7 دروس يجب أن نتعلمها في مصر من تجربة سنغافورة

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/27 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/27 الساعة 14:03 بتوقيت غرينتش
Boston, Massachusetts, USA skyline.

نفتخر دائماً كمصريين بتاريخنا العريق، وفي الحقيقة يحق لنا أن نفخر بذلك التاريخ الحافل الذي يمتد لقرابة 7000 سنة؛ حيث كانت مصر مهداً للحضارة.

لكننا لا نفتخر فقط بالماضي السحيق والحضارة الفرعونية، فالأجداد أيضاً ما زالوا يتباهون بالوضع الذي كانت عليه مصر منذ خمسين عاماً، سواء من حيث نظافة الشوارع أو توافر السلع والخدمات أو أخلاق الناس، مقارنة بالوضع الحالي لمصرنا العزيزة، آملين أن تعود عقارب الساعة للوراء حتى نعيش فترة مماثلة.

وبينما نحلم بالرجوع للماضي، تمضي دول أخرى في مسيرتها لتتحول من دول فقيرة بائسة إلى دول متقدمة تكنولوجياً وشعبها متعلم وميسور الحال.

وتعتبر سنغافورة مثالاً حياً على ذلك؛ إذ احتفلت قريباً بمرور خمسين سنة على تأسيسها؛ حيث شهدت البلاد في تلك الفترة تحولاً كبيراً من بلد فقير يبلغ متوسط دخل الفرد فيه قرابة 500 دولار، إلى بلد متقدم أغلب شعبه متعلم، ويبلغ متوسط الدخل فيه الآن 70 ألف دولار.

فعندما يزيد دخل الفرد 140 ضعفاً في غضون 50 سنة فهذا إنجاز كبير يستحق الدراسة عن كثب لاكتساب الخبرات.

ويمكن في هذا الصدد استخلاص 7 دروس مستفادة:

الأول: التاريخ لا يخبرنا الكثير عن مستقبل الدول

مصر لديها تاريخ عريق، لكن وضعها الاقتصادي ليس جيداً؛ حيث تقبع في حالة اقتصادية متردية منذ يناير/كانون الثاني 2011 حتى أصبح قرابة ربع سكانها يعيشون تحت خط الفقر.

أين ذهب التاريخ؟ للأسف لم يشفع لأصحابه، بينما سنغافورة صاحبة الخمسة عقود استطاعت أن تبني اقتصاداً قوياً، وأن تحقق تنمية مستدامة جعلت مواطنيها من الأكثر رفاهيةً على مستوى العالم، مما يثبت أن مقولة "من ليس له تاريخ ليس له مستقبل" ليست صحيحة بالضرورة، ولذلك علينا التركيز على مستقبلنا.

الثاني: الحجم ليس معياراً هاماً لتقدم الدول

تجربة سنغافورة أثبتت أن الحجم ليس عاملاً هاماً في نهضة الدول؛ حيث إن تلك الدولة الحديثة تبلغ مساحتها قرابة 700 كيلومتر مربع، وخُمس تلك المساحة لم تكن موجودة عند تأسيس الدولة، بل تم ردم المياه لتوسيع البلد، كما أن عدد سكان البلد يبلغ 5.5 مليون نسمة فقط.

تلك الأرقام تعتبر هزيلة إذا ما قورنت بمصرنا العزيزة التي تبلغ مساحتها مليون كيلومتر مربع، لكن أغلبها غير مستغل؛ حيث يعيش أغلب شعبها الذي يبلغ تعداده قرابة 90 مليون نسمة على أقل من عُشر تلك المساحة؛ لذا من المهم أن نعي أن الحجم الكبير لا يفيد كثيراً طالما لا يحسن استخدامه للارتقاء بحياة الناس.

الثالث: التجانس الاجتماعي يمكن الوصول له حتى مع اختلاف الأعراق

بلد حديث كسنغافورة ورث توليفة عرقية ليست بالسهلة يطغى عليها العرق الصيني، الذي يمثل ثلاثة أرباع السكان متعايشين مع أعراق أخرى كالهنود والماليزيين، استطاعوا جميعاً التعايش معاً رغم اختلافاتهم العرقية والدينية، وذلك لأن الدولة سعت لإيجاد هوية واحدة استطاعت تجميع الكل، وكذلك استطاعت الحفاظ على التوزيع النسبي لتلك الأعراق منذ التأسيس.

