اثنان من أهم مبادئ التربية الإيجابية ساعداني في تجربتي مع ابني الأصغر
أحمد طفلي الثالث كان عصبياً جداً، وكانت عصبيته تلك مصحوبة بتشنجات لجسده يقوم هو بها لدرجة تجعله صلباً يكاد يكسر في يدي ويصحب ذلك أيضاً بكاء شديد ربما يستمر لثلاث أو أربع ساعات.
في الفترة التي تلت ولادته، وقبل أن يكمل عامه الثاني، وهو لم يحسن الكلام بعد، ولأنه غير قادر على التعبير عن نفسه، كانت وسيلته الوحيدة هي البكاء الشديد، حتى إنه في أحد المواقف حين كنت أبدل له ملابسه رفض أن يرتدي ملابسه النظيفة رفضاً قاطعاً، وأخذ يبكي حتى أخذه والده لجدته، كي تحاول هي معه ولكنه رفض تماماً ورجع إليّ وهو ما زال يبكي حتى يئسنا أن نوقفه عن البكاء أو أن يهدأ.
كنت أحاول دائماً أن ألبّي جميع رغباته واحتياجاته، ثم ينتهي بنا الحال إلى البكاء المستمر الطويل الذي لا ينتهي، وأدرك أنه لا جدوى، فأضمه إلى صدري وأداوم على الاستغفار، وأربت على كتفيه وظهره من وقت لآخر، وأحكي معه بعض الكلمات اللطيفة، مثل: "أنت حبيبي ونور عيني"، "أنت روح ماما وقلبها".
وأحاول إلهاءه في أي شيء آخر إلى أن ينتهي هو من البكاء، ويهدأ بشكل مفاجئ لدرجة أن أمي قالت لي يوماً: لو كان عندي ابن مثل ابنك لتبرعت به لفلسطين، رغم حبها الشديد له.
عندما بدأ أحمد في تعلم الكلام، وأصبح يتقن النطق بشكل كبير، كان لايزال في عصبيته هذه أيضاً، حتى إن كل طلباته يصاحبها البكاء الشديد، بدأت أقول له إنني لا أفهمه بسبب بكائه، وإنه لا بد أن يهدأ أولاً حتى أستطيع سماعه وفهم ما يريد، وأتمكن من مساعدته.
ووضعت خطوات أعلمه بها كيف يساعد نفسه ويدير غضبه ويتعامل مع بكائه فكنت أقول:
1- خذ نفساً عميقاً.
2- جفف دموعك.
3- اسحب البكاء.
4- غيّر ملامح وجهك (وأقوم بعمل حركات بوجهي يقلدها هو وتنتهي بابتسامة جميلة).
ظللت على ذلك لشهور أكرر في كل مرة يبكي فيها نفس الخطوات.
في بداية الأمر كان يرفض ولا يستجيب حتى تقبل الخطوات وتعود على ذلك، فكنا إذا بدأ الحديث باكياً أقول له: اهدأ أولاً، نأخذ نفساً عميقاً، ونمسح الدموع ونسحب البكاء، ونغير ملامح وجهنا، فيضحك بصوت عالٍ ويهدأ بالفعل ثم يطلب ما يريد.
إن أغلب الأطفال عندما يمرون بمرحلة ما قبل الكلام يكونون أكثر عرضة للبكاء الكثير، وذلك لعدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم وعن احتياجاتهم.
وعندما يبدأ الطفل في مرحلة الكلام يكون بحاجة إلى تعلم كيفية التعبير عن احتياجاته، وكيف يطلبها بشكل طبيعي هادئ ومتزن، وهذا من أهم مبادئ التربية الإيجابية أن نعلم الطفل مهارات حياتية تمكنه من التعامل مع نفسه والعالم المحيط به.
حينما بدأت تعليم أحمد كيف يهدأ ويطلب أي شيء دون بكاء لم تكن استجابته سريعه في الفترة الأولى، وعلى عكس ذلك تماماً رفض الاستجابة، وأخذ ذلك منا وقتاً طويلاً لأيام وشهور حتى جاءت اللحظة التي تقبل فيها الفكرة وبدأ ينفذها بنفسه ويضحك عليها.
وهذا مبدأ ثانٍ من مبادئ التربية الإيجابية وهو أن يكون هدفنا في التربية طويل المدى، أي أن كل موقف نمر به مع أبنائنا ننتظر أثره على المدى البعيد؛ لأننا لسنا بحاجة لوقف السلوك الآن بقدر حاجتنا لتعليم طفلنا كيف يتعامل مع كل موقف يمر به في حياته.
أحمد طفل جميل، وكان الناس دائماً يعجبون من كثرة بكائه الهستيري، أما أنا فكنت أضمه، وأحاول تهدئته فقط، وكان هدفي وقتها أن أكون يوماً ما الشخص الذي أضاء حياته، وحول البكاء لضحك ولعب، وقد كان بفضل الله.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.