إجازة أبوة

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/20 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/21 الساعة 06:15 بتوقيت غرينتش
Happy proud young father having fun with newborn baby daughter, family portrait together. Dad with baby girl, love. New born child looking on dad. Bonding, family, new life

سمعت بهذا المفهوم لأول مرة من أستاذة في الجامعة وهي تتحدث عن كندا، شعرت يومها بالإعجاب والاستغراب في آن واحد. اليوم زال الاستغراب وتبدل بقناعة راسخة، بأن هذه الإجازة هي من أروع ما ابتدعته البشرية في مجال الحقوق الأسرية للموظفين.

عاد زوجي مالك إلى عمله يوم أن أتم مولودنا "كرم" شهره الأول، وكنت أنا قد استعدت كثيراً من العافية والقوة التي لم يكن لدي منها مقدار ذرة بعد الولاد ة.

وجود الزوج في الفترة الأولى أكثر من ضروري ..

– هو في غاية الضرورة للزوجة:

كنت أشعر أن حاجتي للرعاية والحنان لا تقل عن حاجة رضيعي الصغير لهما، بل لا أدري كيف كنت لأقدّم له العناية دون أن يعتني بي زوجي.

أكتب هذا وقد أكرمني الله بأن أنجبت طفلي ووالدتي بجانبي، تقوم على كل ما أحتاج إليه نفسياً وعملياً -جزاها الله عني ما لا أستطيع أبداً أن أفيها إياه، ولو عكفت على تقبيل قدميها عمري كله- وهذا شرط لا يتوفّر لكثيرات ممن يلدن في الغربة.

لكن وجود الزوج أمر مختلف .. وجوده هو بالذات .. الشريك الذي خطى معي أولى الخطوات في هذا الطريق، ووعدني ألا يترك يدي حتى نستكمله إلى حيث يرضى الله ونحب ..

مرت لحظات، كنت أتكوم فيها إلى جانبه كقطة مذعورة وأبكي من الوهن والقلق والترقب، ولا يسكّن من روعي إلا روحه المرحة ومزاحه اللطيف واحتواؤه المؤنس. ومرت لحظات لا أستسلم فيها للنوم إلا إذا جلس بجانبي يبتسم ويمسح على رأسي.

كان عندي فرط من كل شيء، من الحنان، من الحب، من اللهفة، وفرط كذلك من الخوف والقلق والترقب ..

مجدداً أكتب هذا وأنا لم أعان اكتئاب ما بعد الولادة، فهو أمر آخر له أعراض وتداعيات خاصة، وكل ما مررت به كان تغييرات هرمونية طبيعية تؤدي إلى حالة اضطراب عاطفية تسمى (baby blues  ) وكان وجود مالك بجانبي بلسماً لجرحي، وكان صبره عليّ شفاء لسقمي، وكان دعمه منقذاً مما هو أشد وأقسى .. فكيف تُترك الزوجة في هذه الحالة لتعايش كل هذا وحدها؟!

وكيف إذا كانت تعاني من اكتئاب حقيقي أو نكسة جسدية؟!


ومن جهة أخرى، تشكو كثيرات من أن أزواجهن لا يقدّرن ما يقمن به في المنزل ومع الأطفال، ويسمعونهن عبارات من قبيل "وماذا تفعلين أنت في البيت طوال النهار؟ تجلسين دون عمل!"

في الحقيقة فإن هذه العبارة ليست مجرد كلام، بل هي قناعة يعتقدها كثير من الرجال، والسبب أنهم لم يجربوا أبداً أن يشاركوا زوجاتهم فيما يقمن به.

نعم نظرياً كل شيء سهل وأنت مسترخ في غرفة الجلوس، والواقع أن كل أم هي موظفة بداومين دون أيام عطل أو راتب مدفوع. فإذا شارك الزوج زوجته في ولوجها إلى عالم الأمومة فهم "ماذا تفعل هي طوال النهار"!

– وجود الزوج ضروري للمولود ..

في عالمنا العربي، يُبعد الرجل عن الأطفال منذ اللحظة الأولى في عالم الإنجاب. فمن الحمل إلى الإنجاب والتربية عالم أنثوي بشكل مريع. قد تطلب المرأة المعونة من جارتها قبل أن تفكر في طلبها من زوجها، وهذا إجرام في حق علاقة الأبوة. لأن بناء علاقة سليمة مع الأبناء، يتطلب أن يأخذ الأب دوراً محورياً منذ اليوم الأول، أن يكون حاضراً وقريباً، أن يتعود المولود على رائحة أبيه وصوته كما يتعود على رائحة أمه وصوتها. أن يشتد خفقان قلب الأب وابنه إذا تلامس صدراهما.

وهكذا خطوة خطوة، إلى أن يكبر الولد وحظه من محبة أبيه ورعايته لا يقل عن حظه من محبة أمه ورعايتها.

خدعونا فقالوا "ليست مهام الرجال"، والحق أن الأب بإمكانه ويجب أن يشارك في كل ما يخص الطفل.

–وجود الأب ضروري للأب نفسه ..

فمن الإجحاف أن يعتبر الرجل شخصاً هامشياً في عملية الولادة، بحيث لا يحتاج إلى إجازة. فهو أيضاً يمر بالكثير من السهر والتعب، إلى التجربة الشعورية، إلى تغيير جذري في كل شيء في حياة الأسرة تقريباً..

و هذا كله يصعب أن يفعله إنسان يعمل من 8 إلى 10 ساعات يومياً بتلقائية ودون فترة تمهيدية تسهل الأمور.

نعم من حق الأب أن يلج إلى مرحلة ما بعد الإنجاب بسلاسة وتدريج، ثم إنه من حقه أن يتمتع بمولوده من اللحظة الأولى، وأن يرحب به في هذا العالم دون قلق مستمر على ما ينتظره في الصباح الباكر من مهام ومسؤوليات على الأقل في الفترة الأولى .

الآن، أعلم أن هذا المفهوم غير موجود في عالمنا العربي، ولكنّي أكتب هذا الكلام محملاً برسالتين إلى الأزواج والزوجات، إلى أن يأذن الله بفرج تتوسع فيه دائرة الحقوق في بلادنا.

حاول يا من قررت أن تكون أباً أن تخفف من عملك في هذه الفترة أو تركز إجازاتك في هذا الشهر، سيكون الأمر مربحاً على كل الأصعدة صدقني. لا تسمع لكل ذلك الهراء عن رجولتك التي تهددها "بيبرونة" أو "لهاية".

وأنت أيتها الأم الجديدة أو المخضرمة، لا تتنازلي أبداً عن حقك في وقوف شريكك إلى جانبك في وقت كهذا، ولا تحرميه من متعة العناية بالمولود. علميه وتعلمي معه ومنه، ولا تأذني أبداً لأحد بأن يتفلسف في هذا الخصوص.

ولأولئك الذين يعيشون في بلاد تعطي حق الإجازة للوالد، لا تعاملوا هذا الحق بزهد وتعفف، بل عضّوا عليه بالنواجذ. لن تنجز في عملك ما هو أهم من وضع أولى اللّبنات في حياة معجزتك الحيّة مولودك الجديد ..

أما أنت (مالك) فأشهد الله واشهدوا أنه كفى ووفى..


تم نشر هذا المقال على موقع ميم

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إيناس الخالدي
طالبة ماجستير تعيش بألمانيا
تحميل المزيد