الحبّ، القداسة، والإيمان في السينما الهندية

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/15 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/15 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
Girl, dressed in traditional national costume, dancing classical indian dance Kuchipudi. Emotional gestures of indian dance kuchipudi.

منذ اللقطة الأولى من فيلم (Heer Ranjha) من إنتاج عام 1992 لمُخرجه (هارمش مالهوترا) نرى الطفل "ديدو" (أنيل كابور) يدعو الربّ؛ كي يحقق له أمنيةً بسيطةً، مساعدته بأن يجد "هير" (سريديفي) عندما يلعبان لعبة "الاستغماية".

تردّ عليه الصغيرة بأنه لن يستطيع العثور عليها؛ لأنّ الربّ يخصّها، ولهذا، سوف يساعدها على الاختباء جيداً.

"ديدو"، و"هير" ينتميان إلى عائلتيّن متخاصمتيّن، العداوة بينهما تُبعدهما عن بعضهما، تمضي السنوات، يكبران، ولكنهما لا ينسيان حبهما المُتبادل.

منذ البداية، سوف نفهم أنّ الأحداث مقتبسة بوضوح عن مسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير مع بعض التعديلات المُناسبة للأجواء، والعادات، والتقاليد المختلفة في الهند.

تستمر صلوات "هير"، إنها مؤمنة بالربّ إلى حدّ بعيد، ولكنها مؤمنة أيضاً بحبها.

العمّ ـ الذي أصبح عاجزاً بعد المشاجرة الأولى في المشهد الافتتاحي ـ يريد الانتقام بأيّ طريقة من أفراد العائلة الأخرى، هو سكيرٌ، وفاسقٌ سوف يُحيك المؤامرات ضدّ علاقة العاشقيّن.

"ديدو" أصبح شاباً جميلاً تعوّد عزف الناي، والغناء في أحد الأضرحة الهادئة، ينصحه أحد العرّافين بعبور النهر إلى الجانب الآخر؛ كي يعثر على ما يبحث عنه من سلامٍ داخلي.

يلتقي العاشقان بعد غياب سنواتٍ طويلة، وتبدأ علاقة الحبّ الخالدة، ولكن خلاف العائلتين يمنع من زواجهما.

يعمل "ديدو" تحت اسم مستعار "رانجا" راعياً للبقر عند والد محبوبته (شامي كابور)، ولكنّ العمّ الشرير يكتشف علاقتهما، وتعتقد العائلة أن الابنة خانتهم، ولطخت شرفهم في الوحل.

وترفض زواجهما، يقبض الشيخ رشوةً من العمّ؛ كي يُعلن موافقة "هير" على الزواج من "زايد" الذي يقبل بناءً على رغبة عائلته.

يهيم "رانجا" في البراري، ويلتقي بمجموعةٍ من المُتعبدين الهندوس، وهو في حالةٍ من الألم، والإنهاك، والرغبة بالموت.

ـ لقد فقدت الربّ.

ـ لا يا ابني، الربّ لا يختفي أبداً من قلوب عباده.

ـ أريد أن أغيّر من نفسي حتى لا تعرفني محبوبتي.

يطلب الراهب منه بأن يُعمق إيمانه بالربّ.

وبالفعل، يلتقي بها مرةً أخرى، وهو في ملابس شحاذ متشرد، وتساعدهما أخت "زايد" على الهرب، ولكن يمنعهما الزوج، ويذهب الجميع إلى القاضي الذي يكشف لعبةً حاكها العمّ، ويسمح بزواجهما، وفي المشهد الأخير، يحتال من جديد، ويدسّ لها السم في حلوى يقدمها لها في ليلة زواجها، فتموت، ويأكل "رانجا" القطعة المُتبقية.

وعلى عكس معظم الأفلام الهندية، لن يعيش العاشقان في سباتٍ، ونبات، ويظلّ السيناريو مخلصاً لنهاية مسرحية "شكسبير"، ويموت العاشقان متعانقين في مشهدٍ تصاحبه دموع الأسرتين المُتخاصمتين.

