في ثقل الشيطان الذي يرتدي البرادا يكون ثقل ميريل ستريب في هوليوود، يلقبونها بأفضل ممثلة حية، "يعني على قيد الحياة"، وهي ليست فقط ممثلة مخضرمة؛ بل منتقدة سياسية وساخرة كبيرة من ترمب، الأمر بدأ حتى قبل الغولدن غلوب حين وضعت ميريل بودرة غامقة على بشرتها البيضاء وألحقتها بأخرى بيضاء تحت عينيها وكثفت شعرها الذهبي ليبدو كتسريحة شعر الترمب الكبير.
ألقت ميريل ستريب خطاباً عاطفياً حارقاً في حفل الغولدن غلوب، حيث انتقدت دونالد ترمب؛ لسخريته من أحد المراسلين من ذوي الاحتياجات الخاصة في حملته الانتخابية، قائلة إن ذلك يعطي ذريعة لآخرين للسير على خطاه وتقليده.
وأشارت ستريب أيضاً إلى أصول الممثلين الأميركيين المتنوعة، إيمي آدمز التي تربَّت في إيطاليا، والممثلة روث نيجا التي وُلدت بأديس أبابا في إثيوبيا، ورايان جوسلينغ من كندا، وديف باتيل الذي وُلد بكينيا، وتربى في لندن، ثم تُجمل القول: "إذن هوليوود هي نتاج عمل كثير من الأجانب، وإذا طردناهم جميعاً خارج البلاد فلن يتبقى لنا إلا مشاهدة كرة القدم أو المارشال آرت (الفنون الخاصة بالحوائط والجدران)، وهذه ليست فناً!".
في الليلة التي قبَّلت فيها ميريل ستريب جائزة سيسيل دي ميل، وهي إحدى جوائز الغولدن غلوب الفخرية، استغلت خطابها للتحدث عما سمته الأداء "الذي أذهلها"، مشيرة إلى تقليد دونالد ترمب أداء مراسل "النيويورك تايمز" سيرجيو كافولسكي.
تقول ستريب: "هناك أداء واحد أذهلني هذا العام، لقد غرس خطّافاً في قلبي، ليس لأنه كان جيداً، لا شيء جيداً حوله؛ بل لأنه أدى مهمته بكفاءة".
ترامب الذي يقول إنه على الرغم من أنه لم يسمع تصريحاتها، لم يفاجأ بكونه تعرض للنقد من قِبَل من سماهم "الليبراليون صناع الأفلام".
نعم، فميريل ستريب هي أحد الوجوه التي دافعت عن كل توجهات النخبة الحاكمة في البيت الأبيض، سواء أعجب ذلك الاشتراكيين أم لا، وسواء أعجب ذلك المكافحين في الشوارع الذين يعملون في ثلاث وظائف حتى يُلحقوا أبنائهم بالجامعة أم لا.
لكن، هذا ما أراه حين أتحدث عن الفارق بين أن ينتقد أحد المختلفين معك في الرأي شخصاً اتفق على الاختلاف عليه كلُّ الناس في المعسكرات الأخرى. فهناك يُعتقد أن هناك معايير معينة لمن يريد أن يجلس على كرسي البيت الأبيض، وترمب لن يقدم لمن انتخبوه سوى وعود متناقضة لما ينوي فعله.
لكنها لم تخرج للعلن لتقول للناس: "افرم يا ريس" و"اقفل على مصر يا ريس"، هناك حد أدنى للتطبيل!
أما في مصر الحضارة صاحبة مائة عام من السينما، فإن أكبر ممثل حي هو عادل إمام، وأهم أعماله هي في واقع الأمر كانت "تشليحاً" صريحاً وفضحاً للطبقة الحاكمة ذات المال وذات النفوذ في مصر من أول فيلم "اللعب مع الكبار"، و"الإرهاب والكباب"، و"السفارة في العمارة"، و"طيور الظلام"، و"الغول"، و"عمارة يعقوبيان".
القراءة السينمائية في تاريخ الرجل تجعلك تصدق أن وراء هذه الأفلام شخصاً ساخطاً على السلطة، يقدِّم على مدار الزمن نسخاً مختلفة من الواقع الذي يرفضه، ومن ضمنها صورة "المثال" الذي ينبغي أن تسير الأمور وفقه.
لكنَّ الحقيقة لا تعدو أن تكون القصة مجرد قراءة في سوقٍ ما "بيبع" أكثر عند الناس في الوقت الذي كان فيه سقف "المتاح" من النقد عالياً ومتاحاً، ويمكن للفنان أن يمثل فيلماً ينتقد فيه سياسات الحكومة دون المساس بالطبع بالذات الرئاسية.
لكن الرجل، صاحب قصر المنصورية، هو إمبراطورية موازية بُنيت كلُّ قيمها على قيم البيع والشراء والسوق، وتمثلت بأخلاق الحكومة والرئاسة وسكان قصر عابدين، الذين منحوا في عهدهم كل ثقل الرجل، حتى سُمح له مجازاً بأن يُسمي نفسه زعيماً، والزعماء ما زالوا على عروشهم.
القراءة السينمائية في تاريخ عادل إمام تجعلك تصدق أن وراء هذه الأفلام شخصاً ساخطاً على السلطة.
أما بعد الشبع وبعد أن تصبح "الشغلانة" مجرد وسيلة للظهور، وحتى يقال إن نبع العطاء مستمر، ولا شك في ذلك، يتطرف الرجل حد تبني "رواية" الداخلية في أحد مسلسلاته عن فتح السجون المصرية إبان ثورة 25 يناير من قِبل "حماس"، وهو أمر لو تعلمون "بليد"!
لو أن الغولدن غلوب حفل مصري وألحَّت قريحة عادل إمام على أن يخطب وُدَّ جمهوره بخطاب سياسي لشكر السيد الرئيس على إنجازاته الهائلة، ولدعا المصريين إلى أن يصبِّحوا على مصر باتنين جنيه ونص، ولكان فيلمه الجديد عن يوميات مليونير بيحب مصر بعد التعويم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.