هل الرجل هو السبب؟ حكايات صديقاتي اللاتي يطلبن الطلاق باستمرار

تم النشر: 2018/04/21 الساعة 07:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/21 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش
Shot of a young couple having an argument while sitting on their couch at home

المثالية المصطنع

الكمال لله وحده.. عبارة البشر المحبّبة على الإطلاق التي لا يستخدمونها إلا عند التبرير لأخطائهم، التي غالباً ما تكون أخطاء كبيرة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك التديّن اللحظي الذي يضعه في موضع التقيّ الورع ويخرجه من الموقف منتصراً.

بالطبع لا غبار على صحة الكلمة.. فحاشا لله أن نقول غير ذلك، ولكن لماذا لا نضع هذه العبارة صوب أعيننا في تلك اللحظات التي نسعى فيها لإظهار كم نحن رائعون ومثاليون ولا يوجد مَن هو في أخلاقنا ومبادئنا؟

هناك تعبير ذكي للغاية استخدمه "يوسف وهبي" في فيلم "إشاعة حب" عندما كان يتظاهر بأنه يوبّخ "عمر الشريف"، بعد علمه بعلاقته مع "هند رستم"، فأخذ يصب اللعنات حتى نبهه "عمر الشريف" إلى أن أفراد الأسرة انصرفوا فلتهدأ إذاً.. فقال له حينها: (معلش أصل الجلالة خدتني أوي).. تلك الجلالة التي أصبحت تأخذنا نحن أيضاً في موجة من مدح الذات ونقد الآخرين عندما تُثار أي مشكلة حولنا، متناسين حينها أن الكمال لله وحده.

إذا كان منكم من حظي بتجربة أن يكون أعزب في وسط  أقرانه المتزوجين الذين يريدون الطلاق باستمرار فأنت بالفعل في جحيم تستحق الشفقة عليه، فهم سيملأون رأسك بالحكايات شئتِ أم أبيتِ عن زوجها الذي ما زال يراقب حبيبته القديمة ثم الأعراض المألوفة.. الشرود، والهاتف الذي لا يتركه من يده، والابتسامات المفاجئة التي يطلقها عند سماعه لنغمة الرسالة، اسمها الذي صار ينطقه بالخطأ عندما ينادي عليّ.. شعري وملابسي وجسمي الذي أصبح يقارنه بسيدة الأقمار السبعة.. نعم يجوز أن أكون مقصّرة، ولكن ألا تعلم مسؤولية البيت والأطفال؟.. أنت تقصر بحجة مشاكل العمل وأنا لا أشتكي، لماذا أصبح تقصيري بحجة التربية هو الجريمة إذاً؟

ثم يأتي الاعتراف:

أنتِ لم تقصري، أنا ببساطة لم أنسَها.. ليست أجمل نساء الكون ولكنها هكذا في قلبي… وكأني أستمع لمكالمة سخيفة من برنامج (أنا والنجوم وهواك).. ما هذا الهراء؟ ولو كنت أنا من أهملتك وأهملت أولادي من أجل قصة حب قديمة هل كنتَ ستسامحني؟ بالطبع لا كنت سأطلقك فوراً.. إذن طلقني.

لتفاجئني أخرى بأنها قررت الطلاق أيضاً!!.. ما إن نخرج معاً إلى أي مكان مع أقربائه الفتيات أو زميلاته في العمل حتى يصبح خجلاً من الكلام معي أمامهن، ما أن تنتهي السهرة حتى يبدأ في توبيخي على ثيابي غير المهندمة ووجهي الباهت الذي لم أكلف خاطري لتجميله، ثم لماذا أصبح جسمك هكذا؟ ما هذه المواضيع التافهة التي كنت تتناقشين فيها؟

لتذكره بأنه كان يمنعها من وضع الزينة أثناء الخطوبة وارتداء هذا النوع من الملابس المختلف كلياً عن طراز ملابسهم.. لقد أنجبت أربعة أولاد وليس لديَّ الوقت للرياضة ولا الأموال لعمليات التجميل.

أعلم أنه أوسم منّي، ولهذا السبب اقترحت عليه الفراق أثناء الخطبة؛ كي لا أكتوي بنار المقارنة للأبد.. ولكنه رفض حينها مؤكداً أن الوسامة تجوز أن تختفي في مرض أو حادثة ولكن الروح التي ألفنا معشرها هي ما تبقى.. لماذا يعايرني الآن بعيب ليس لي ذنب فيه؟

ثم يحكي لي مشكلة أخرى مختلفة قليلاً.. خطيبي ليس به عيب ومناسب تماماً، ولكنه جاف المشاعر، يتعامل معي بمبدأ الزوجة التي ستصبح أُم أولاده وحسب.. لا أشعر بمشاعر نحوه؛ لأنه لم يمنحني إياها من الأساس ولا أجرؤ على الانفصال عنه؛ لأن الجميع سيتهمني بالبطر والدلال، ولا أريد أحداً أن يجعل حياتي علكة في فمه.. ثم أنا لم أكن قط فتاة مائعة تريد كلمات حب سمجة؛ لكي تشعر بالسعادة!، أنا أنضج من هذه السذاجة.

