قراءة الروايات وإن كانت شيئاً جيداً لإزالة حالة القلق والتوتر والكآبة، إلا أنها لا تُثمر – في الغالب – في فكر الإنسان شيئاً يُذكر، بل إن حُمى الروايات المنتشرة اليوم قرينة على حالة الضعف الشديد التي وصلت إليها الأُمة، فالروايات أضر أنواع الكتابة إذا جاوزت الحد المطلوب، والإفراط في قراءتها يُؤدي إلى:
– تضييع الوقت مقابل فوائد ثقافية وفكرية فعلية أقل قيمة بكثير من الوقت المُهدر.
– ربط القارئ تدريجياً بنوع محدد من القراءة ووضع حواجز نفسية وفكرية بينه وبين الكتب العلمية والفكرية التأسيسية التي تحتاج لجُهد وممارسة ودربة في قراءتها، ومع الوقت يصعُب استيعاب المُصطلحات والتعبيرات الفكرية وطريقة عرض الكتب العلمية، وهذا أمر مُشاهد ملموس.
– تجييش العواطف والتأثير على واقع القارئ وإثارة خياله فيما لا حقيقة له، بل ما لا يُمكن أن يكون حقيقة على الإطلاق في كثير من الأحيان، بما يترتب على ذلك من أزمات نفسية وانعزال عن المجتمع وقضايا الأُمة.
– تضييع الموارد الفكرية والثقافية المُتعلقة بالتأليف والطباعة والنشر فيما لا يُساهم فعلياً في نهضة الأُمة علمياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، أو اقتصادياً أو صناعيًا بصورة مباشرة.
– ابتذال موهبة الكتابة، للتجرؤ غير المُؤهلين – في الغالب الأعم – على كتابة الروايات بأسلوب الحكايات والقصص، ومن ثمَّ إهمال الاهتمام بتنمية مهارات الكتابة الفعلية، واكتساب المعارف الفكرية، وبذل الجهد في الكتابات العلمية والفكرية التأسيسية وعدم التشجيع عليها لصالح الكتابات الأسهل جُهداً وأكثر رواجاً – الروايات – وهو أمر مشهور في أسواق الكتب.
ولذلك فقد كره أهل العلم خلفاً عن سلف الإفراط في قراءة هذا النوع من الكتب، بل ودوماً كانت مهنة القُصاص مذمومة عند السلف، ولا تُذكر في كتب التاريخ والتراجم إلا في مواضع الذم والانتقاص، بل روى خَباب بن الأَرَت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل لما هَلَكوا قَصُّوا"، أي أخلدوا إلى القصص، فكان ذلك علامة هلاكهم,
يقول د. جواد علي: "والقصص مظهر من مظاهر الفكر الجاهلي، وكان شائعاً عند الجاهليين، وبعضه ملامح يمكن إرجاعها إلى عناصر أعجمية، دينية، وغير دينية، تسرب إلى الجاهليين من اتصالهم بالأعاجم، واتصال الأعاجم بهم".
ويقول مصطفى صادق الرافعي: "ولم يكن القَصص في القرن الأول مرذولاً، ولم يكن يشوبه شيء إلا ما كانوا يسمونه بالعلم الأول، وهو ما يتعلق بأخبار الأُمم السالفة.. ولمَّا كان القرن الثاني وقد اضطربت الفتن وكثُر الكلام وفشت الأكاذيب في الحديث وفي أخبار العرب وفي الشعر، وصار همُّ القاصِّ أن يجيء بالغرائب، ويُكثر من الرقائق؛ لأن أهل العلم انصرفوا إلى حلقات الحديث، ولم يبق في حلقات القصَّاص إلا العامة وأشباههم، فمن ثمَّ ساءت المقالة فيهم، وصار القاصُّ عند أهل العلم أحمقَ مُمَخْرقاً لا يعرفونه بغير ذلك.. ولمَّا نضجت العلوم في القرن الثالث ذهب القصَّاص، وخلَفَهم الوُعّاظ من المتصوفة والزُهاد، إذ كان اسم القاصّ قد أصبح لقباً عامياً مُبتذلاً".
وحتى يُمكن ترشيد الإفراط في قراءة الروايات وإدمانها بشكل عملي، فإنه يتعين على القارئ تقليل وقت قراءته لها تدريجياً حتى لا يتجاوز الوقت المخصص لها أكثر من 10 أو 15% من الوقت المخصص لقراءته الحُرة.
كما يتعين عليه تخيّر الروايات القديمة أو التأسيسية فكرياً أو علمياً أو أدبياً، ويستطيع أيضاً التدرج في علاج إدمان قراءة الروايات من خلال إحلال بعض القراءات قريبة الشبه منها في الأسلوب الأدبي أو التعبيري الأعمق منها فكرياً وثقافياً، كالكتب الأدبية التي بها خواطر وتجارب ونظرات في الحياة، والمذكرات الذاتية، لا سيما مُذكرات الساسة والمُفكرين الكبار.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.