يا عزيزي.. كلنا أشرار

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/23 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/23 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
Beautiful young woman with small angel and demon on her shoulders isolated over white background

وأنت تشاهد أحد الأفلام العربية، والمصرية تحديداً، بما لها من دور رائد في هذا المجال، فإنك حتماً رأيت تلك النوعية من الأعمال التي تروي قصة البطل الطيب المخدوع في أقرب الناس إليه، الذي يطعنه في ظهره بينما يُظهر له الود والمحبة.

وربما وصل بك الغضب وأنت خلف الشاشة -أو هذا ما كان يحدث لي على الأقل- إلى الضجر من سذاجة هذا البطل وتختلط مشاعرك ما بين الإشفاق والاحتقان، وقد يصل بك الأمر إلى شتمه أحياناً، ويبلغ الغضب ذروته عندما يشك في شخصية حاولت لفت انتباهه ونصحه فلا يصدقها ويُعرض عنها وربما ينبذها!

لكن اهدأ قليلاً.. فالأمر كله مجرد فيلم سينمائي، والبطل داخل العمل لا تتضح له الرؤية كما تتضح لنا نحن الجمهور خلف الشاشة -إذا لم يقُم المؤلف بخداعنا نحن أيضاً بعدم الكشف عن الشرير إلا في نهاية الفيلم- البطل هو نحن في الواقع، فالإنسان اخترع كل شيء وفكّ معظم طلاسم الكون، لكن لم يستطِع معرفة حقيقة ما يحمله الآخر له، إلا في حالات نادرة، ولأن الواقع لا يحمل كاميرا السينما، فنحن هذا البطل حتى إشعارٍ آخر.

وبالطبع كلنا الطيب في كل المواقف، فليس هناك شرير يرى نفسه شريراً، جميعنا نحمل سبباً ومبرراً وتسمية ما لممارسة الشر: لم أقصد، هذا حقي، لم أكن أعرف، كان يستحق، هو مَن بدأ، لا يخصني، الفاعل الأقرب لي لا يمكنني خسارته.. إلخ. تخترع لضميرك عذراً ما يرتاح به، وهذا في أكثر الشخصيات أنصاتاً لصوت الضمير، وهم قِلَّة.

في عام 1982 قدَّم المخرج الراحل عاطف الطيب رائعة من روائعه وهو فيلم "الغيرة القاتلة"، قصة الفيلم مقتبسة من مسرحية "عطيل" لشيكسبير، وهي مستوحاة من قصة إيطالية بعنوان "النقيب المغربي"، تدور أحداث الفيلم حول

عمر ومخلص، وهما صديقان منذ الطفولة، لكن مخلص يشعر دوماً أن عمر متفوق عليه؛ لذا فهو حانق وغيور، يدخل عمر في مشروع استثماري يقوم صديقه الثري سامي بتمويله، يتقابل عمر مع دينا زميلة الجامعة، توافق الأم على زواج ابنتها من عمر. يشرك عمر صديقه مُخلص معه في مشروعه الاقتصادي الجديد.

يسافر العروسان ومعهما سامي وزوجته ومخلص وزوجته، يشعر مخلص بالغيرة من عمر وينجح في إيهامه أن دينا على علاقة بسامي، ويضع أمامه أدلة عديدة غير ملموسة، منها منديل أعطاها إياه، وجده في بيت سامي، تدبّ الغيرة في قلب الزوج، ويقرر قتل زوجته، لكن سامي يتمكن من إنقاذها، وتتضح الحقيقة عندما يحاول مخلص الهرب ويعترف لعمر بجريمته فيعتذر لزوجته، وتنفسخ العلاقة للأبد بين مخلص وصديقه عمر.

قام بدور عمر الراحل نور الشريف، ودور مخلص يحيى الفخراني، ربما لم يحمل الفيلم فكرة جديدة، فكما ذكرت هو مأخوذ عن مسرحية لشكسبير نُشرت لأول مرة في عام 1565م.

لكن دور الصديق مخلص، اسماً وليس فعلاً، يجعلك تشعر بغصة واحتقان، فقد كان قادراً على خداع صديقه المقرّب، بينما يظهر له الحب حتى كاد يُنهي حياته، ربما تخبر نفسك الآن أنك لست أحمق حتى تتعرض لهذا القدر من الخداع، لكن ماذا لو كنت بالفعل؟!

والأسوأ ماذا لو كنت أنت الشرير؟!

أي عذر تخبره لنفسك الآن حتى تريح ضميرك وتمارس خداع أقرب الناس إليك دون أن ترى في ذلك أي ذنب؟

وماذا عنا -نحن الجمهور- الذى أمسى الظلم يحدث أمامنا كأنه عرض سينمائي. فعندما يأتي أحد ما ليخبرك أن فلاناً ظلمه، لا تنصت أو تعرض عنه وتجعله يشعر بالخيبة والمرارة، بينما تذهب أنت لتشارك من ظلمه يومه وضحكه مباركاً -ضمنياً- ما يفعله؟

هل فكرت ولو لمرة أنك أيضاً من الأشرار وأن عذرك مجرد طمس للحقيقة؟!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سماح الشريف
كاتبة مصرية
كاتبة و مدوّنة مصرية مهتمة بالفنون والشأن السياسي، وحاصلة على درجة ليسانس الترجمة واللغات. كما اجتازت دبلومة الإذاعة والتلفزيون. وفائزة بالمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة من الاتحاد الدولي للأدباء عام 2017.
تحميل المزيد