العنصرية المصرية ما بين علي غزال وفوزية ماشاءالله

عدد القراءات
3,923
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/19 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/27 الساعة 06:49 بتوقيت غرينتش

قبل أيام نشرت إحدى المحطات الصحفية المعارضة -ذات الجمهور المصري- تقريرا عن المعتقلة البحرينية فوزية ماشاءالله، أكبر معتقلات الرأي بالبحرين، والتي توثق لجان حقوقية منعها من العلاج وتخيرها بين بتر الأعضاء المريضة أو البقاء على حالتها دون شكاية.. فكانت تعليقات المتابعين صادمة وغريبة.

جمهور المنصات المعارضة من المفترض أنه يحمل درجة واعية من الثقافة والتدين، وكلاهما يرفضان العنصرية على ما يبدو، لكن التعليقات أوعزت بغير ذلك، فكان التركيز على كونها تنتمي للطائفة الشيعية، وأنها تستحق ما يجري لها لأن تيارها الديني يريد هدم البحرين وتقويضه.. تعليقات عنصرية تتركك في حالة صدمة وتساءل منطقي بسيط: وما علاقة هذا كله بمنع العلاج عن سجينة رأي؟

وفي الوقت نفسه، لم يكد اللاعب الأسمر "علي غزال" ينشر تغريدة تجمعه بابنته ذات البشرة البيضاء نسبة إلى والدتها الأجنبية، إلا وانهالت عليه التعليقات العنصرية في محتواها، وإن تخفت حول لافتات ساخرة وضاحكة، لتترك اللاعب في صدمة غير متوقعة من جمهور تويتر الذي يُنظر إليه عادة كجمهور مثقف.

الحقيقة أن العنصرية في المجتمع المصري تجاه المختلفين متأصلة تاريخيا، فلم يكن فرعون ليحتاج أكثر من أن يرفع لافتة أن طائفة بني إسرائيل مختلفة عن المصريين ليصبح التنكيل بتلك الطائفة مقبولا عند عوام المصريين، رغم أن النص الديني حين وصفهم قال: يستضعف طائفة "منهم"، إذ كانت أجيال بنى إسرائيل المضطهدة ناشئة في مصر بصورة كاملة، ولا تقِل مصريتهم عن أبناء الأجداد المصريين.

كل بلاد الدنيا يتحدث نشيدها الوطني عن ميزاتها، عن أسباب الفخر بالانتماء إليها، لكن النشيد الوطني المصري وحده هو الذي يدخل في وصلة عراك مع بقية بلاد الله؛ سعيا لإثبات أننا "أحسن" من غيرنا!.. "مصر يا أم البلاد"، "وعلى كل العباد".. هكذا كأننا نعيش أسرى لحالة سعى حثيث لإثبات أننا أفضل من الآخرين، وأننا أخيرا نجحنا في الاختبار، وكسرنا عين العدو المتربص بنا من كل زاوية!

حالة الاستقطاب هذه مدعومة في كل خطابات الساحة المصرية، بداية من الخطاب السياسي الذي يشيطن طائفة الإسلاميين المصريين، ويخلق حالة استعداء تجاه كل من يحمل سماتهم.. مرورا بالخطاب الثقافي الذي يُدخل العوام في صراعات ضد "آخر" من أي مكان، ليترك المصريين دائما أسرى لمعادلة "نحن" و"هم".

الخطاب الديني أيضا يعزز تلك المعادلة، ما بين حصر علاقاتنا بالعالم في متآمرين يستهدفون تدمير الدين وتثبيت مؤامرة عالمية ضد حامليه والمؤمنين به.. يمكنك أن تلحظ أثر هذا الخطاب حين يختلط أحد "المتدينين" بالعالم الخارجي في مرحلة متأخرة من عمر تدينه، ليكتشف كيف أن العالم أكبر كثيرا من الشرق الأوسط ودينه ومشاكله، وأن الناس في بقية الأرض مشغولون بقضايا أخرى وخصوم مختلفين، وأهم كثيرا من الإسلام وأهله.

على كل حال، علينا أن نعترف أن المجتمع المصري متأخر جدا في إدراك مفهوم تقبل الآخر، وأن مجتمعات أخرى تعتبر مجرد التعرض لتلك المساحات أمرا محرمًا حتى لو على سبيل الدفاع عن من يتعرض للاضطهاد، وربما لو نشر "علي" تغريدته بالإنجليزية لما تعرض لتلك الموجة من العنصرية.

العنصرية في مصر صعبة التجاوز، وعميقة الأثر، لأنها مدعومة من الدولة والثقافة والتعليم والمؤسسات الدينية والفنية، لذلك فإن رحلة الانخلاع عنها ستكون عصية ومتخطية لأجيال كاملة من أجل تأسيس وعي جديد يدعم تقبل المصريين للآخر واحترام خصوصيته وحريته.

تظهر صعوبة معالجة تبعات العنصرية في أن النبي موسى "عليه السلام" عاش في مصر كل حياته، ويبدو أن إعلام فرعون ومدارسه النظامية كانت تغذى الشعور الوطني الزائف ذاته، حتى عند هؤلاء الغرباء من بنى إسرائيل.. ربما لهذا السبب كانت أهمية رحلة موسى إلى أرض مدين؛ إذ كان على موسى أن يغادر مصر ليوقن أن أرض الله هي أرضه، في مدين كما في مصر، وكما ستكون فيما بعد في أرض بنى إسرائيل.

على كل حال، علينا أن نبدأ سريعا في مواجهة العنصرية المتجذرة في مجتمعنا، ولتكن البداية بالإعلام، فهو صاحب الرصيد الأكبر في تأسيس وعي الجماهير، أو كما يقول سام كين في مجموعة قصائده" وجوه العدوّ": "في البداية نصنع العدوّ. تأتي الصورة قبل السلاح. نقتل الآخر بفكرنا قبل أن نتّخذ الساطور أو الصاروخ لإتمام القتل. تسبق الحرب الدعائية، التقنية العسكرية".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عمار مطاوع
صحفي مصري
صحفي مصري مقيم في إيطاليا، مهتم بالتوثيق والتدوين حول تعزيز الحريات وحقوق الإنسان ودعم الشعوب في تقرير المصير
تحميل المزيد