قصة وفاة “نوكيا” وأشباهها.. دروس في الإدارة

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/25 الساعة 07:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/25 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش

صحيح أن التكنولوجيا الجديدة تُمكِّن الشركات من الصعود والتميز والنجاح، بما يتجاوز أحياناً أضعاف ما يمكن تحقيقه بنفس التكنولوجيا المستخدمة، كما ذكر رئيس "ماكنزي"، "ريتشارد فوستر" في كتابه Innovation: The Attacker's Advantage في أمثلة الثمانينيات والسبعينيات التي ذكرها والتي ما زالت تتكرر، إلا أن الشركات تفشل أحياناً في التعلم من الماضي ووضع استراتيجيات لاستغلال التطور التكنولوجي لصالحها لأسباب عديدة، وخصوصاً ما تحدث عنه بروفيسور "كلايتون كريستنزن" من جامعة "هارفارد" في وصفه للتكنولوجيا المدمرة disruptive technology، في كتابه الشهير The Innovators Dilemma؛ حيث تحدث عن كيفية صعود التكنولوجيا الجديدة بصيغة ضعيفة في البداية لا يهتم بها إلا صغار الشركات ويهملها الكبار؛ بسبب ظنهم بمحدودية أدائها حسب مقاييسهم التقليدية وضعف مردودها المادي الحالي وصغر سوقها، لكن سرعان ما تنتشر وتتطور هذه التكنولوجيا وتستبدل قرينتها من خلال تقديم -بل أحياناً- خلق سوق جديدة وبمواصفات جديدة، ولقد بنى "كلايتون" نظريته مستخدماً صناعة محرك الأقراص Disk Drive Industry حينها بسبب تطورها السريع، مستلهماً ذلك من الدراسات الحيوية على الحشرات التي لا تعيش طويلاً مثل ذباب الفاكهة.

هناك شبه إجماع على أثر التكنولوجيا في تحقيق نجاحات خارقة للشركات وتدمير أخرى ولو كانت عملاقة، فضلاً عن العامل الاجتماعي وفهم العلاقات والشبكات الخارجية كما ذكر جريج ساتل في شرحه لكيفية حصول التدمير في الأعمال Disruption من ذلك المنظور، لكني سأركز هنا على الجانب المؤسسي وتناغم المستويات الإدارية من خلال قصتين لشركتين بمستوى عالمي ووزن كبير هما نوكيا Nokia وبلوكبستر Blockbuster.

نوكيا التي كانت في "عزّها" تسيطر على 40%‏ من حصة سوق الموبايل، وما زلت أذكر كيف كان الأكاديميون الذين درَّسونا في الماجستير في جامعة "نوتنغهام" سنة 2013 يتغنون بأمثلة من نوكيا، وخصوصاً في موضوع سهولة الاستخدام وأثره في نجاح نوكيا الكاسح (على الأقل من وجهة نظرهم)!

لقد كانت نوكيا إمبراطورية تُسهم بما مقداره ربع النمو الاقتصادي الفنلندي وتشكل العمود الفقري لكل شيء، ولقد وثق مؤخراً مراسل بي بي سي للأعمال واقع الحياة في بلدة "نوكيا"، التي سمّيت الشركة على اسمها بعد سقوطها المدوي، هكذا اهتزت نوكيا فجأة، وسقطت بشكل سريع لأسباب عديدة فنّد بعضها "جوليان بيركنشو" في مقالته بمجلة فورتيون وربما بعكس ما يمكن أن تتوقع.

صحيح أن "آيفون آبل" و"نتفلكس" هما من كان وراء "تدمير الشركتين على الترتيب، إلا أن أصحاب الشركتين والموظفين حاولوا أن يستدركوا، لكن يبدو أن التناغم الإداري خذلهم، والغريب أن كل واحدة منها حدث بطريقة مختلفة.

ففي حالة نوكيا تجنّب المديرون المتوسطون ومن خلفهم المهندسون والفنيون إيصال الرسائل التحذيرية لمديريهم التنفيذيين والإدارة العليا؛ بسبب خوفهم من عنجهية المديرين التنفيذيين وتعنيفهم المستمر لمن يصدح بعكس ما يعتقدون في أنهم سيستمرون في نجاحهم ضمن نفس توجهاتهم، فجبال الأرباح العالية أعمت أبصارهم، وأدى ذلك إلى التأخر في الانتقال إلى المرحلة الجديدة وتكنولوجياتها الضرورية للنجاح، حسب ما ذكر بروفيسور "كيوهيوا" من جامعة أنسيد.

أما في حالة "بلوكبستر"، فكان العكس تماماً؛ حيث إن المدير التنفيذي "جون انتيوكو" حاول أن يكفر عن خطئه الاستراتيجي برفض صفقة الخمسين مليون دولار لشراء "نتفلكس" التي أصبحت قيمتها اليوم تتجاوز 32 بليوناً، فحاول تدارك الخطر القادم والتحول الرقمي الجارف في كل مجال، من خلال الاستثمار بمشاريع ذات علاقة ضمن استراتيجية جديدة تركز على التجارة الإلكترونية، لكنه واجه معارضة داخلية بقيادة أحد المستثمرين الكبار ومجلس الإدارة، حسب ما كتب بنفسه في مجلة هارفارد ووقف فريقه أمامه من المديرين ولم يساعدوه وتمسكوا بما تعودوا عليه، وأغفلوا جهلاً أو كسلاً أو حتى غروراً، فطُرد "جون" وأفلست الشركة بعده بثلاث سنوات، ولا نعلم إنْ كانت إستراتيجية آخر رمق كانت ستؤتي أكلها أم لا!

لعل التعلم من أخطاء العمالقة فيه دروس كبيرة لا يمكن إنكارها، لما فيها من أدلة عملية لاتخاذ المبادرات الاحترازية، وفيما عرضناه يظهر أهمية التناغم الإداري بين كافة المستويات لتجنّب المخاطر الناتجة عن التغير التكنولوجي واستغلال الفرص التي قد يتيحها هذا التغير.

هذه إحدى الفوائد المهمة في هذا المجال، لكن بالتأكيد إن التناغم سينعكس بفوائد عديدة فيما يتعلق بالإنتاجية والجودة، بل حتى رضا الزبون سيرتفع إذا تم تمكين الموظفين ومشاركتهم كما بين ستيفين بورغ في مقالته بهذا الشأن، وبالتأكيد نجاح شركة "زابوز" الباهر أكبر دليل.

لكن هذا يتطلب أكثر من سياسات مكتوبة، بل ثقافة روح فريق وبيئة عمل تعزز حرية التفكير والإبداع وتحدي نموذج العمل الحالي والنظر إلى المستقبل والتعلم المستمر، كما أبهرتنا قصة ملهمة و"مدمرة" أخرى في مجال الأعمال وهي شركة واربي باركر التي أسسها طلاب كلية "وارتون" في جامعة "بنسلفانيا" سنة 2010 والتي تمكنت خلال خمس سنوات من تجاوز جوجل وفيسبوك؛ لتكون أفضل شركة مبدعة في عام 2015.

 

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسام عرمان
أخصائي أبحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية
أخصائي أبحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية
تحميل المزيد