كم “محمد صلاح” نحتاج لننقذ العالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/23 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/23 الساعة 08:19 بتوقيت غرينتش

لا يمر يوم دون أن يظهر أمامي فيديو جديد للّاعب المصري في فريق ليفربول الإنجليزي محمد صلاح. أكان معداً من قبل مشجعي النادي، أو المحطات الإخبارية، أو الصفحات التي تهتم بشؤون الرياضة. علي أن أعترف أنني عندما شاهدت ذلك المقطع الذي يغني فيه مشجعو النادي أغنية كان من كلماتها شيء من قبيل: إذا كان محمد صلاح في المسجد فأنا سأكون هناك أيضاً تأثرت! لماذا التأثر؟ عندما نعيش في عالم يحولنا إلى مسوخ وكل ما له علاقة بنا وبثقافتنا إلى وباء يجتاح الأرض فمن الطبيعي أن نتأثر بشيء كهذا.

مع مرور الوقت بدأت أقرأ تعليقات العرب والمسلمين على تلك المقاطع. أصبحت تظهر التعليقات التي تنسب محمد صلاح للإسلام، وأنه هو المسلم الحقيقي، وهو الذي يعبر عن دينه بشكل إيجابي. تعليقات تتحدث بفخر عن واحد من المسلمين الذين نجحوا وأحبهم الجميع، والكل يريد قرباً من هذا المسلم المثالي الذي بيّض وجوهنا ورفع رأسنا.

ثم هناك العرب طبعاً اللطفاء الذين يشتمون من يتحدث عن محمد صلاح بطريقة تعتبره لاعباً عادياً وتقلل من شأن إنجازاته. العرب اللطفاء الذين يشتمون الناس بأمهاتهم باللغتين العربية والإنجليزية دون تورع عن ألفاظ لا تليق. أتعجب قليلاً، فكيف تتفاخر أنت بهذا الرجل وتعتبره مسلماً مثالياً بسبب حسن خلقه ومهارته، ثم تمشي بين الناس بالشتائم وما فحش من الألفاظ؟ أتعجب قليلاً.. ثم أتذكر أننا وصلنا مرحلة أكثر بؤساً من هذه، فليس للعجب مكان هنا.

أفكر مع نفسي، ترى كم نموذجاً كهذا نحتاج حتى يتغير شيء من ظروفنا؟ هل حقاً يمكننا أن نغير صورة شعوبنا والطريقة التي تتم معاملتنا بها بأن نصنع جيشاً من اللاعبين والفنانين والأدباء الذين ينتمون إلى إسلامهم صراحةً ويعبرون عن صورة إيجابية له؟ أم أننا نضحك على أنفسنا بحديث كهذا؟ هل نحن حقاً مدركون لمدى تأثير سلوكياتنا في العلن على صورتنا أمام العالم أم أننا فقط نلحظ من يسطع نجمه ويلمع وسط كل تلك الصور المظلمة؟

في كل مرة يحصل فيها هجوم من نوع ما، أو تشتعل أزمة تبدأ فوراً أصابع الاتهام القبيحة بالتوجه إلينا، ونبدأ نحن في محاولات ردها بعيداً. ليس هذا الشخص الذي ارتكب هذا الجرم بممثل لجميع المسلمين، ليست هذه الحرب من فعلنا ولسنا نحن مسؤولين عنها. ولكننا في المقابل لا نتأخر أبداً في نسب كل الصور الإيجابية لأنفسنا، وفي الحديث عن المسلمين المثاليين الذين يجب أن نقتدي بهم ويراهم العالم. لا أعتقد أننا نكيل بمكيالين، فسلوكنا طبيعي جداً، ليس من عاقل يريد أن ينسب لنفسه الشر أو من يأتي به. ولكن المشكلة أننا لا ندرك أننا فعلاً ليس لنا يدّ ولا حيلة في هذا ولا في ذلك. نحن فقط متفرجون على أقصى تقدير.

