الموهبة بين الاجتهاد والابتذال.. لماذا نجح محمد صلاح؟

عدد القراءات
1,335
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/15 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/23 الساعة 07:59 بتوقيت غرينتش

كان شيكابالا يمتلك كل ما يمكن أن يجعله من أهم مَن لعبوا كرة القدم في مصر.
اشتهر في سن صغيرة نسبياً، عكس كثير من لاعبي الكرة المصريين أصحاب الموهبة، كأبوتريكة مثلاً الذي بدأ يُعرف اسمه وهو في أواخر العشرينيات.. معظم الذين عاصروا شيكابالا في فترة انطلاقته مع الزمالك، بعد عودته من تجربة احتراف فاشلة في اليونان، أجمعوا على أنه كان من أفضل المواهب الكروية التي ظهرت في مصر على الإطلاق؛ إمكانات فنية مرعبة، وإمكانات بدنية ممتازة.
تزامن بزوغ نجم "شيكا" مع فترة كان يعاني فيها ناديه "الزمالك" أزمات إدارية طاحنة، غابت معها البطولات، وابتعد فريق الكرة كثيراً جداً عن المنافسة.. وسط كل هذا، أصبح شيكا معشوق جمهور الزمالك الأول، وأحد أهم الأسباب التي جعلت متابعة فريق الزمالك شيئاً له معنى.. الفُرجة على شيكابالا في أوقات تألُّقه كانت متعة مضافة للفُرجة العادية على أي مباراة كرة قدم أخرى، وجوده في الملعب جعل تجربة المشاهدة مضاعفة المتعة.. معظم من كانوا يشجعون فريق الزمالك حالياً وسنُّهم أقل من 20 سنة، ستجد أن شيكابالا كان السبب الرئيسي في ارتباطهم وتعلُّقهم بحب الزمالك.
لكن، للأسف لم تكن هذه هي الصورة الكاملة.

اللاعب المصري شيكابالا
اللاعب المصري شيكابالا

(2)

الجزء الثاني من الصورة كان يُظهر شيكا فيه أسوأ ما يمكن أن يقدمه لاعبو كرة القدم من ناحية الالتزام السلوكي والرياضي، واحترام موهبته التي وهبها الله له.. حالة الفوضى التي كانت بالزمالك في هذه الفترة، والتدليل الإداري المبالَغ فيه؛ أسهم أكثر في التدمير البطيء لموهبة كروية جبّارة.
مشاكل متكررة مع الإدارة، وخلافات مع الجهاز الفني أحياناً.. تذبذب غير طبيعي في مستواه الفني ولياقته البدنية؛ لدرجة أنه في بعض الأحيان يقوم بعمل مباراة عظيمة مبهرة، ويقدم بعدها 3 أو 4 مباريات يصبح فيها وجوده مثل العدم وكأنه لاعب آخر! حتى في حياته الشخصية، عانى كثيراً فوضى مماثلة لحياته العملية كلاعب وتكرر زواجه وانفصاله.. حالة كاملة من التشتت وعدم الاستقرار النفسي والفني.. وسنوات شباب الفتى الموهوب كانت تمر، أزهى الأوقات التي من المفترض يقدم فيها أعظم مستوياته وعطائه الكروي كانت تضيع بالبطيء في اللاشيء تقريباً.
إلى أن وصلنا لعام 2012.. وهنا يجب أن نتكلم عن هذه اللحظة بالتحديد.

(3)

نحن الآن في عام 2012، بعد مأساة مذبحة استاد "بورسعيد" بشهور.. النشاط الكروي في مصر تم إيقافه، وكثير من أندية الدوري سرّحت جزءاً كبيراً من لاعبيها.. لا توجد كرة قدم! لدرجة أن بعض اللاعبين الذين كانوا يلعبون في دوري "الممتاز ب" لجأوا إلى أن يعملوا "بيّاعين" أو حرفيين؛ حتى يوفروا لأنفسهم لقمة العيش.
وكالعادة، يدخل شيكا في مشاجرة جديدة، هذه المرة مع مدرب الزمالك "حسن شحاتة"، بعد ما استبدله في إحدى مباريات النادي ببطولة دوري أبطال إفريقيا.. تم تصوير هذه المشاجرة على الهواء مباشرة في أثناء إذاعة المباراة، وكانت مصر كلها ليس لها حديث إلا عن هذه المشاجرة..
في الوقت نفسه، كان اللاعب الصاعد المصري "محمد صلاح" يقضي أول شهر له مع ناديه الجديد "بازل" السويسري.. لاعب سريع في انطلاقاته، لديه مهارة لا بأس بها أبداً، وأحرز هدفاً في الأهلي من شهور لفت له الأنظار أكثر.. تم عرضه على نادي الزمالك، بعد قرار إيقاف المسابقات المحلية في مصر؛ حتى يشارك مع النادي في بطولة "دوري أبطال إفريقيا"، لكن تم رفضه.. "لأن مستواه لا يليق بنادي الزمالك"، على حد تعبير رئيس النادي آنذاك.. محمد صلاح كانت لديه فرصة ذهبية لمزاملة النجم الموهوب "شيكابالا"، لكن للأسف.. "مفيش نصيب"!

