هل تمتلك الشجاعة لتحقيق الحلم الذي اختارك؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/20 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/20 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
Excited student reading good news on line in a smart phone in the street with the university building in the background

العقل الباطن طبيعته العمل المتواصل بصمت ودقة دون توقف، سواء كنت نائماً أم مستيقظاً، فيقوم بالعديد من العمليات الحيوية، فمن المهام الرئيسية التي أوكلها الله سبحانه وتعالى إليه، الحفاظ على صحتك وسلامتك، فيعمل على تنظيم سرعة دقات قلبك وانتظام تنفسك، وتوزيع الدم والأكسجين على جميع خلايا جسمك، كما أنه يعمل على التئام الجروح وتجدد الخلايا بدقة متناهية وإعجازية تدل على عظمة الخالق.

وهو أيضاً مخزن للأفكار والمشاعر والأحاسيس، فالأفكار والمشاعر والأحاسيس تعيد تشكيل الخلايا وتغير العمليات الحيوية بداخلك، فتمرض خلايا وتشفى أخرى، ويسعد إنسان ويشقى آخر، فيؤثر العقل الواعي من خلال الأفكار المخزنة بالعقل اللاواعي على الجسد في صورة صحة أو مرض، مما يدل على أن طاقة الشفاء تكمن بداخلك!

عن طريق تغذية العقل اللاواعي بالأفكار البنّاءة الإيجابية المشبعة بالثقة والإيمان بالله وبقدراتك اللامحدودة التي رزقك الله عز وجل، ومن خلال جسر التناغم والتوافق الذي قمت أنت بإنشائه بين عقلك الواعي المصدر الرئيسي لأفكارك، والعقل الباطن الذي يعتبر المصدر المحفّز لشفائك وسعادتك، وتحقيق أحلامك.

بناءً على ما سبق نستنتج قاعدة مهمة جداً تَحثُّنا على عدم القيام بفعل أي شيء إذا لم تكن لنا أسباب كافية، واضحة، ثابتة، مقنعة ومُحَفزة للعقل الواعي تدفعنا لهذا الفعل وتحبّبنا فيه، بعدها سوف تصبح الأسباب واضحة جداً بالنسبة لك، قُم بتدوينها ليس فقط على صفحات مذكرتك، بل كذلك في قلبك وعقلك بِمِدَادِ أحاسيسك، بعدها قُم بالمواظبة على قراءتها باستمرار، هذا كله يَجْعَل الحماس يعود لهذه الأسباب كأول مرة.

إذن ما دام الحماس موجوداً والهدف واضحاً، والتركيز عالياً، والنِّيَّة متجددة، والأسباب المُرْتبِطة بالزمان والمكان، المادَّة والطاقة معروفة ومضْبوطة من طرف العقل الواعي وواضحة، فإن الإنسان ينطلق ويتطلع باستمرار إلى الإنجاز، وكلما أنجزت أحببت إنجازك، وكلما أحببت إنجازاتك، أصبحت إنساناً طموحاً ناجحاً وَمُصِراً على الإنجاز أكثر وأكثر؛ لأن الذي سبب قوة الحماس، الدافع، والذي سبب الدافع، الرؤية، والذي سبب الرؤية، ستجد الغرض، والذي سبب الغرض، ستجد الهدف، والذي سبب كل هذه السلسلة، ستجد الحماس، والذي سبب الحماس، ستجد القِيمَة، نعم القِيمَة العُليا هي من أوْصَلتنا للحماس، وماذا حصل للحماس حتى أصبح محركاً ومزَوِّداً رئيسياً للدافع؟ وماذا حصل للدافع حتى أصبح قوة جبارة أوصلتنا كذلك للفعل؟

الحماس أصبح في مستويات عالية، ولِلاستفادة من هذا المستوى العالي من الحماس يجب أن تفرغه في القِيَّم، إذ بهذه العملية تكون قد انتقلت إلى الثقة العالية في النفس، وهي مرحلة حاسمة يجب اسْتثمَارها في الفِعْل تدريجياً إلى أن تصبح جزءاً لا يتجزأ منك، بعد كل هذا تكون قد وصلت إلى مرحلة جد متقدمة، يكون الحماس فيها لا يقل ولا ينقص أبداً؛ لأنك تمكنت من التحكم فيه، بمعرفتك للقِيمة التي زَوَّدَتْك بالأسباب، التي زودتك بدورها بالحماس، الذي نتج عنه الدافع، الذي أوْصَلَك إلى هذا السلوك.

وفي حالة شُرُودِك عن السلوك تَعُود مرة ثانية إلى القيمة التي أوصلتك لكل هذا؛ لأن الحماس لا ينقص بل التركيز هو الذي يقل، أما الحماس موجود مع تركيزه، بمعنى أدق موجود بِنِيَّتِه، أي موجود بأسبابه.

بمجرد الرجوع إليه تسترجع كل شيء؛ لأنه أصبح قيمة عُلْيَا بالنسبة إليك، لا يمكنك التخلّي عنه مهما كانت الأسباب، كما أنه أصبح ذا أهمية قصوى في حياتك، أما زيادة التركيز تجعل الأسباب كافية وقوية، لدرجة أن تصبح أنت والهدف واحداً.

