"في الحقيقة أن الحياة كريمة مع مَن يعيش أسطورته الشخصية" قالها سانتياغو بعد أن وضع حجرَي توميم وأوريم في صندوق الكنز الذي كان ينام فوقه ولا يدري، ثم رحل بحثاً عنه إلى أقاصي الأرض هناك؛ حيث كان الموت أقرب له من رياح الصحراء.
هكذا تنتهي رواية "الخيميائي" التي أثبت فيها باولو كويلو مقدرته على الاقتراب من أكثر الأشياء التي تلامس مشاعر الإنسان.. الحلم، إن الحديث عن الأسطورة الشخصية الذي كان المحور الأساسي للرواية من الناحية النفسية كان يجبر خيال القارئ على التحليق إلى ما وراء الحلم الشخصي، وربما إلى لحظات العجز التي يمر بها كل شخص في مرحلة من مراحل السير نحو الهدف!
صدق سانتياغو حلمه، وذهب إليه بانصياع كلّي، ومضى في رحلة غريبة ومضنية لا تخلو من المخاطر، ومع أنه فكّر كثيراً بالتراجع والعودة لأغنامه، فإنه دائماً ما وجد مَن يساعده على تحقيقه، كالخيميائي الذي عبر به الصحراء حتى وصل للأهرامات التي ما إن بدأ يحفر عندها بحثاً عن الكنز، حتى هجم عليه بعض اللصوص، وهزأوا منه ومن حلمه، وقال له أحدهم إنه أيضاً حلم أنه وجد كنزاً في كنيسة بإسبانيا؛ ليجد بذلك مفتاح اللغز، ويعود بحثاً عن كنزه، وقبلها كان قد عثر على الحب الذي قرر أن يعود إليه بعد أن يستخرج كنزه، وبذلك تنتهي الرواية بتحقيق الحلم والعثور على الكنز.
حين نقرأ فإننا نعيش في مكان آخر ونعيش حياة أناس آخرين، والروايات ليست مجرد سرد وحروف وجُمل يوردها كاتبها، إنها فلسفته في الحياة، والخيميائي لـ"باولو كويلو" تبحر بالحكمة التي تفلسف الأشياء وتدفعنا لتأملها بشكل يساعدنا على الانسجام معها وفهم كنهها، إنها رواية رمزية تدور حول قصة الراعي الشاب سانتياغو في رحلته لتحقيق حلمه الذي تكرر أكثر من مرة، وتدور أحداثه حول كنز مدفون في الأهرامات بمصر، ووراء هذا الحلم ذهب سانتياغو ليقابل في رحلته الإثارة، المغامرة، الفرص، الذل، الحب والحظ، ويفهم الحياة من منظور آخر، روح الكون.
وكذلك مفهوم الأسطورة الشخصية الذي سمعه سانتياغو من ملك سالم "القدس"، الذي قال له: "هي ما تمنيت دائماً أن تفعله. كل منا يعرف في مستهل شبابه ما هي أسطورته الشخصية، ثم يشرح ما قاله"… لأن هناك حقيقة كبيرة في هذا العالم: فأياً كنت ومهما كان ما تفعله، فإنك عندما تريد شيئاً بإخلاص، تولد هذه الرغبة في روح العالم، تلك هي رسالتك على الأرض ويخبر الملك سانتياغو بأهمية الطوالع في رحلته أو في حياته لإدراك كل فرد لأسطورته الشخصية، فكرة الرواية ترتبط بالفلسفة الوجودية، الإنسان الذي تعبر تساؤلاته عن حيرته، إنها رواية فلسفية بامتياز، وتأتي الحكمة كشكل يميز هذا العمل الأدبي عن الأعمال الأدبية الأخرى.
الرواية تنتهي في المكان الذي بدأت منه، ما يدل على أن الذي نبحث عنه قد يكون بين أيدينا تحت أقدامنا كما هو كنز الراعي، ولكننا لا نرى ذلك، لقد شغل الحلم فكر راعينا واجتهد في تفسيره، وهي رسالة ضمنها الكاتب وكأنه يقول لنا إننا يجب أن نلاحق أحلامنا، أو كما يسمّيها أسطورتنا الشخصية، وأن نحاول أن ننفخ الروح في هذه الأحلام؛ لتتجسد في واقعنا، إن للعالم روحاً وإننا جميعاً جزء من روح العالم، وهي روح ترى وتسمع وتقرر وتسير وتدير كل شيء، ولها لغة تخاطبنا بها هي لغة العالم أو الكون وتأتينا عن طريق إشارات تواجهنا في الحياة، فالأمر على حقيقته محاولة لترسيخ مفاهيم الوعي الداخلي بطاقة الإنسان وإمكاناته اللامحدودة، وإشعال القدرة على معرفة أسرار الذات، والانطلاق من الداخل لتحقيق الحلم الذاتي، وهزيمة كل العقبات لتحقيق الأسطورة الذاتية، بمساعدة كل القوى الخارجية التي ستسخر ذاتها لمساعدة الحالم في تحقيق حلمه.
لقد عمد باولو كويلو، الذي جعل ملايين القراء يحلمون، إلى صنع خلطته الفكرية من حكم المفكرين، وأوصلها إلينا ببساطة أكبر وراديكالية أقل، كأن يقول لنا مثلاً: إذا أردت شيئاً ما فالكون كله مسخَّر لخدمتك ومتاح لتحقيق رغبتك، كذلك قوله: أياً كان فعله فكل امرئ على وجه الأرض له دوره الأساسي في تاريخ العالم، إذ لا يمكن لهذا الشخص إلا أن يصل إلى الشهرة، وخاصة عندما يتوجه إلى قرائه بأن لرغبتهم قوة كبيرة وأنهم مركز لهذا الكون.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.