(4)

الآن نحن في 2017، بالتحديد الساعة 9 مساء يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول.. والنجم العالمي "محمد صلاح" يجري منطلقاً؛ استعداداً لتنفيذ ركلة الجزاء، التي سيحرزها ويحقق لمنتخب بلده الحصول على كأس العالم، لأول مرة من 28 سنة.
في هذه اللحظة نفسها، كان "شيكا" يشاهد المباراة، لكن ليس من الاستاد، ولا من مصر كلها.. كان يتابع من السعودية.. "شيكا" حالياً يختم مسيرته الكروية، تجاوز الـ30 سنة، لياقته قلَّت كثيراً؛ ربما ذلك بسبب سنوات إهماله نفسه في بداياته.. يختتم مشواره الكروي في نادٍ سعودي متوسط القيمة اسمه "الرائد السعودي"، ليس من الفرق الأربعة التي من الممكن أن تقول عليها الأكبر في الدوري السعودي..
وفي الوقت نفسه، يشاهد "شيكا" النجم العالمي "ًصلاح"، لاعب نادي "ليفربول" وأغلى صفقة في تاريخ النادي الإنكليزي العريق، وهو يقود منتخب بلده لكأس العالم.. حينها، أعتقد أن شيكا تذكَّر وهو يرى صلاح، مرفوعاً على الأعناق كأبطال الأساطير الشعبية، أنه لم يسجل مع المنتخب غير هدف يتيم في مباراة ودية! هدف واحد في مسيرته الدولية مع منتخب بلده.
على الرغم من مأساوية النهاية، فإنها منطقية جداً.

(5)

أجمل ما في مسيرة محمد صلاح، أنها "حدوتة" وقصة واقعية جداً عن النجاح، دعوة واقعية غير مبتذلة للحالمين بأن يكملوا ويجتهدوا ويصدقوا.. التصديق أول وأهم خطوة، لكن من دون الاجتهاد والتعب والمعاناة لأهدافنا التي نؤمن بها، فلن تكون لها قيمة.. الشغف وحده لا يكفي، ولو أن الاجتهاد لم يكن بجانبه، إذن فلا حاجة له.
"صلاح" ليس أعظم موهبة كروية جاءت في تاريخ مصر، لكنه بالتأكيد على وشك أن يستحق لقب أفضل لاعب كرة في تاريخ مصر؛ كمثال للاجتهاد والإخلاص، والتطور الفني، والعمل في صمت.. "صلاح" شخصٌ صامت معظم الوقت، لقاءاته عابرة وسريعة جداً، وعندما يظهر في الإعلام لا يكون من النوع الذي يخطف الأنظار بكلامه، لكن عمله أن يقوم بواجبه، حينها يجذب كل الأضواء.
لا أعتقد أني عاصرت إنساناً مصرياً يحترم "الموهبة" مثل صلاح؛ يمكن لأنه أدرك مبكراً أن الموهبة شيء حسّاس جداً، من يحترمها تُكرمه وترفعه لمرتبة لا يتخيل الوصول إليها، ومن يُهِنْها تُهِنه، وتدوسه في النهاية، وتحوّله للاشيء.
صاحب أي موهبة يجد دائماً أمامه طريقَين:
إما أن يهب نفسه لحلمه، ويعرف أن الوصول لما يستحقه طريق به الكثير من المشقات والتعب والظلم، أكثر بكثير من الراحة التي يعيشها.. وإما أن يتواكل على موهبته، التي مهما عظمت، فإنها لن تضمن له أبداً أي مستقبل مشرق، إلا لو احترمها.
للأسف، الحياة لا تعترف إلا بالنتائج المنطقية، مهما كانت قاسية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مدحت
كاتب ومدوّن مصري
أحمد مدحت خريج كلية التجارة جامعة الإسكندرية، عمل كاتباً حراً في عدة صحف ومنصّات عربية مختلفة.. مُهتم بالكتابة في المجالات الأدبية المختلفة، خاصة مساحات العلاقات الإنسانية على تنوعها.
تحميل المزيد