رأيتهم يتبادلون مقاطع لصافيناز .. لماذا سيكون توزيع التابلت في المدارس المصرية أسوأ القرارات على الإطلاق؟

عدد القراءات
3,260
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/25 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/25 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش

بخصوص التابلت الذي تنوي وزارة التربية والتعليم المصرية تعميمه. كنت أعمل في إحدى مدارس الغردقة، وهي ضمن محافظة حدودية، وقد تم تسليمه للطلاب هناك بالفعل منذ عدة سنوات، وفق خطة شاملة لتطوير التعليم ودمج هذه المجتمعات في الوطن الأم. التابلت في الفواتير بسعر خيالي، إذا اشتريته من أي شركة فلن تشتريه إلا بنصف الثمن، وهذا طبيعي عندما تحسب  حصة المستورد، حصة الوزير، حصة وكيل الوزارة، حصة الفراش في المدرسة، وفساد يضاف كل ذلك للسعر أضعافاً، لكن هذا ليس مجال حديثي هنا، المنهج الموضوع في "التابلت" الموزع على الطلاب موجود بصيغة "بي دي إف"، بشكل كتب الوزارة نفسها، هنا نتساءل: ما الفائدة منه؟ الطالب لديه الكتب، يتسلمها في بداية العام، فما المختلف؟ وما الجديد؟

كنت أظن وقتذاك أن خبراء التعليم سيضعون على التابلت وسائل تعليمية أخرى، أو تجارب حية، أي شيء متحرك، كالأفلام الوثائقية أو التدريبات الإضافية، لكن لا شيء. حسناً، ما هو سلوك الطلاب؟
الأمر أشبه بما يحدث وسيحدث في السعودية الآن ومستقبلاً، مجتمع غير مؤهل للانفتاح، وستحدث كوارث، الطلاب عفاريت، المنهج محمل على مساحة واحد غيغا، من مساحة سبع عشرة غيغا هي سعة التابلت الحكومي، أما باقي السعة فحمّلها الطلاب في المدرسة؛ "الفكيك" بأفلام جنس ورقصات خليعة وألعاب، نعم هذا ما حدث!

بدأ الأمر بخلاف وشجارات على التابلت من قِبل أولياء الأمور إذا تأخر صرفها للطلاب أو لم تكفِ الشحنة القادمة كل الطلاب، طلاب الصفين الثاني والثالث في أول عام لبدعة التابلت، ولأن توزيعه كان مقتصراً على الصف الأول نظموا هجمة ليلية على المدرسة وسرقوا نصيبهم! لا يغرنك مظهر البراءة والطهر الذي يبدو على وجوه الطلاب في مجتمعات فقيرة وعشوائية، حسناً، هل هذا كل شيء؟ لا، لم يكونوا مهتمين بالمنهج المحمل في ركن الغيغا من التابلت، وإذا طلبت منهم فتحه لقراءة الدرس في منتصف الحصة، كان الطلاب يفتحون التابلت لرؤية صافيناز، والله العظيم صافيناز، حتى ذوقهم متدنّ حسياً بلا جماليات فنية.

يسود الفصل الهدوء الجميل، لم يكن مهماً لي إن كانوا يقرأون أم لا، كنت أكتفي ببعض الطلاب في الصفوف الأمامية، لن أصلح ما أفسده الدهر، والدهر هنا المدرسة الابتدائية التي لم تعلمهم القراءة، والإعدادية التي يحدث فيها تحرشات جنسية "عيني عينك"، خاصة وهذه الفترة تواكب شغف اكتشاف الطلاب لأجسامهم. لن أقف أنا المدرسة الضعيفة أمام طوفان الطبيعة وجموح الغريزة البكر. وطبعاً فيه دائماً الطلاب الفتانون: "يا أبلة، يا ميس، الواد ده بيشوف حاجة عيب، حاجة حرام". أدّعي الانشغال بمناقشة نقطة ما، أعرف أن عداوة بين هذا الطالب والآخر دفعته للوشاية، وربما مزاح، أو لأنه لم يعرف بعد كيف يستغل التابلت مثل زملائه، لكنه يصر: "يا ميس.."، لكن طبعاً فيه طلاب قد تربّوا أخلاقياً، لا يحمّلون على أجهزتهم سوى الألعاب، وبفهلوة المصري العتيد، الذي ابتكر طرقاً لدهان "الهوا دوكو"، وتجفيف المياه، وتصديرها في كراتين لدول تعاني الجفاف ونقص المياه، قبل أن يصبح سد النهضة حقيقة تهدد الزرع والضرع، هؤلاء الطلاب أصحاب النزعة الربحية، كانوا يذهبون، بعد انتهاء موعد الدراسة طبعاً، إلى المجمعات السكنية الفقيرة، يؤجّرون التابلت لساكني التجمع من الأطفال بثلاثة جنيهات للساعة.

وأقول في النهاية كمُدرسة أعمل في مجال التعليم: إن الأمر فعلاً مأساة كبيرة، ولا أعرف ماذا سيحدث في المستقبل أكثر من هذا عندما يتم تعميم التابلت على المدارس، وما العواقب التي ستترتب على إتاحة هذه التكنولوجيا للطلاب دون وسائل حقيقية لتوعيتهم، أو حتى تضمن استخدامهم إياها بشكل مُضر يدمر مستقبلهم وجزءاً كبيراً من حياتهم التعليمية والاجتماعية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منى الشيمي
روائية وقاصة من صعيد مصر
تحميل المزيد