الحكومة المصرية تخلف وعودها لسكان مثلث ماسبيرو

عدد القراءات
647
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/18 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/19 الساعة 09:33 بتوقيت غرينتش

في محاولة لدفع سكان منطقة مثلث ماسبيرو ذات الموقع الجغرافي الحيوي للخروج منها، قامت الحكومات المختلفة طوال عهد مبارك بمنع السكان من ترميم مساكنهم المتدهورة والآيلة للسقوط، وما يتم انهياره منها بالفعل لا يتم البناء مكانه، ليبقى مشهد بقايا المنازل المنهارة مُخيِّماً على الكثير من الشوارع.

وكذلك الاكتفاء بوجود حنفيات عمومية لمياه الشرب، يقوم الأهالي بتوصيل خراطيم منها لمساكنهم ليلاً لتخزين المياه، كما كان رصف بعض شوارعها من خلال كتل بازلتية؛ وذلك لتقليل عدد المقيمين بالمنطقة، التي تقترب من نهر النيل ويجاورها مباني التلفزيون ووزارة الخارجية والقنصلية الإيطالية وفندق رمسيس هيلتون، وتقع بالقرب من وسط مدينة القاهرة وميدان التحرير، مما يزيد من قيمة أراضيها.

وهي الأراضي التي يمكن الاستفادة منها بإقامة مشروعات سياحية أسوة بما حدث مع مناطق أخرى مجاورة على كورنيش نيل القاهرة بمنطقة ساحل روض الفرج، فقبل سنوات عام 2005 قامت محافظة القاهرة بدفع تعويضات لسكان منطقة حكر أبو دومة، ثم بيع جزء من أراضيها لمستثمرين بأضعاف ما تم دفعه من تعويضات.

ولهذا رغبت في تكرار ما تم لحكر أبو دومة مع سكان مثلث ماسبيرو الأكثر اقتراباً من ميادين حيوية، إلا أنها وُوجهت برفض سكان المثلث مغادرة المكان الذي عاشوا فيه، والذي استطاع صفوت الشريف، وزير الإعلام الأسبق، استقطاع جزء منه في عنفوان جبروته لعمل سور وجراج للعاملين باتحاد الإذاعة والتلفزيون.

وكانت توصية لمؤتمر رجال الأعمال السعوديين-المصريين الذي عُقد بالقاهرة في فترة مبارك، قد أعادت الاهتمام بالمناطق القديمة في وسط القاهرة، حيث أوصت بإنشاء شركة برأسمال 500 مليون دولار، لتطوير الأحياء القديمة بوسط مدينة القاهرة، أسوة بما قامت به شركة سولدير بتطوير وسط بيروت، بعد تدميرها خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً.

مشروعات بأراضي الفقراء على النيل

ورغم ترحيب مبارك بفكرة الشركة التي تبنّاها رجل الأعمال صالح كامل، والذي لديه استثمارات عقارية قرب مطار القاهرة، فقد تصدى لها من وراء الستار رجال الأعمال البارزون، وبدأ تحركهم للاستفادة من تلك المناطق المتدهورة عمرانياً.

فقام رجل الأعمال حسين صبور، بالتعاون مع البنك الأهلي المصري، بإنشاء شركة الأهلي للتنمية العقارية، والتي كان شريكاً بها بنسبة 60%، وقامت الشركة بالفعل بإنشاء أركيديا مول على كورنيش القاهرة على أنقاض عشش سانتو برملة بولاق.

كما تحركت عائلة ساويرس للاستفادة من قطعة أرضٍ أكبر مجاورة للمول، من خلال إنشاء برجي النايل سيتي ثم فندق فيرمونت، كما قامت بشراء منازل السكان الفقراء في المناطق الخلفية للبرجين والفندق، والمسماة أرض الكفراوي والعزاوي تدريجياً، مع تعيين خفراء؛ لضمان هدم المنازل المشتراة وعدم بناء أي منازل مكانها.

