هل “المنايفة” بُخلاء حقاً؟.. ما يفعله “التريند” بعقول الناس

عدد القراءات
3,914
عربي بوست
تم النشر: 2018/04/09 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/09 الساعة 06:38 بتوقيت غرينتش
Two Arab men at an ahwa, or coffee house, in Port Said, Egypt. The one is holding a waterpipe, or shisha.

هل تشعر أن يوم الثلاثاء يوم طويل، يمر ببطء ورتابة كريهين، وطوله يضاهي جبل إيفرست، فهو يوم وسط الأسبوع ليس في أوله فنكون بكامل قوتنا، ولا بآخره فنسعد لأننا سننال الراحة، أليس كذلك؟!

لكن في الحقيقة، أُحب أن أقول لك: إن هذا شعور خاطئ، أو على الأقل هو شعور متضخّم ومبالغ فيه عندك.

منذ سنوات وفي عدد من مواقع التواصل الاجتماعي ظهر هذا القول عن يوم الثلاثاء، فجأة أصبح الشائع والمنتشر -أو التريند- أن الثلاثاء يوم طويل للغاية، لماذا؟! لأنه يوم الثلاثاء بالطبع، ألم تسمع الجميع يقول ذلك، الم ترَ المنادين يجوبون القرى والنجوع يعلنون الخبر الأكيد.

اللعبة النفسية معروفة، الجميع يقولون ذلك فهو أكيد، لا أريد أن أكون مختلفاً أو شاذاً عن رأيهم، لكن هذا انطباعي عن اليوم، لا يهم أتريدنا أن نتخلف عن القطيع؟!

الغريب أننا لم نسمع من قبل أحداً يشتكي من يوم الثلاثاء بمثل هذه الغزارة، يوم الثلاثاء بالنسبة إليّ يوم عادي للغاية، بل إنني أكره يوم الإثنين لزحمته غير المبررة في جميع الطرق بلا استثناء، كل هذه الأشياء أمور شخصية لا جمعية يجب على كل فرد أن يتبعها، كل حسب حياته الخاصة، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل وصل حد تغيير نظرة الناس لحياتهم؛ ليتوافق مع التريند الحالي وكل تريند.

تريند جلد الذات

في حلقة لبرنامج خواطر لأحمد الشقيري، كان يجري تجربة مصوّرة عن مدى الأمانة في المجتمع العربي، فقرر أن يضع صندوقاً في أتوبيس للنقل العام بالقاهرة، وبدلاً من أن يمر كُمسري -الشخص الذي يُحصّل التذاكر- يدفع له الناس، سيدفعون هم بإرادتهم في الصندوق.

ولمن لا يعرف الأتوبيس في القاهرة هو علبة متحركة دائماً، مزدحم يصعد وينزل الناس فيه باستمرار، حتى إن الكمسري يسأل مرات عدة عمن دفع لكثرة الوجوه المتغيرة التي يلقاها، إذاً لا يوجد رقيب عليك، ولن يلحظ أحد من دفع ومن لم يدفع، لهو أمر مغرٍ لأي وغد يحترم نفسه.

لكن النتيجة جاءت مفاجئة للتوقعات التي قالها الراكبون أنفسهم عن التجربة، ففي واقع الأمر أن نسبة 97% من الناس دفعوا في الصندوق دون أن يسألوا ولا أن يراقبهم أحد، 97% من الناس اختاروا أن يكونوا أمناء أمام أنفسهم قبل غيرهم.

أكثر ما لفت نظري في هذه التجربة ليست النتيجة، بل سيدة جاوبت حين سُئلت عن توقعها للنتيجة: "لا ما حدش هيدفع".

يشير لها أحمد الشقيري للصندوق ويقول: الصندوق مليان الناس دفعت.

تصر السيدة على أن ذلك غير صحيح بلهجة ضاحكة، أتريدني أن أصدق عيني وأكذب التريند السائد، بالتأكيد نحن قوم من الأوغاد الذين لا يتصفون إلا بالحمق وقلة الأمانة، الموت لنا، وليحيا التريند.

المنوفية

ومن قِبل مواقع التواصل الاجتماعي كانت هناك "تريندات" منتشرة ومتأصلة في العقل الجمعي للمصريين، مثل أن الصعايدة أغبياء والفلاحون جهلاء، وهي أشياء تنمّ عن عنصرية شديدة، وكل يوم تثبت خطأها الفادح وتؤصل التعميم الظالم فينا.

وهناك تريند أشبه بالاعتقاد الديني أن محافظة المنوفية لا تحوي إلا البخلاء، والكثير ممن رأيتهم يرددون هذا القول لم يقابلوا منوفياً واحداً.

ما شدّ انتباهي لذلك، خبر قرأته في رمضان السابق، عن قطار تعطل أمام قرية بالمنوفية، وقد اقترب أذان المغرب، وهم لا يملكون الطعام الكافي لهم بعد سفر مجهد وتعطّل مفاجئ.

فقامت تلك القرية بإطعام ركاب القطر بأكمله وإفطارهم جميعاً، وهو فعل ينم عن طبع كريم وسخي للغاية، الغريب أن كل التعليقات على هذا الخبر كانت تحوي سخرية للمنايفة شديدة ومجحفة مثل "أنهم وضعوا منوم بالطعام وسرقوا القطار".

لم يأخذ أحدهم بُرهة ليغير فكرته عنهم بواقعة حقيقية واضحة حتى للذي تراكمت عليه غمائم التريند فأغشيت عقله، لا أحد يتريث، لا أحد يفكر، الكل في مؤخرة التيرند يسير.

خلاصة القول:

إن كل موضوع يصبح شائعاً ومنتشراً بين الناس، عليك أن تقف لحظةً وتفند ما تسمع، فليس المهم أن تكون داخل أو خارج صندوق العقل الجمعي، المهم أن تفكر لماذا ستكون داخل أو خارج الصندوق؟

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسن الشواف
مدون مصري
تحميل المزيد