جميلة لكنها لا تشبه باربي!

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/27 الساعة 15:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/28 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
African woman drinking cup of coffee at home

"بنت زي القمر" بُهت أبي بالابنة الثالثة وهو ينتظر ولداً يحمل اسمه ويشدد ظهره، شهقت عمتي "هتطلع زرقا مش زي إخوتها" و"زرقا" هنا يقصد بها سمار البشرة الضارب إلى الزرقة، بُهتت أمي التي تعزّي نفسها عن خلفة البنات بجمال بناتها، خطت عمّتي بغير قصد ربما أول سطر في قصة معاناتي، وأسمعتني أول قول أوصم به طيلة عمري، كان عمري دقائق وقتها!

كبرت وصاحبني السؤال عن ابنة من أنا؟ في كل تجمع أو مناسبة عائلية، أذكر اسم أبي فتتسع حدقتا السائل أو السائلة، وتبدأ ملاحظات متكررة عن أني لا أشبه أمي ولا إخوتي الحلوات وتبدأ المقارنات، أختاها تشبهان باربي شقراوات ببشرة بيضاء وشعر ذهبي حريري منسدل وقسمات وجه مليحة منمنمة، أما هي فسمار بشرتها كالليلة السوداء وشعرها مجعد أسود فاحم وبملامحها غلظة لا تخفي تقترب من ملامح الرجال.

كنت وأختاي طرفي نقيض، كانتا آخذتين بناصية الحسن، وكنت ممسكة بطرف الدمامة قابضة عليها أو كانت معلقة بناصيتي لا أملك لها فكاكاً، حين تقدم لنا الهدايا كانتا تحصلان على دُمى تشبهما، وكنت لا أجد دمية تشبهني، من يصنع لي دمية لن يحبها أحد، وسيهرب الجميع من سمرتها وشعرها المجعد.

وفي اختيار الملابس لا تحتار أمي في اختيار ملابسهما، كل الألوان ستليق بهما ولا شيء يليق بي، لا تحظى أي من اختياراتي برضاها كل الألوان ستزيد بشرتي سمرة، وتزيدني بشاعة، بل وبمرور الوقت صرت متنفساً لحقد عائلي، يرميني كل طرف على الآخر، فعمتي التي لا تحب خالاتي تخبر الجميع بوجه الشبه بينهن وبيني، بينما ترد أمي أنني أشبه عماتي وعائلة أبي.

يتذمّر الطرف الذي أتّهم أني أشبهه، ولا أعرف فيم التذمر أو ما فعلت أنا، ليلقى بي بينهم هكذا! شبننا عن الطوق معاً أنا وأختاي وتنامى الحب العميق بيننا، كانتا تتألمان لألمي وأرى ذلك في عينهما أمام كل إيماءة، للصدق لم تكن إيماءات وحسب، لم أعد أتذكر عدد المرات التي أستعيض اسمي "بالبت الغامقة"، "البت الزرقا"، "البت السمرا"، "البت الوحشة".

كرهت التجمعات العائلية، وكرهت رحلتي للمدرسة على تفوقي فيها، وكرهت إعلان أمي عن تفوقي في الدراسة، وكرهت أن يتم النظر إليَّ دائماً على أنني "وحشة بس شاطرة وذكية"، كرهت مطالبتي بالاهتمام بنفسي، وكرهت التعليق على ذلك الاهتمام "واش تعمل الماشطة في الوش العكر"!.

التحقت بإحدى كليات القمة، غمرني الفرح وإن لم تعرف الثقة إلى قلبي طريقاً بعد، كرهت الجامعة كما كرهت البيت والشارع والمدرسة فيما سبق، ظلت صفة الدمامة أول ما يقال بحقي، وظلت نظرات الاشمئزاز تلتهمني، هل يظنوني بهذا القدر من الغباء فلا أفهم تلميحاتهم ونظراتهم أم بهذا القدر من التبلد فلا تصيب كلماتهم خشاش قلبي!

