ثورة شمس الزناتي.. ماذا لو كان العظماء السبعة بيننا الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/16 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/16 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش

معظم مَن يتابع السينما المصرية قد شاهد ولا بدّ فيلم شمس الزناتي، لكنه لجيل الثمانينات الذي أنتمي له يمثل أيقونة عظمى للحرية والحياة؛ حيث كنا قد بدأنا نفهم معاني مثل الوطنية والانتماء في عام 91 الذي أُنتج فيه هذا الفيلم.

وهو مقتبس من فيلم أميركي يسمى (العظماء السبعة)، واليوم ونحن نعيش واقعاً شديد القتامة في مصر صرتُ أنظر لشمس الزناتي نظرة أخرى، شمس بطل الفيلم الذي تقع أحداثه إبان الحرب العالمية الثانية يقوم بقتل الإنكليز في شوارع القاهرة، ويتعرض للملاحقة الأمنية، رمز للثائر المصري الذي هو من عموم الشعب فحسب، محاولاً إثارة إعجاب الفتاة التي يتمنى الزواج بها وهي "حنة" تلك الأرملة الجميلة الصعيدية، تخبره بموافقتها على عرضه للزواج، نظير أن يسافر معها للواحات للاختباء ممن يطاردونه في القاهرة، وحيث قريتها التي يعيش أهلها المسالمون تحت بطش عصابة من الهجامة يقودهم المارشال برعي، دائماً هناك الجميلة التي تنتظر الفارس ليؤمن بها ويعانق قضاياها.

مصر الجميلة تنتظر ذلك كل يوم، وكل من غاب تحت التراب أو داخل المعتقلات كانوا وسيبقون فرسانها، يجمع شمس جيشه الصغير المكون من رفاق (الجهادية) ممن قضى معهم الخدمة العسكرية، واقع آخر حزين؛ حيث حفنة من (الجدعان) من أبناء هذا الوطن تجمعهم الموهبة، وأيضاً يجمعهم الفقر وغياب معالم الحياة، وكل كلمة قالها الأبطال لبعضهم صارت كالنبوءة تتحقق في بلادي، "اهرب يا ولد" كلمات جعيدي الأخيرة وهو يلفظ أنفاسه على الباب الخشبي الذي جعل جسده درعاً عليه ليحمي النساء، لا بد من رجل يحمي النساء، ولا بد من صرخة للهروب من جحيم المواطنة في مصر، النساء قضية أزلية في وطننا وحقوقهن المهدرة، نحتاج إلى سامبو آخر يموت فداء لنساء مصر الأسيرات.

تقرير الـbbc فضح ما يحدث في أروقة السجون والمعتقلات، وما يجاهد هذا النظام لإخفائه عن العالم، لم يحتمل سامبو حقيقة استشهاد رفيقه العزيز الذي كان دائماً يتناوش معه، وألقى بنفسه مع الديناميت ليفجّر قتلة صاحبه.

كم صاحب يفتقد صديقه في هذه الأيام ما بين غائب في السجن أو في القبر، لكنّ أحداً لا يستطيع حتى أن يفجّر الكلمات في وجه نظام يحكم بالحديد والنار؛ ليكمم الأفواه ويشغل الجميع بهموم تحصيل لقمة العيش والنجاة ليوم آخر.

"سلامة الطفشان" كان أول شهيد ربما لأنه كان الأكثر بؤساً والأطيب بين أفراد المجموعة، يعيش على صيد نِبلته، الجوع قاتل صامت في مجتمعنا لم أفهم هذا حتى طرقت على تلك السيدة الباب لتخبرني على استحياء بخلو بيتها من الطعام، والأب قد هرب من الملاحقة الأمنية، وبأن الصغار جائعون، كان ما قالته أصعب من قدرتي على التحمل، تباً لوطن يجوع فيه الصغار ليطمئن السادة إلى تخمة حساباتهم البنكية!!

ربطت سلامة الطفشان علاقة أبوّة بهذا الطفل اليتيم عبدالله الذي كان يبكي مقتل والده على يد المارشال في أول لقاء لهما ليختار سلامة أو تختار أقداره أن يكون والداً لهذا الصغير ويموت فداء لحياته، هناك جيل كامل من الصغار في سيناء لا يجد من يفديه؛ مات الأب، ومات الطفل، أو هو موشك على الموت، ما سمعناه عن موت الأطفال تحت وطأة التعذيب في سجون بشار الأسد يتكرر بحذافيره في أطفال سيناء.