معرفتك الدقيقة بكل هذا معرفة يَقِينِيَّة تَدْفَعُك لِتَطبِيقِه في كل شيء مرتبط بحياتك الدُّنيَوِيَّة والأُخْرَوِيَّة على حَدٍّ سَوَاء؛ لأنه أصبح نجاحاً مستمراً في الزمن تَحَقَّقَ في الدنيا والآخرة.

لا يمكن للحماس أن يَنْقص إطلاقاً؛ نظراً لأنك تتوفّر على أسباب كافية تعطيك رغبة عالية، رغبة مشتعلة، تدفع القِيمَة أكثر ولا تَتْرُك مجالاً لِنُقْصَان الحَمَاس، فتلاحظ أن حماسك منبعه نِيَّتك التي مَدَّتْك بالإِرَادة، وأن الاثْنَينِ قُوَّتهُما في الرُّؤْية، فمعنى هذا أصبحت النِّيَّة رُوح النية، وأصبحت الإرادة قوة الإرادة، التي تزيد وتكبر كلما زادت الأسباب، وكلما زادت الأسباب يُولد الحماس، عندها يشتعل الحماس ولا يمكن أن يوقفه إلا التحديات في الحياة.

إذن في هذه اللحظة الحماس لا يقل، ولكن أنت من جعلت كل تركيزك في التحديات، لكن الحماس ما زال مكانه ينتظرك، ولسان حاله يقول: إنك حققت معه نتائج رائعة، فالنية أصبحت وضوح النية، والإرادة أصبحت قوة الإرادة، ووضحت لك الأسباب، زَوَّدتك برغبة مُشْتَعِلَة، وبعد كل هذا الجهد والعمل الجبار صَرَفْتَ كل تركيزك على تحديات الحياة.

فيحدث بينك وبين المُخّ حوار داخلي يريد المُخ من خلاله معرفة الأسباب التي دفعتك للتخلي عن هدفك، تكون إجابتك عبارة عن تشخيص لحالتك النفسية، في هذه الظَّرْفِيَّة وهي الانفعال، فيقوم المخ بملاعبتك واستفسارك، هل أنت متأكد؟ تكون إِجَابَتك نَعَمْ، يقوم المخ بِطَلَب أحاسِيس تُثْبِت صِحَّة قَوْلِك وَصِدْق نِيَّتك، تقوم بِتَزْوِيده بأحاسيس تُثْبِت دَرَجة انفعالك وسَخَطِك، يقوم المخ بالتأكد من الحالة النفسية الراهنة، فتقوم أنت بتأكيدها لعدم معرفتك المسبقة بطريقة اشتغاله، فيسجلها لك اعْتِقَاداً، ويستمر في التأكيد وأنت تستجيب سلْبِياً بتكرير نفس الإِحْسَاس.

برمجة ذاتية تستمر فتصبح تَكَيُّفاً عَصَبِياً، تطلع تلقائياً كطبيعة ثابتة مع التكيف العصبي وتصبح عاجزاً عن التَّقدُّم والنجاح، خلاصة التجربة: المخ جعلك فاشلاً بكل المقاييس، كيف؟

العقل البشري يقوم بمساعدتك على النجاح طِبقاً لِما تقول له، فإذا قلتَ له إنك فاشل، وأكدت له الفشل بأحاسيسك وباعتقادك، مباشرة بعد ذلك أصبحت بَرْمَجَة ذاتية، تزيد من التأكيد عليها، تصبح تَكَيُّفاً عَصَبياً، عندها مباشرة يقوم المخ باتصال داخلي من أجل التنسيق للاشتغال ضِدَّ النجاح؛ لأنك أنت من اخْتَار الفشل، بعدها يَصدر حكم داخلي من المحكمة العليا في المخ من طرف السيد القاضي الداخلي على هذا الشخص بالفشل، حتى صدور أوامر أخرى تأتي منه شخصياً.

إذا لم يغيّر هذا الشخص سلوكه وتفكيره، ويقول شيئاً آخر مخالفاً تماماً للفشل، سوف يستعمل المخ كل الوسائل المتاحة في انسجام داخلي لا يوصف، وبفاعلية رهيبة، حتى يصبح صديقنا من الأوائل في الفشل، وعضواً كامل العضوية في منظمة الفاشلين، زِدْ على ذلك أَنَّ العقل البشري سوف يساعده دون تردد على التوسع والانتشار من نفس النوع.

فينجدب له فاشلون من نفس نوعه طبقاً لقانون الانجداب، فَيسْتَمِّرُّ في الامتعاض من نفسه والانتقاص منها دون وَعْي، بدل تغيير استراتيجية حياته؛ لأنه لا يدري أو لا يدري أنه لا يدري، فيصبح محاطاً بالفاشلين من كل حدب وصوب؛ لأن العالم الداخلي هو مَنْ يحدد العالم الخارجي.

قال الله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" (الرعد: 11).
"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (الأنفال: 53).
إذن لو أحببنا أن يكون عالمنا الخارجي جميلاً وكله نجاح، وإشعاع وتألق، يجب علينا تغيير عالمنا الداخلي أوَّلاً؛ نظراً لنظام التأمّل بالشفافِية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
الغولي رشيد
باحث مغربي
تحميل المزيد