفلك.
تتذكر ماذا كسرك حتى لا تكسرهـ وماذا جرحك حتى لا تجرحه، وماذا شوّهك حتى لا تشوهه، وعندما تخطئ في حقه يكون الألم مضاعفاً؛ لأنك تعرف مقدار الدمار الذي ستتسبب فيه.
3- اتخاذ القرارات:
أنا أكره اتخاذ القرارات! لا أتخيل كم القرارات التي اتخذتها خلال الستة أعوام السابقة وتنوعها وعواقبها.
قرارات لحظية وأخرى يومية… قرارات مصيرية… قرارات زمنية… قرارات في جميع نواحي الحياة.
قرارات قد تبدو صحيحة… قرارات تأتي معها عواقب… قرارات تزيد من شعوري بالغربة وعدم الانتماء للمكان والزمان.
4- رؤية العالم من منظور طفل:
كان عليّ أن أتخلى عن المنطق؛ لأن عالم الطفل بلا منطق! الطفل ينبهر بكل شيء؛ يحركه الفضول والرغبة في الاستكشاف والخيال، يخاف من أشياء لا أدركها ولا يهاب كل ما أجده مرعباً.
يحتاج للحركة والخروج بصورة دائمة ويومية، ولا يعرف أي شيء عن الذوق والأصول والعيب ومشاعر الآخرين.
كيف يمكن لشخص أن يتحمل هذا المزيج من الأنانية والفضول في آن واحد دون أن يفقد أعصابه… ويخطئ؟
5- لا مفرّ:
كم كانت مريحة حياتي السابقة؛ وظيفة لا تعجبني أتركها! علاقة تؤلمني أتركها! صداقة ترهقني أتركها! البدء من جديد كان أسهل قرار حتى أصبحت أُماً!
مهما كان الألم أو التعب أو الإرهاق أو الغضب أو الثورة، لا مفر! لا يمكن أن أدخل حجرتي وأُغلق الباب خلفي ولا يمكن أن أفتح الباب وأترك طفلي ورائي، ولا يمكن أن أدخل الحمام وأحبس نفسي! لا يمكن أن أترك ورائي طفلاً باكياً متشبثاً بي وأدخل صومعتي المهجورة.
6- التعليم:
جميع قراراتي المتعلقة بالتعليم مبنية على تجربتي الشخصية في التعليم في هذا البلد.
في مكان آخر يحترم الطفل واحتياجاته وقدراته ويستثمر في المعلم ولا يستهين بإعداده وتعليمه وتأهيله، كنت سأسلك طريقاً مختلفاً.
7- التغيير:
إذا قابلت أُماً أو أباً وقالا لك بكل ثقة إن وجود طفل في حياتهما لم يغيرهما ولم يغير حياتهما، فاعلم أن طفلهما يعاني معهما وبسببهما.
البعض يسميها تنازلات والبعض الآخر يسميها تضحيات، ولكني أفضل أن أسميها جميعاً تغيرات.
لتستجيب لاحتياجات الطفل الأساسية، عليك أن تهجر موقعك الأثير المريح في الحياة وتبدأ رحلة الصيد والجمع! تصطاد الفُرص لإثراء طفولته وإسعاده وتجمع المعلومات لتساعدك على اتخاذ قرارات التعليم والرياضة والهوايات والأغذية والفسح والرحلات والصداقات.
تهجر عاداتك السيئة، وتتغير قد استطاعتك لتكون قدوة لهذا الكائن الذي يراقبك في صمت، ويتعلم منك ومن خلالك.
كلما زاد إدراكك للمسؤولية، زادت التغيرات.
8- الصبر:
كل شيء في هذه الرحلة يحتاج للصبر ويعلم الصبر ويدعوك للاستمتاع بالطريق بدلاً من انتظار النتائج.
9- الدراسة:
تربية الطفل تحتاج دراسة… رعاية الطفل تحتاج دراسة… تعليم الطفل يحتاج دراسة… كل القرارات تحتاج دراسة.
10- الهمّ:
بالإضافة للهموم المعتادة، ستحمل هَمَّ هذا الطفل وكل ما يتعلق به… ولن تضعه أبداً! ستحمل الهمّ إلى ما لا نهاية!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.