وذلك التجانس الاجتماعي يعطى درساً هاماً لمصر وباقي دول المنطقة على أهمية احتواء التيارات والأعراق المختلفة وتوحيدهم تحت هوية واحدة تربط الجميع.

الرابع: غياب الموارد الطبيعية لا يعوق التنمية والتقدم

سنغافورة فقيرة في الموارد الطبيعية من بترول وغيره، لكن ذلك لم يُعِقها عن التنمية؛ حيث استطاعت أن تضع نفسها على الخريطة كمركز مالي ولوجيستي عالمي، واستطاعت التركيز على الصناعات التكنولوجية، مما أدى لزيادة إنتاجية ودخل الفرد بشكل كبير.

ولذلك يحق لنا في مصر أن نسعد باكتشافات الغاز الأخيرة، لكن لا يجب أن تؤدي تلك الاكتشافات لتأجيل الإصلاحات الاقتصادية، والعمل على بناء نظام اقتصادي يُحدث تنمية مستدامة.

الخامس: الإنفاق العسكري المرتفع لا يتعارض مع التنمية

على عكس المتوقع، فإن تلك الدولة الصغيرة تعتبر من أكثر دول العالم من حيث الإنفاق العسكري مقارنةً بحجم اقتصادها.

لكن الإنفاق العسكري الكبير نسبياً لم يُعِق سنغافورة عن تحقيق تنمية مستدامة بالاستثمار في قطاع التعليم وتنمية الصناعات التكنولوجية.

وهذا أيضاً درس محوري لمصرنا العزيزة التي توسعت أخيراً في تسليح الجيش لرفع قدراته القتالية تواكباً مع التحديات المحلية والإقليمية، ومن المهم أن يكون هناك توازن بين الإنفاق العسكري والاستثمار في التنمية المستدامة.

السادس: الاضطرابات السياسية الإقليمية لا تتعارض مع التنمية

سنغافورة ليست منعزلة عن مشاكل إقليمها؛ حيث ولدت من رحم مشكلة إقليمية أخرجتها من تحالف مع ماليزيا على خلفية تهديدات من إندونيسيا.

المتابع للوضع الإقليمي الحرج الذي تأسست في ظله سنغافورة منذ خمسين سنة لا يمكن أن يتوقع هذا النمو المذهل، لكن سنغافورة استطاعت أن توازن بين إدارة أجندتها الإقليمية والنهوض باقتصادها المحلي، وهو ما يجب على مصر أن تنتبه له؛ حيث إن وضع منطقتنا المتقلب على الأرجح لن يستقر على المدى القصير، بينما النهوض بالاقتصاد المصري لا يحتمل التأخير.

السابع: سوء الوضع الاقتصادي لا يمنع تحقيق إنجاز في فترة وجيزة

بدأت سنغافورة من وضع اقتصادي حرِج وبدون موارد طبيعية في ظل تحديات اجتماعية وسياسية كبيرة، لكن ذلك لم يمنعها من أن تكون قصة نجاح كبيرة خلال بضعة عقود وتلك فترة قصيرة في حياة الدول.

قد تشعرنا تلك القصة بالاكتئاب على ما أضعناه في الخمسين سنة الماضية، لكن في نفس الوقت تبعث برسالة إيجابية على إمكانية تكرار ذلك النجاح في مصر في فترة قصيرة قد تتطلب من باب الواقعية عقداً أو عقدين، وليس مجرد عدة سنوات.

آن الأوان لنا كمصريين أن نركز على وضعنا الحالي، وأن نعمل على تحسين المستقبل بدلاً من التباهي بتاريخنا العريق الذي لا ينكره أحد.

فالوضع الاقتصادى حرج، ولا يستطيع أحد أن ينكره؛ حيث يشكو المواطنون من عدم إحساسهم بتحسن حقيقي على الأرض، مما يجعل من الضروري التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي بالتعلّم من التجارب الاقتصادية الناجحة كسنغافورة التي استطاعت أن تنجز الكثير في فترة وجيزة على الرغم من صعوبة وضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقت تأسيسها.

جريدة الشروق

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمر الشنيطي
تحميل المزيد