"سيد سبرتو" الذي كان يرفض دخول المسجد خجلاً من ذنبه في معاقرة الخمر، حتى إن الأوغاد المتسكعين في عالمنا يمتلكون مخافة من الله أكثر مما يمتلكه أصحاب السلطة الذين يبقون حتى رمقهم الأخير بلا توبة كالتي عقدها سبرتو وهو يودّع الحياة ويبتسم بعد أن أدرك أنه في المسجد.

المصوّب البارع الذي يسير بخناجره في فتونة، كان هو الذي نجح في قتل الخائن دعدور من أهل الواحة، والذي يختار أن يتلون كالحرباء لأجل أن يحظى بسلطة وهمية من المارشال بُرعي.

هناك دائماً خائن ينتظر فتات الوليمة أو أي عَظْمة يلقيها له أصحاب النفوذ على أمل الصعود على أكتاف العامة يوماً، الخيانة مقابل معلومة كانت منذ القديم سلاح بطش في يد مَن يحكمون، المشهد كان واضحاً جداً عندما خرج حفنة من الشباب والبنات للسير في شوارع أحد أقاليم الجمهورية في أول أيام الانتخابات الرئاسية ملوّحين بعلم مصر يرتدون تي شيرتات بيضاء موحدة تحمل شعار الفيسبوك وتويتر؛ ليعلم مَن لا يعلم أن الجيش الإلكتروني القائم من نسل دعدور الأحمق لا يحصل على شيء غير شهرية ربما ووعود بالترقي وبعض الـ"تي شيرتات" والمهام الملحمية التي تشعر مجموعة من الشباب بأنهم أصحاب سلطة أكبر من باقي الشعب، لم ينزل أحد لهذه المسرحية سوى من يحصل على منفعة، بخلاف ذلك فالشعب تائه في طرقات تحصيل القوت، وهناك غرامة ووعيد على المتخلفين عن التصويت من موظفي الدولة.

عبده قرانص رفض مواصلة النضال، إن النضال بائس فعلاً أنت مهدد ومعرض لكل أنواع البطش، والأجر في علم الغيب؛ لهذا من الممكن أن تختار الانسحاب الذي اختاره عبده قرانص في الفيلم، كما اختار الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وهو الذي ظن أن اعتزاله الصدام مع النظام سيمنعهم من ملاحقته، لتشاء الأقدار، كما حدث مع قرانص في الفيلم أن يعود بمحض إرادته إلى ساحة شمس الزناتي، كان من الممكن للدكتور عبد المنعم أن لا يعود أبداً إلى أرض الوطن بعد رحلته الأخيرة إلى لندن، لكنه إكمالاً لنضاله الذي نعرف وربما ندم متأخر لتأجيله الصدام الذي كان من الأفضل له القيام به، والطرق على الحديد وهو ساخن أيام ميدان رابعة العدوية؛ حيث طالبه بعض المحبين بالعدول عن رأيه، والنزول للحاق بركب المعارضة مجتمعة في الميدان، لكنه آثر الطريق السياسي.

ولا ننسَ أبداً أن الرجل قد حاول الدخول كوسيط لعمل مصالحة وفض الاشتباك قبل وقوع المجزرة، ربما لأن الله أراد له اللحاق بالصف الثورى في المعتقل، ربما ما لم تنجح الحياة في جمعهم على كلمة سواء من أفراد الإصلاح في مصر قد ينجح المعتقل في جمعهم على كلمة سواء، فالكل اليوم مظلوم، والكل ينظر للوطن الضائع نظرة حزن وخجل، ليتهم اجتمعوا قبل أن يجمعهم سجّان واحد.

نحتاج إلى شمس الزناتي؛ ليجمع كافة الطوائف في بوتقة ثورية جديدة، نحتاج أن نبكي شهداء الوطن من أيام الثورة الأولى، نحتاج إلى أمل في النجاة من حرب ضروس يقودها ترمب لصالح إسرائيل، وتبدأ من بلادنا وتنتهي في القدس المحتلة وحتى يعود الغائبون في أرض المهجر هرباً من بطش الدولة البوليسية في مصر، وتشرق شمس الحرية رغم سماء بلادي الملبدة بالغيوم.. أنا ومَن يعشقون هذا الوطن لأجل هذا اليوم نصلّي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
زينب سعد
أم وأخصائية تخاطب
تحميل المزيد