حين بدأت في كتابة هذا المقال، على الفور فتحت القاموس لأعرف المعنى الذي توحي به هذه الكلمة القبيحة.
"ن د ل" في أصلها الثلاثي "ندل"، وهل هي بالدال أم بالذال يا ترى؟
لن تفرق كثيراً، وإذا كنت أريد أن أعرف المعنى فلماذا وأنا أعيشه مع تجارب حياتيه كثيرة؛ بل تكاد تكون يومية؟
ففي كثير من الأحيان، نلجأ إلى فهم صفات بشرية كثيرة في بداية حياتنا، ولكن مع مرور عجلة الزمن نعيشها كطقس حياة، وتكون لدينا مناعة تجاهها أقوى من المضاد الحيوي.
العجيب أن هذا "الندل" أو هذه "الندلة" هو استمرار تاريخي لسلسال مستمر من فئة بعينها أشعر بأن أصلهم فعلاً قرد وليس ذلك الإنسان الذي كرَّمه الله؛ بل إن القرد أرقى بكثير منهم.
أخذت نَفَساً عميقاً من الدخان وشربت فنجان القهوة المُعَد بطريقة محكمة؛ لأخرج للناس تلك الصفات، لتكون على رأيي المتواضع والتي أحب أن أسميها لتكون بحثاً صغيراً أو بداية لدراسات مثلاً في المستقبل لفقه جديد نحتاجه جداً، هو "فقه التعرف على الندالة في القرن الـ21".
جلست أقرأ في الأصل الثلاثي، ولكن بالفعل القاموس لم يقدم لي تعريفاً جامعاً مانعاً كما يقول علماء الفقه، ولكن، بدأتْ -والحمد لله- أشباح "الأندال" تظهر من هنا وهناك، وها أنا أفضحهم لكم، ليس بالتأكيد أسماؤهم؛ لأنني أحترم خصوصيتهم، ولكن لنعرف من هو الندل يا سادة.
إليك الصفات
هو شخص مَلمسه ناعم حين يدرك مصلحته جيداً
تراه أنعم من سعاد حسني وأحلى صوتاً من العندليب حين يريد شيئاً. ولكن للغرابة في الأمر، فإن تلك النعومة لا تنطلي عليك نهائياً ولا تستسيغها بالفطرة، وتكتشفها فوراً، ولكن تعمل نفسك "مش واخد بالك"، على قول المصريين.
يدّعي حبك دوماً.
في عُرف الكذب، أو طبقاً لمقولة جوبلز "اكذب ثم اكذب"، ولكن ليس حتى يصدقك الناس وإنما حتى تصدّق أنت نفسك، فتجد الندل كثير الكلام عن شهامته ووقوفه بجوار الآخرين، فهو حلو المنطق جداً.
الندل حقود بمعنى إذا تعرفت على شخص ولم تكتشف أنه ندل فأجعله يتحدث عن الناس حولك.. اترك له الباب وراقب كيف يرى، نعم، الناس.. ستجده دائماً ينقم على الناس، حين ترى نقمته على غيرك فتأكد أنك أيضاً ضمن القائمة.
الندل لا يحب أهله ودائم الشكوى منهم، وهذه صفة ملاصقة بهم جميعاً؛ بل هي علامة بارزة في ندالته، تجده لا يعرف أهله إلا في المصائب ولا يقدم لهم شيئاً، وإذا أحببت أن أضع الصفة الأولى لهم جميعاً فهذه هي سيدة صفات السادة الأندال، ولك أن تحرك عقلك لشخص لا يحب أهله هل سيحبك أنت أيها المخدوع!
الندل شكّاء بكّاء دائماً يشتكي الحال، لا يحمد الله أبداً على حاله، وهي صفة مهمة جداً للندل؛ لأن الحمد يُخرجه من القائمة، ولكن هذه -كما يقولون- صفة ملازمة للندل في كل مراحل حياته التاريخية.
الندل فاقد للذاكرة؛ مع الفضل دائماً ينسى أي معروف، وهم تقريباً لا يتذكرون شيئاً، يعيش يومه يومه، لا يقدر حتى أبسط الأشياء وإلا لما كان ندلاً.
انظر حولك حين تأتيك نعمة، بالتأكيد ليس كل الموجودين أندالاً، ولكن بمجرد أن تجد شخصاً كان مختفياً عنك ثم ظهر فجأة مع النعمة، فهذا -يا سيدي- كبير الأندال، احذره جيداً؛ لأن هؤلاء هم أخطر فئة تأتي مع النعم وتغيب معها.
الندل بخيل جداً وإلا لما كان ندلاً معترفاً به في سوق الندالة، يخشى على ماله جداً، ويراقب أحوالك؛ فإذا شعر بقرب حاجتك منه اختفى تحت أي مبرر، فتعرّف جيداً على كرمه من بخله قبل أن تصاحبه؛ لأنه لا يستحق أن يكون صديقاً.
الندل شخص بارد؛ أي لا يشعر بحاجة الناس، أو كما يقولون في علم النفس "استجابته بطيئة"؛ أي حين تطلب منه طلباً تأتيك الإجابة بعد عام أو عامين" على أقل تقدير!
الندل مصفق جيد، أو كما يقول الشوام "ماسح جوخ"، يعرف جيداً من أين تُؤكل الكتف؟ ويقدّر تماماً الطريق السريع ويحترمه.
انظر إلى أقرب الناس له، فلن تجده إلا مصاحباً لمثله، فالطيور على أشكالها تقع، ويا سبحان الله كل ندل للندل قريب!
راقِبه بعد أن يطلب منك طلباً؛ فإذا وجدته مستمراً في علاقته معك بعد رفضك طلبه، فتأكد أنه ابن حلال، أما إذا غاب، فاعرف أنه كبيرهم الذي علمهم فنّ الندالة.
أول القافزين من السفن قبل غرقها، وأول الملتحقين بها بعد سلامتها.
صدور الأندال تضيق دائماً مع النقد، يحبون ويطربون جداً لسماع بطولاتهم الزائفة.
ليس صاحب قضية يقاتل من أجلها؛ بل دائماً قضيته الوحيدة والواحدة هي المنفعة، أو يعيش في الحياة بمنطق "السبوبة"، ولا يعرفون الحب في الله أو الحب الخالص من أي منفعة.
بالتأكيد، القائمة تطول، فليس أقبح من هذه الصفات أن تلصق بك، ولكن نحن لسنا ملائكة، وهذا هو لبّ الموضوع.
فلنحاول جميعاً أن نعْبر تلك الصفات، وأنا في بداية الحديث أوجّهه لنفسي قبل أي قارئ؛ حتى نصل إلى الإنسان الجدع الشهم الذي غاب فعلاً هذه الأيام مع غياب أشياء كثيرة، ودمتم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.