إن الطريقة التي تنشأ بها الأزمات في بلادنا تتجاوز قدراتنا على التأثير، اللاعبون يأتون من الخارج ومن الداخل هناك المتآمرون، ونحن الشعوب لسنا سوى أحجار على رقة شطرنج كبيرة ومتهالكة. وأما الناجحون والمعبرون عن النماذج الإيجابية فقد وصلوا إلى ما وصلوا إليه على الرغم من أوضاعنا، وعلى الرغم من الصعوبة التي تكبدها لهم مجتمعاتنا وعلى الرغم من طريقة تفكيرنا العقيمة وليس بسببها.

ولكن لا يمكن أن يكون هذا هو الحال إلى الأبد! يمكننا أن نحاول؟ يمكننا أن نحاول أن نحافظ على نظافة أيدينا من قذارة الحياة نعم، ويمكننا أن نحاول أن نقاوم البشاعة التي حولنا ببعض الجمال الحجول، ويمكننا أن نحاول أن نتابع العمل على ما هو في مقدورنا تغييره، ويمكننا أن نسعى لأن نوسع دائرة تأثيرنا، ولكن ليس من المنطقي أن نتحدث عن جيش من لاعبي كرة القدم والفنانين والمؤثرين الذين سيغيرون المستقبل بحسن السلوك والمهارة.

إن هذا حديث يبدو لي أشبه بحديثنا عن جيل صلاح الدين المفقود، أو جيش عبد الرحمن الداخل الذي لا نعرف عنه سوى الاسم. الواقع يقول أن حالنا سيبقى على ما هو عليه حتى يفيض الطيب على الخبيث، والطيب والخبيث في صراع أزلي، يتبادلان الأدوار ويأخذ كل واحد منهما بقيادة هذه الكتل البشرية ردحاً من الزمن. وما ننساه دائماً أننا جزء من هذا المجموع الكلي، كما أن محمد صلاح ليس سوى فرد منه. ليس خارقاً ولا متفرداً في زمانه. ولكننا لا نرى سوى ما تسلط عليه الأضواء، لذلك نستهين بسوء أفعالنا التي تزيد من الوحل المحيط بنا، كما نستهين بجيد أفعال الناس المتواضعين الذي يعانون الأمرين حتى يبقوا على شيء من إنسانيتهم ويورثوها للأجيال التي من بعدهم، لعلها البذرة التي ستطرح يوماً ما.

عشت مثل غالبيتنا في هذا الجيل تلك الفترة المراهقة التي أردت فيها أن أصل إلى مكان يجعلني قادرة على إحداث تأثير جذري، نغير به العالم أنا وأقراني في يوم وليلة، نقلب كل شيء رأساً على عقب، ونعيد كتابة التاريخ لصالحنا. الآن كل ما أفكر فيه هو أن أبناءنا سيقرؤون هذا التاريخ ويسألون: كيف حدث كل هذا وأنتم صامتون؟ أين كنتم عندما جرى ما جرى؟ وأقول لنفسي: ألم نطرح نحن أيضاً نفس السؤال على لأجيال التي سبقتنا؟ ألم نستغرب كيف حصل كل ذلك وأنتم على قيد الحياة؟ كيف سمحتهم لكل تلك الفظائع أن تمر.

ربما سأجيب عندها بأن خبيثنا كان غالباً على طيبنا، لقد فضل الأكثرون سلامة مؤقتة على حقٍّ يطول، ولم يعد بمقدورنا إلا أن نستجيب لكل شيء من حولنا ونستسلم لقدر متواضع، لا أحداث عظيمة فيه ولا عالم ينقلب بين ليلة وضحاها. لقد أدركنا أننا يجب أن نحاول البقاء على قيد الحياة، فقط حتى لا يقل عدد الطيب أكثر مما ينبغي فتنفتح أبواب الجحيم. ولقد نظرنا إليكم وقلنا: فلنعمل ما نستطيع اليوم، وربما يتسنى لهم أن يحققوا ما لم نستطِع نحن.

تم نشر هذا المقال على مدونات الجزيرة

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحلام مصطفى
كاتبة وباحثة
تحميل المزيد