إدارة الإنسان

عدد القراءات
936
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/21 الساعة 07:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/21 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
Business investor in deep thought looking at the business ideas written on the whiteboard. Businessman thinking while holding his spectacles to mouth

عندما يعي الإنسان أن لحياته معنى، ويبدأ في النبش عن مغزى وجوده على وجه هذه البسيطة، فإن النتيجة الحتمية لذلك أن تصبح حياته متجهة نحو أهداف كبرى يسعى لتحقيقها في ذاته ومحيطه، وحينئذ يصبح هو نفسه مشروع استثمار يبحث له عن أسباب الربح والتطوير والسمو.

هكذا، يمكننا الحديث، مقتبسين من أبجديات التسيير الحديث، عن مصطلح "إدارة الإنسان" الذي يمكن تعريفه كما يلي: "إدارتُك نفسَك بشكل علمي وموضوعي وفعال في إطار منظومة متكاملة بغية تحقيق أهداف روحية ومادية أو تطويرها".

لقد تكلم علماؤنا من قبل عن هذا الأمر، حيث نجد منهم أبا حامد الغزالي مجدد القرن الخامس الهجري -الذي ساهم بعلمه وفكره في صنع جيل صلاح الدين، كما بيّن ذلك د. ماجد عرسان الكيلاني في كتابه الرائع "كيف نشأ جيل صلاح الدين"- نجده يذكر في كتابه الخالد "إحياء علوم الدين" في باب "كتاب المراقبة والمحاسبة" المقامات الست من المرابطة وهي المشارطة (تحديد الأهداف) والمراقبة والمحاسبة والمعاقبة والمجاهدة والمعاتبة.

بلغة العصر فإن أبسط نموذج متعارف عليه لتدبير فعال للشركات يعتمد على معيار عالمي هو "ISO9001".

هذا المعيار ببساطة يعتمد أساساً على مبدأ جامع يُدعى "عجلة دمينع" والذي يرتكز على أربعة مبادئ PDCA: خطط (Plan) ثم افعل (Do) ثم قيم (Check) ثم قوم وطور (Act).

ويستدعي هذا المعيار الإحاطة بمقومات الشركة بدءاً وتحديد رؤيتها وأهدافها الكبرى وشركائها. بعد ذلك يتم تحديد سياسة عامة لإدارتها مع تحديد الأهداف وطرق العمل ومختلف المخاطر التي قد تعترض طريق نجاحها.

ومن أجل ذلك، يتم تحديد العوامل المساعدة بشرية كانت أم مادية أو غيرها، بعد ذلك يتم تحديد سيرورات العمل مع عمليات التقييم والتقويم والتطوير المستمر.

لنرجع إلى الإنسان وإلى "إدارة الإنسان" ولنضع نصب أعيننا إنجاح مشروع الإنسان الذي هو "الأنا" وجعل الحياة شيئاً ذا معنى واضحة المعالم والطريق وغير عبثية.

عملياً ودون تعقيد أو تهويل للأمر، يمكننا اتباع هذه الطريقة المجربة:

* اقطع كل اتصالاتك بالتكنولوجيا والعالم الخارجي، واختَر لنفسك عزلةً تدخل بها ميدان فكرة، كما قال ابن عطاء الله السكندري -رحمة الله عليه- في إحدى حكمه العطائية الخالدة "ما نفع القلبَ مثلُ عزلة يدخل بها ميدان فكرة".

* أمسك ورقة وقلماً وحدّد لنفسك مجالاتك الحياتية التي تدور عليها الأنا: من مثل أنا وربي، أنا وعائلتي، أنا وعملي/دراستي، أنا وهوايتي، أنا ومشاريعي، أنا وصحتي، أنا ورياضتي، أنا وهواياتي، أنا وماليتي..

* لكل مجال من المجالات يجب أن تصل إلى تفصيل أكبر للمجالات المكونة له، مع تحديد هدف بعيد ومتوسط، ويُستحسن في الأول البدء فقط بهدف سنوي لكل واحد منها، مع تحديد المعيقات والمخاطر التي قد تعوقك في مسيرتك.

* اعمل على أن تجمع الكل في منصة أهداف (tableau de bord) على ملف إكسيل (Excel)، مع تخصيص ملف خاص بالمالية تضعه مثلا في googledrive الخاص بك وتحينه كل يوم.

* اعمل على تخصيص اليوم الأخير من كل شهر لترى مدى التقدم أو التأخر في كل هدف من أهدافك.

* عالِج أسباب المعيقات وقُم باتخاذ إجراءات سهلة لتجاوزها.

* كُن مرنا بما فيه الكفاية لتقييم أهدافك وتقويمها إن اقتضى الأمر دون الإخلال بأهدافك الكبرى.

* ستلاحظ في بعض الأحيان أنك لا تتقدم، لا تستسلم واستمر في التعامل على منصة الأهداف.

بعد إيمانك بضرورة "إدارة الإنسان" والتعامل مع الأنا كمشروع مربح عليك إنجاحه، سترى العجب العجاب، حين ستكتسب مهارات جديدة، بل وسيصبح الوقت مِلكاً لك لا مَالكك.

قد يقول قائل: إن كل هذا الأمر صعب قليلاً… صحيح قد لا تنجح في محاولاتك الأولى، لكن المهم في كل هذا أن تبدأ.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سعد بورقادي
مهندس مهتم بالتاريخ
تحميل المزيد