عالمٌ مجنون

في فيلم (Zamana Deewana) ـ عالمٌ مجنون ـ من إنتاج عام 1995 لمُخرجه (راميش سيبي) والمُستوحى من قصة (روميو وجوليّيت)، يستوقفنا مشهدان دالان يُظهران تجذر القداسة، والإيمان في الأفلام الهندية، وبالتحديد عندما نكتشف بأنّ الأم "ساريتا مالهوترا" (بينا) ما زالت على قيد الحياة بعد أن اختطفها الشرير "سوندار" (تينو أناند) في بداية الفيلم؛ كي يُحدث قطيعةً بين الصديقين "سوراج" (شاتروغان سينا)، و"مادانلال مالهوترا" (جيتيدرا)، ويتمكن من التقرّب من ابنته "برييّا" (رافينا تاندون)، وعندما ينكشف أمره، يطلب من أعوانه قتل الأمّ بإحراق البيت الذي يحبسها فيه (في المرة الأولى التي شاهدناها، كانت تركع أمام تمثال أحد الآلهة، وتصلي).

يبدأ رجال العصابة بحرق البيت، ويتدخل "راهول" (شاروخان) ـ ابن "سوراج" ـ لإنقاذها، يحاول الخروج من الغرفة، وبالقرب من تمثال الآلهة الذي لم تصله النيران بعد، يقع عمودٌ محترق، ويكتشف "راهول" سرداباً يهربان عن طريقه، ويعود إلى مكان الاحتفال بزواج حبيبته من "بوبي" ـ ابن "سوندار"، ويحاول استعادتها، ولكنّ التقاليد الهندية صارمة، فقد تمّت طقوس الزواج، ولا يمكن إلغاؤها لأيّ سببٍ كان، حتى وإن قبلت الفتاة خوفاً على حياة والدتها.

وفي اللحظة الأخيرة، يتدخل معاون مفتش البوليس (بريم سوترا)، ويكشف أنّ الزواج باطل؛ لأنه اختطف الكاهن الحقيقي، وأفهمه بالأمر، ولجأ إلى شخصٍ آخر كي يحلّ محله، وهذا يعني أنّ الزواج قد تمّ بطقوسٍ مزيفة، وكاهن مزيف.

حيلةٌ درامية لإنقاذ الموقف، والحفاظ على قدسية الزواج، وانتصار الخير، والحبّ، والصداقة.

قلبٌ من ذهب

في فيلم (Dil Ka Rishta) ـ قلبٌ من ذهب ـ من إنتاج عام 2003 لمُخرجه (ناريش مالهوترا) يقع "جاي" (أرجون رامبال) الثريّ في حبّ "تيّا" (أيشواريا رايّ)، وعلى الرغم من ميلها الخفيّ نحوه، فإنها تحب الفقير "راج" (بريانشو شاترجي)، وتتزوجه، يتدخل القدر، ويُغير من مجرى الحكاية، "جاي" بصحبة صديقة طفولته "أنيتا" (إيشا كوبيكار)، متألمٌ، وثملٌ، يقود سيارته بسرعةٍ، ورعونة، ويصطدم بالسيارة الجديدة التي اشتراها "راج" لزوجته "تيّا".

تموت "أنيتا"، ويموت "راج"، وتفقد "تيّا" ذاكرتها.

يشعر "جاي" بمسؤوليته عما حدث، يحاول تصليح غلطته الكبرى، ينصحه الطبيب بأن لا تعرف "تيّا" عن ماضيها شيئاً خوفاً عليها من نزيفٍ دماغيّ يمكن أن يحدث لها.

تسافر العائلة إلى جنوب إفريقيا، "جاي" مع والده، و"تيّا" مع أم زوجها المُتوفى، تتطور العلاقة بين "جاي"، و"تيّا"، وتنعكس الأدوار، هي تحبه، وهو يبتعد عنها، ويخفي مشاعره الحقيقية نحوها إرضاءً لأمّ زوجها التي ترفض زواجه منها، وفي لقطةٍ دالة، نراها تصلي أمام تمثال المعبود "كريشنا"، يدخل والد "جاي" إلى الغرفة، يقدم لها علبةً كي تتعرّف على محتوياتها، وتقرر مصير العلاقة بين ابنه، و"تيا" زوجة ابنها المُتوفى.

في خلفية الصورة تمثال المعبود "كريشنا"، تفتح الأم العلبة، وتجد فيها ثوب زفاف أحمر اللون، وثوباً أبيض متواضعاً ترتديه الأرامل.

وهنا يتحتمّ عليها التفكير بما يُرضي "كريشنا"، ضميرها، ومصلحة زوجة ابنها، وحفيدها، وعلى أثر تلك اللقطة، تقرر نسيان الماضي، وهكذا، يعيش العاشقان الحاضر، وينتصر الحبّ ممزوجاً بالألم.