مرت سنوات دراستي هادئة يتبعني التفوق كظلي وأتبع الدمامة كانعكاسها، خطبت أختي الكبرى وعقد قرآن الثانية ولم يتقدم لخطبتي أحد، وفي كل مناسبة تخص إحداهن أسمع مصمصة الشفاه والهمهمات التي تشير إلى أني الأخت الثالثة المتميزة دراسياً طيبة القلب، ولكن قبل كل الأمور هي كما ترى قبيحة الشكل، ويؤذيني السؤال الساخر عن سبب تأخر خطبتي! ويجرحني السؤال عن إذا ما ضل الخطاب طريقهم إليّ!

لولا يقيني بالله وعظيم إيماني وتوكلي لقادني كلامهم إما إلى الاعتقاد بأن الذي خلقني على هذه الصورة أراد ظلمي -حاشاه- وإما إلى إصابة عقلي بالجنون، وإما أن يصيب الحقد قلبي فأصبح مرجلاً يغلي يؤذي بلا هوادة، ما أملك أنا لنفسي لأواجه بكل هذا الرفض!

لم يرفضني من لم يعرفني وليس بيني وبينه سوى شارع يجمعنا لموقف وحيد، ربما لن يتكرر أبداً، لكنه يختار أن يؤذيني بتعليق حول مدى سوء شكلي ليضحك رفاقه، هل يعلم كم ليلة بتّها باكية بسبب تعليقه الطريف المضحك، إن علم هل سيستمر في إيذائي؟!

لم يرفضني من عرفني واطلع على جمال قلبي كما ادعى، ولكني أسمعهن حين يخبرن من يبحث عن عروس أن لديهن عروساً ليست جميلة أبداً، ولكنها كذا وكذا، وتبدأ في سرد المزايا، ولاحظت أن في غالب الأحوال يكون الباحث عن الزواج ليس قريباً بما يكفي فإخوتهن مثلاً لا بد لهن من الزواج بجميلات، الجميلات فقط هن المرغوبات.

أسمع تضجر صديقتي من خطيبة أخيها؛ لأنها ليست جميلة بالقدر المطلوب، أخبرها أنها رغبته تخبرني "أنه خسارة"، أووه هل من الممكن أن أُخطب لرجل يستكثره على ذويه، وأتحول من عانس يعتبرون عنوستها قدراً طبيعياً محتوماً لمتزوجة تواجه بنظرات تلومها دائماً، وتقلل منها لأن رجلاً وسيماً اختار أن يشاركها عيشه! قصتي لن يُكتب لها فصل نهاية أبداً، أحسب أنه حتى حين إعلان موتي سيقال رحمها الله كانت طيبة القلب دميمة الوجه!

حين شرعت بكتابة هذه التدوينة طلبت أكثر من مساعدة، هذه القصة ليست لي، صُغتها ولكني لم أعِشها ولم أعِش شيئاً يشبهها وهو ما يخجلني أن أقول إنني أتفهمها وأشعر بما تشعر به صاحبتها، ولكن عزيزتي الجميلة جمالاً لا يشبه جمال غيرها، متفردة الجمال. أعلم أنه يساء إليكِ وأنك تلاقين مصاعب يعلم الله لو كنت مكانك احتملتها أم قصمت ظهري، وأعلم أن الشكل هو الذي يحدد على أي أساس يتم التعامل معكِ.

ولكن جميلتي طالما نحن محصورون بالأساس في هذا الجسد الذي أعطيناه كأمانة، فلنحتفِ بأمانتنا ونرعاها ولنترك لأرواحنا العنان، تلك الأرواح التي نقدر أن نجعلها تزهر؛ لتزهر أرواحنا ولندرب أنفسنا على تقبّل جمالنا مهما اختلف، إن كانوا لا يرونك جميلة فهم الأشقياء لا أنتِ، على الأقل لا تعينيهم على نفسك وارفقي بها، وأعتذر لكِ عن كل ما عانيت.

مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منة التلاوي
صحفية ومُترجمة مصرية
تحميل المزيد