وتكرر الأمر في مثلث ماسبيرو، حيث تكونت شركة ماسبيرو للتنمية العمرانية عام 2008 برأسمال 90 مليون جنيه مدفوع بالكامل، من خلال 4 شركات مملوكة للحكومة بالكامل، حيث ساهم البنك الأهلي المصري بنسبة 33%، وبنك مصر 33%، وشركة مصر للتأمين 18%، وشركة مصر لتأمينات الحياة 15%، وقامت الشركة بشراء بعض قطع أراضٍ من السكان الأفراد المالكين لها بمنطقة مثلث ماسبيرو.

وتكرر الشراء للأراضي من الأهالي الأفراد من قِبل شركتين سعوديتين وشركتين كويتيتين وشركتين مصريتين خاصتين، حتى أصبحت ملكية غالبية أرض المنطقة لتلك الشركات ولم يتبقَّ للأهالى سوى نحو 25% من الأراضي، الأمر الذي شجع وزير الاستثمار، محمود محيي الدين، أواخر أيام مبارك، على الضغط لتنفيذ مشروع تطوير مثلث ماسبيرو لصالح الشركات الخليجية المالكة لمعظم الأراضي.

وعود وزيرة العشوائيات ومحلب

إلا أن قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 أنقذ الأهالي من الضغوط الحكومية، لكنّ سعي الشركات لم يتوقف، وبعد ثورة يناير زار محافظ القاهرة، عبد القوي خليف، المنطقة ودرس مطالب سكانها، وسمح لهم للمرة الأولى بعد سنوات طويلة بترميم مساكنهم الآيلة للسقوط، لكنه لم يستمر سوى فترة قليلة بمنصبه.

ومع إنشاء وزارة للتطوير الحضاري والعشوائيات بوزارة إبراهيم محلب الثانية، قامت وزيرة العشوائيات، ليلى إسكندر، بزيارة منطقة مثلث ماسبيرو مرتين، وتحدثت بمؤتمر نظَّمه لها الأهالي في أغسطس/آب 2014، طالبت فيه بتكوين لجنة من ممثلي المنطقة، على أن يتم اجتماع أسبوعي للجنة بمقر الوزارة؛ للتوصل الى شكل التطوير المطلوب، لتحقيق مبدأ التنمية بالمشاركة عملياً.

وأكدت أنه لن يتم ترحيل أي مواطن من المنطقة، وأن الإنسان هو محور التنمية وليس الطوب والأسمنت، كما زار رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، المنطقة بنفسه فى ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، مكرراً الأمر نفسه للسكان بعدم ترحيل أحد من المنطقة.

ثم سرعان ما تم إلغاء وزارة التطوير الحضاري والعشوائيات وإسناد ملف العشوائيات لوزارة الإسكان، ثم صدر قرار بإسناد ملف العشوائيات لنائب لوزير الإسكان، كان هو نفسه أحد مساعدي وزيرة العشوائيات والذي حضر معها المؤتمر الجماهيري لسكان مثلث ماسبيرو، لكنه مع تغيير رئيس الوزراء تغير الموقف من الوعود التي ساقتها ليلى إسكندر ومحلب بعدم ترحيل أحد من السكان.

لتبدأ وزارة الإسكان ومحافظة القاهرة من خلال حي بولاق أبو العلا الذي يتبعه مثلث ماسبيرو، الضغط على السكان، لقبول أحد الحلول المعروضة عليهم والتي تتعدد ما بين قبول التعويض المادي والرحيل عن المنطقة، أو الرحيل للسكن في مساكن الأسمرات بمنطقة المقطم، ومن يفضل الاستمرار في الإقامة بالمنطقة فعليه الرحيل خلال مدة 3 سنوات، وسيكون أمامه خيارات سداد الإيجار البالغ 1500 جنيه شهرياً، أو الإيجار التمليكي للوحدة السكنية التي سيقيم بها بعد إنتهاء مشروع التطوير والبالغ 1700 شهرياً، أو الحصول على وحدة سكنية قيمتها 600 ألف جنيه ذات مساحة صغيرة.