هذه الأمثلة لم تستوقفني لمناقشة مشكلة الطلاق وحصر أسبابه في بلد يحتل مرتبة متقدمة فيه، ولا حتى لإظهار بعض النسوية والسبّ في الرجال، ولكنها حكايات وضعتني أمام أسئلة عن تعقيدات النفس البشرية التي طالما تدهشنا.

لماذا يتزوج المرء بإنسانة وهو يحب غيرها؟ كيف يقبل الأمر على كرامتها أن تكون هي بمثابة مسكن الجراح وشبح الحب الضائع؟ أيرضى أن تعامله زوجته بنفس الطريقة؟

ثم اذا كان الرجل يحب الجمال لمَ لا يعترف بالأمر ببساطة وحسب؟ لمَ لَمْ يطلب يد ملكة جمال الكون حتى يفتخر بها وسط أقرانه من نجوم المجتمع؟ لمَ يحاول الظهور في دور الواعي البعيد عن الأخذ بالمظاهر وهو كتلة مظاهر متحركة؟

أظن أن الجواب واحد.. تلك الجلالة التي تأخذنا وتجعلنا نمارس المثالية المصطنعة على بعضنا البعض، ليس إلا للزهو الكاذب بأنفسنا التي نعلم أنها مليئة بالعيوب، وأبعد ما تكون عن الدور الذي نتقمصه.

أنتِ يا من تركتيني بعد أن منحتكِ قلبي، لتشاهديني وأنا أتزوج بمَن هي أفضل وألقيكِ كسيجارة انتهيت من تدخينها.

ثم مَن قال إن الرجل لا يحب ثانية؟.. هذا منطق الضعفاء، نحن الرجال نعرف كيف نتجاوز ذكرياتنا ومشاعرنا.

وأنتِ أيتها القبيحة، أعلم أنكِ مثقفة وذكية ومحترمة.. وأنتِ تعرفين جيداً أنكِ لا تملكين جمالي ولا أناقتي.. ولكن سأتزوجكِ؛ لأن المتفتح العقلاني مثلي لا يعبأ إلا بالجوهر.

وأنتَ يا صاحب الطبع الخشن، لا تتصور أنني سأترككَ من أجل هذه التفاهة، فأنا لست طفلةً في الابتدائي ستبكي عندما توبّخها معلمتها.. فأنا واعية بالدرجة التي تكفي أن أتعامل مع فظاظتك هذه.

وهنا يحضرني سؤال آخر: لمَ كل هذه الحذلقة التي لا طائل لها؟ لمَ لا يقف الإنسان بمنتهى الشجاعة ليواجه أخطاءه وعيوبه ويحاول أن يضبط اختياراته في الحياة على أساسها؟

ما الضير في أن تعترف أنك لم تنسَ حبيبتك الأولى، أو أنك تريد زوجة جميلة وحسنة المظهر أو أنكِ تريدين الكلام المعسول من شريك حياتكِ ليصبرك على وطأة الحياة؟

ابنة الصّدّيق أبو بكر وشقيقة السيدة عائشة رفضت عمر بن الخطاب عند تقدمه لخطبتها قائلة إنها تريد مَن يصب عليها الحب صباً ويكون عابداً لله.. كما أن عمر بن الخطاب لم يحزن عندما رُفض وهو كان أميراً للمؤمنين.

وعندما ذهبت امرأة للرسول -عليه الصلاة والسلام- تريد أن يطلقها من زوجها؛ لأنها لا تطيقه.. وافقها الرسول بعد أن ترد له حديقته.

والرسول نفسه -صلوات الله وسلامه عليه- رغم تعدد زوجاته فإنه قال إن عائشة -رضي الله عنها- كانت أحب الناس إلى قلبه.

ورغم أن حب الرسول لا يجوز مقارنته بتلك الأمثلة المذكورة السالف ذكرها، ولكن هذا لا ينفي أن الحب موجود ومشاعره حقيقية، لمَ تتظاهر كأنك الرجل الخارق الذي يملك زر النسيان وضبط المشاعر؟

فلتهوّنوا على أنفسكم يا سادة، فالأمر بسيط، ولتلجأوا إلى الإجابة المحببة لأنفسكم قبل أن تخوضوا هذه المعارك التي لا طائل لها.. فلتدع الكمال الذي تحاول أن تدّعيه لله وحده، ولا تصدّع رأسك بتفسير عيوبك وبلورتها كأنها نتيجة لحكمتك العظيمة بأمور الحياة؛ لأنك ستظل إنساناً وخطّاء مهما حكيت عن خبراتك التي ليس لها حدود.

ستتفاجأ دوماً بكمّ تجارب لم تعِشها، فكُفّ عن السفسطة وتصنّع المثالية هذا، ولا تلبس ثوب فضيلة أوسع منك.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

راجية كمال الدين
كاتبة مصرية
تحميل المزيد