خطوة.. خطوة

في فيلم (Chalte Chalte) ـ خطوةٌ.. خطوة ـ من إنتاج عام 2003 لمُخرجه (عزيز ميرزا)، "راج" (شاروخان) يعيش سعيداً بصحبة أصدقائه في حيّ شعبي، "برييا" (راني موكرجي) تعيش في أسرة مرتاحة مادياً، وكالعادة، يلتقيان على الرغم من الفوارق الاجتماعية بينهما، وبعد مشاحناتٍ اعتيادية، يرتاح كلٍّ منهما للآخر، ولكنّ "راج" لا يُعلن لها عن حبه، وهي التي سوف تسافر إلى اليونان؛ كي تتزوج من صديق طفولتها رجل الأعمال "سمير" (جاس أروراس)، يلحقها "راج"، ويُقنعها بالزواج منه، ولكن، تتبدل حياتهما؛ حيث يعاني من مشاكل مالية مع شركة النقل التي يعمل فيها، ويصبح فوضويّاً، وعصبي المزاج، وتصل حالتهما إلى الانفصال، ولكنه يعود إلى رُشده، ويُقنع "برييا" بأنه سوف يغيّر من نمط حياته.

تلتزم الأفلام الهندية بفكرة "أبغض الحلال عند الله الطلاق"، ويتميّز الفيلم بعلاقاته الإنسانية، وانتصاره للحبّ، حيث تُسهم كلّ الشخصيات الثانوية في التقريب بين الحبيبّين: شرطي المرور، رجل الشرطة، المتشرد، ساعي البريد، الأصدقاء، أفراد العائلة…

وينضح الفيلم بإشاراتٍ عن التسامح الديني، "برييا" بنجابية، و"راج" هندوسيّ نراه طوال الأحداث يضع حجاباً، أو مصحفاً في رقبته، أهدته له والدة أحد أصدقائه المسلمين، ويستعين به في كلّ مشكلة يتعرّض لها.

موسم الحب

فيلم (Sawaan…. The Love Season) ـ موسم الحب ـ من إنتاج عام 2006، وإخراج (ساوان كومار) يمنح القدر قداسةً عظيمة، وقانوناً يخضع له البشر على وجه الأرض، يلتقي "راج" (قابيل جعفري) صدفةً مع "كاجال" (سالوني أسواني)، ويحبها، هو يؤمن بالقدر، وهي تعتقد بأنّ الحياة صدفة، يفسّر لها بأنّ القدر هو الذي جمعهما، وما بين المُمانعة، والقبول، وبداية علاقة حب تستغرق الساعة الأولى من الفيلم، يظهر فجأةً "رجلٌ غريب" (سلمان خان) يعتبر نفسه وسيطاً، وعرافاً، في البداية، ينقذ الفتاة من موتٍ مُحقق قبل ثوانٍ من تصادم سيارتيّن، كما يخبرها بأنّ والدها سوف يموت في التاسعة مساءً، ومنذ تلك اللحظات، بدأ يثير فضولها بمعرفة ماذا يُخبئ القدر لها في المستقبل، ولكنّ "الرجل الغريب" يخبرها أخيراً بأنها سوف تموت يوم الجمعة القادم، وعليها أن تعيش كلّ ثواني حياتها قبل ذلك اليوم.

لا يصدق حبيبها هذه التنبؤات، ولا يقتنع بترهات رجل يعتبره مجنوناً، ولكن تتحقق النبوءة عندما تجري مجموعة من رجال الشرطة خلف لصٍّ، ويطلق أحدهم الرصاص، فتُصيب الفتاة، وتدخل المستشفى في حالةٍ ميؤوس منها، وتموت فعلاً، يذهب "راج" لمُلاقاة "الرجل الغريب"، وينوي قتله، ويبدو أنه ينتظر ذلك؛ لأنّ القدر، أو العناية الإلهية، تلهمه أيضاً بأنه سوف ينقذ الفتاة بموته، وبالفعل، تتحقق رؤيته، وتعود "كاجال" إلى الحياة، وينتصر الحبّ على القدر، ولكن برضا، وموافقة العناية الإلهية.

يصل هذا التجذر الدينيّ مداه عندما تصعد روح "الرجل الغريب" من جسده، تتخطى المسافات، وتمرّ في طريقها إلى الكنيسة، الجامع، ثمّ المعبد الهندوسي، حتى تصل إلى المستشفى، وتحطم زجاج نافذة الغرفة التي ترقد فيها "كاجال"، تدخل في جسدها، وتعود إلى الحياة من جديد في معجزة سينمائية مُبهجة.

لا يجب أن تموت الحبيبة، ويخرج المتفرج من الصالة حزيناً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
صلاح سرميني
مخرج وناقد سينمائي
تحميل المزيد