ونظراً إلى كون كثير من السكان من البسطاء، سواء من الأرزقية أو الأرامل اللاتي يعشن على معاش الضمان الاجتماعى زهيد القيمة، والذي تبلغ قيمته الشهرية حتى اليوم للأرملة 325 جنيهاً شهرياً، بينما الإيجار الشهري للشقة البديلة بمشروع الأسمرات يبلغ 300 جنيه شهرياً، فقد فضلن التعويض المادي على السكن؛ لعدم استطاعتهن دفع قيمة الإيجار الشهري، إلى جانب ضغوط الأقارب من ورثة تلك الأماكن لقبول التعويضات للحصول على نصيبهم منها. 

عدم الثقة وراء قبول التعويضات

كما كان عدم الثقة بوعود المسؤولين بالعودة للمكان بعد التطوير سبباً رئيسياً، خاصة بعد ما سمعوه من وعود من مسؤلين كبار تم التخلي عنها، كما أنهم لم يطَّلعوا على المخطط التفصيلس لتطوير المنطقة، ولم يسمعوا عن جدول زمني للتنفيذ، ولا يثقون بمواعيد الحكومية لتنفيذ المشروعات والتي تطول كثيراً عما يتم الوعد به ببداية المشروعات.

وإذا كان ثلثا سكان المنازل قد قبلوا بديل التعويضات المالية رغم عدم رضاء كثير منهم عن قيمة تلك التعويضات، التي يرون أنها لا تكفي لتوفير السكن البديل في الأماكن الأخرى- فإن المشكلة أشد لدى أصحاب المحلات، الذين يرون أن قيمة التعويضات لا تتناسب بالمرة مع الأسعار المرتفعة للمحلات بالمناطق الأخرى.

ويبقى العامل النفسي السلبي والإحباط مهيمناً على الجميع، والذين أحسوا بالقهر نتيجة إرغامهم على الحل الذي أرتأته المحافظة ووزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات التابع لمجلس الوزراء، ولسان حالهم يرى أن الحكومة تتاجر بالأرض على حسابهم، حيث ستعطيهم مبالغ أقل كثيراً مما ستربحه نتيجة إعادة بيع تلك الأراضي، والتي تم تقديرها بنحو 120 مليار جنيه لمساحة 51 فداناً، وأنها قد فضلت مصلحة المستثمرين على مصلحتهم.

خاصة أن المنطقة ليست عشوائية وليست أملاك دولة أو بها تعديات على أملاك الدولة، ولكنها ملك للأهالى ملكية قانونية.

كما أنهم لم يقتنعوا بتهديد ووزير الإسكان لهم باللجوء إلى نزع الملكية لمساكنهم ومحلاتهم للمنفعة العامة عند رفضهم ترك المكان، بقولهم إنهم سيتركون المكان، ليس لمنفعة عامة ولكن لمصلحة عدد محدود من المستثمرين؛ لأنه لن يتم بناء مستشفى أو طريق أو حديقة عامة أو مشروع للمنفعة العامة، ولكن أبراج ومشروعات خاصة لصالح هؤلاء المستثمرين.

ويتساءلون: لماذا لم يتم تطبيق أسلوب تطوير منطقة زينهم عليهم، وهي المنطقة العشوائية المجاورة لمشرحة زينهم، حيث تم تسكين سكانها بمدينة 15 مايو، ثم إعادتهم للمنطقة نفسها التي عاشوا فيها، بعد انتهاء التطوير الذي تم أيام سوزان ثابت حرم مبارك، ويقارنون هامسين بين فترة سوزان والفترة الحالية التي أجبرتهم على الرحيل.

ورغم تكوين السكان رابطة شباب ماسبيرو للدفاع عن الأرض والحق في السكن منذ سنوات، وهي الرابطة التى نظمت المؤتمر الجماهيري لوزيرة العشوائيات عند زيارتها المنطقة- فإنهم يدركون أن المناخ العام قد أطاح بمؤسسات المجتمع المدني، ويمكنه البطش بمن يعترض؛ بل إنه يمكن تلفيق الاتهامات المتعددة له.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد