عندما يُضرب المعلمون في بلاد الإنكليز!

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/10 الساعة 11:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/10 الساعة 16:25 بتوقيت غرينتش

عندما انتقلت للدراسة في لندن، وبعد انتهاء الفصل الأول، قرر اتحاد الجامعات والكليات الإضراب! سبحان اسمك يا رب! مديرة البرنامج أخبرتنا أنها تعمل في الجامعة منذ خمس سنوات ولم تجرب قط موضوع إضراب الأكاديميين هذا! زميلاتي الصينيات وبعض الآسيويين نزل هذا الخبر بمثابة الصاعقة عليهم!

أولاً: هم لم يختبروا موضوع الإضراب من قبل! ثانياً: طلاب الجنسيات الأجنبية (غير البريطانية والأوروبية) يدفعون أقساطاً باهظة للجامعة، فمن غير المنطقي أن يخسروا أياماً من التعليم بسبب هذا الإضراب.

أما أنا فهذه المرة لديّ امتيازات، كيف لا ونحن في فلسطين تكاد لا تمر سنة بدون إضراب المعلمين أو إضراب دكاترة الجامعات أو حتى إضراب التكاسي؛ لذلك أنا لديّ مناعة جيدة للأمر!

كل جنسية هنا اهتمت بجانب من الإضراب، كلّ يغني على ليلاه.

بعض الطلاب استغربوا من فكرة الإضراب أصلاً، وكيف أنه يضر بمصالح أناس آخرين، وكيف أن المضربين لا يخافون من هؤلاء الناس، تقول لي إحداهن: ربما لأن هذا البلد ديمقراطي لا يخاف المضربون من العواقب! وكانت مستغربة جداً عندما عرفت أن هناك شيئاً في العالم اسمه إضراب سائقي الباصات!

تعجبت جداً من الحرية التي يتمتع بها المضربون بإخبارنا أنهم سيضربون في وقت المحاضرات،  أما أنا فقد كنت مستغربة من أمر آخر صراحة؛ التواصل واحترام الطلاب وإطلاعهم على كل حيثيات الأمر!

الحلقة الأولى

قبل موعد الإضراب بشهر بدأت الشائعات والأخبار أن هناك إضراباً، ولكن لم يكن هناك شيء مؤكد، ما هي إلا أيام حتى وصلتنا رسالة مهمة من رجل مهم من الـVice-President (Education) Professor، نائب رئيس التعليم في الجامعة، يقول فيها: إنه سيكون هناك إضراب من قِبل بعض الكادر التعليمي، ولكنه لا  يعرف من الذي سيشارك في الإضراب بالضبط؛ لأن ذلك حرية شخصية لهم، ومن حقهم أن لا يذكروا إذا سيشاركون في الإضراب أم لا.

حكى لنا أيضاً أن الإضراب يشمل عدداً كبيراً من جامعات بريطانيا، وأنهم يحاولون حل المشكلة حتى لا تتعطل محاضراتنا، ولكن ليس عنده معلومات إضافية، وفي حالة حصوله على معلومات جديدة سيطلعنا عليها، كما أعطانا روابط عن سبب المشكلة وسبب الإضراب من الأساس وجهودهم لحل الأزمة.

الحلقة الثانية

بروفيسور آخر من الاتحاد المضرب بعد يومين أرسل لنا بريداً إلكترونياً، يرد على ادعاءات البريد الأول ويوضح وجهة نظر الكادر المضرب وسبب الموضوع -طبعاً السبب تقليص براتب التقاعد أو شيء من هذا من 20 إلى 40 في المائة- المهم وضح لنا فيه كم هم حريصون على العملية التعليمية، ووهبوا أنفسهم للأبحاث والتعليم، وإلا كانوا عملوا بقطاع الصناعة وراتبهم فيها سيكون أعلى بكثير من راتبهم الحالي، ولكنهم عندهم رسالة سامية!

ولكن الاعتداء على راتب التقاعد سيجعل حياتهم أصعب، وطلب منا كطلاب لازم أن نستخدم مهارات التحليل المنطقي والتفكير السليم، وأن لا نستقبل أي معلومة على أنها حقيقة، ولا بد أن نبحث ونختار الصف الذي نريد أن نكون فيه.

بعد فترة غير قليلة، وصل لنا بريد من مجلس اتحاد الطلبة، كان توعوياً للغاية، وفيه روابط من أماكن كثيرة رسمية توضح لنا فيه سبب المشكلة، وعرض وجهة نظر جميع الأطراف، وفي المحصلة الاتحاد يقف مع الكادر المضرب ومع مطالبهم العادلة.

تستمر الحلقات.. ويصلنا بريد من ممثلة الطلاب في كُليتنا، والجميل بهذا البريد فيه حقوقنا كطلاب في حال استمر الإضراب، وأهمها أننا لسنا مطالبين بدراسة أي مادة لم يتم شرحها ولا تدريسها لغيرنا، ولسنا مطالبين بالمواد التي لم نأخذها خلال فترة الإضراب، لا هذا العام ولا العام الذي يليه، في حال كان هناك مواد تعتمد عليها لاحقا، كما قاموا بإنشاء مجموعة على الفيسبوك، إذا كان هناك شخص لديه سؤال عن المادة التي أخذها، وبسبب الإضراب لم يقم الدكتور بالرد عليه، في هذه الحالة يرد الطلاب الأكبر سنا: تعليم الـpeer to peer.

 

الحلقة قبل الأخيرة

الدكاترة المضربون أرسلوا لنا بريداً إلكترونياً وأخبرونا عن الأيام التي سيضربون فيها، وأنهم لن يردوا على أسئلة الطلاب، ولن يحضروا المحاضرات، يذكر أن هناك عدد من الدكاترة لم يشاركوا في الإضراب أصلاً.

 وهناك طلاب بدأوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبون فيها بتعويض مادي عن الإضراب، وحسبوا المبلغ المطلوب بدقة شديدة

 

الحلقة الأخيرة

يوم الإضراب ذهبت إلى الجامعة وتفاجأت أن الدكاترة المضربين موجودون، وكل منهم يقف أمام كليته يحمل لافتة وورقة لجمع توقيعات من الطلاب لدعمهم ودعم قضيتهم. الدكاترة فعلاً مضربون ويحتجون مع لافتات وشعارات بالبرد القارس! من الممكن أن ترى عدد من الطلاب غير مقتنعين بفكرة الإضراب اصلا يقفون ويتناقشون مع الدكاترة ويتجادلون حول نجاعة الإضراب أو لزومه، ومن الممكن ان ترى طلاب يقفون لمساندة الدكاترة وليقنعوا طلاباً آخرين بالقضية.
 
طبعاً أنا كل أساتذتي متواضعون ورائعون ولهم هيبة كبيرة، منظرهم وهم يحتجون ومعتصمون غريب جدا، ينادون على الطلاب، يتناقشون معهم، يرسلون لنا مدونات تعبر عنهم ومدى الألم الذي يعتصرهم بسبب الاضراب وامتناعهم عن التعليم.

 

 

دكاترة الـMachine Learning والـ Advanced Machine Learning يحتجون في البرد! !

أحد فصول التجربة أن اتحاد الطلبة قرر تنظيم فعالية يحضرها الطلاب والكادر التعليمي المضرب حتى نتعلم عن الإضرابات بشكل عام ونشأتها وتطورها، وهل هي مفيدة فعلاً في الضغط ومدى نجاعتها؟ الجميل ان موضوع مثل الاضراب لا يمر الأمر مرور الكرام بدون ان نتثقف او نتعلم شيئا

الطلاب هنا يدفعون أموالاً كثيرة ليتعلموا، ولذلك موضوع الإضراب حدث جلل، الدكاترة المضربون قاموا بتكليفنا بمشاريع وواجبات حتى نستغل الإضراب في حلها، وعندما نرجع نكمل المحاضرات وبهذا نقلل الضرر بالخطة الدراسية بسبب الاضراب.

 

أنا كإنسانة أتيت من رحم الانتفاضات والربيع العربي والإضرابات، أفهم الموضوع جيداً، وبالعكس أنا أقف مع الكادر التعليمي المضرب، والتعامل والسياق الذي حدث فيه الإضراب صراحة شيء يحترم للغاية،  التخطيط المسبق واحترام الآخر واحترام الطلاب لعب على وتر حساس جداً، جعلني أحترم التجربة الحالية، وأتعلم من الإضراب دروساً كثيرة أكثر من دروس الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة !

أن تكون واعياً لماذا يحدث حولك، وتعرف لماذا يحدث ذلك؟ وما رأي كل جهة؟ وما هي حقوقك؟ وما واجبك؟ وكم أنت مهم؟ ورأيك مهم لدرجة أن بإمكاننا أن نرسل بريداً إلكترونياً لرئيس الجامعة نضغط عليه، ونعلمه أننا غير راضين عن هذا الشيء.

كل هذه الدروس مهمة، وممتنة للغاية لأني أعيش هذه التجربة، وأتمنى أن تنعكس هذه التجربة في وطننا العربي، ولا يجد الطالب في يوم من الأيام محتاراً في الصباح لا يعرف هل يذهب للدوام أم لا يذهب؟ هل يوجد إضراب أم لا يوجد؟ أتمنى أن يعرف الطلاب لماذا أساتذتهم مضربون أصلاً ويكون لهم دور فاعل في دعم أي قضية عادلة تمر حولهم.

 تم نشر هذا المقال على موقع منشر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آية صوفان
طالبة ماجستير في علم البيانات
تحميل المزيد