هذه الجملة تكاد تسمعها على لسان أغلب النساء في الجلسات النسائية، والتي يخيَّل إليك للوهلة الأولى أن المقصود بها هو إحضار وسيلة ترفيهية ما لقتل ملل وفراغ السيدة التي وُجِّهت إليها، والتي تهز باقي نساء الجلسة رؤوسهن موافقةً ومباركةً لها، صدِّق أو لا تصدق، إنها تشير إلى "إنجاب طفل"!
أقف أنا مشدوهة مندهشةً من هول الصدمة، وكأنني تناولت في فنجان الشاي العقار الذي أدخلني فجأة إلى بلاد العجائب، فكيف يُضحي قرار إنجاب طفل إلى هذا العالم وسيلةً للتسلية، إنه تماماً كأن تقول إحداهن: عندما ينتهي هذا المسلسل التركي المدبلج عليَّ أن أبحث عن مسلسلٍ آخر، أو أنجب طفلاً!
أنا لا أتخيل شكل العالم الذي سيكبر فيه ابني إذا كانت هذه هي الطريقة التي تفكر بها صانعات الجيل، الأمهات! وأنا لا ادّعي الفضل، ولا أتحدث من برجي العالي، لكنني على الأقل ما زلت أمتلك الحد الأدنى من المنطق؛ لأشعر بأن هذه الجملة مزعجة ومؤذية، ويجب ألا تكون في أي حال من الأحوال سبباً لجلب إنسان من لحم ودم وروح وكتلة عواطف معقدة إلى هذا العالم البغيض.
فمن شدة صعوبة الأمومة ومسؤوليات الإنجاب، أنا لا أستطيع تخيُّل كيف استطاعت أمي -مثلاً- أن تنجب 7 أطفال، أحدهم يعاني وضعاً صحياً خاصاً، لتحولنا جميعاً إلى بالغين على قدرٍ من المسؤولية والتعليم.
أنا أغوص في دوامةٍ من القلق والخوف كلما أدركت حقيقة أنني ما زلت أنا وصغيري الوحيد، في أول الطريق، وأن أمامي طريقاً متعباً وشائكاً ويحتاج مني كل وقتي وصحتي وجهدي ومثابرتي الدائمة حتى أحقق أبسط مستوى من مستويات التربية السليمة السوية التي يستحقها ابني، ولن أفكر في جلب إنسان آخر حتى أستطيع أن أرى بالأدلة الملموسة أنني أمٌ مؤهلة؛ لأن أتحمل مسؤولية طفلٍ آخر.
فالتربية متعبة وشاقة، ومشكلتها أنها لا تأتي مع "دليل استخدام" أو كتابٍ توضيحي يرشدك ويكون مرجعاً لك في كل المواقف التربوية المختلفة، وكيف تتصرف عند أي أزمة حتى تنتج في النهاية إنساناً سوّياً لا معطوباً نفسياً أو صحياً، وتستطيع فقط بميزان العقل والمنطق أن تقرر أيّ الضررين أقل حينما يعصف بك موقفٌ ضبابيّ وأنت قابع وحدك في زاويةٍ معدومة الرؤية.
أن تنجب طفلاً، يعني أن تتخلى عن هواياتك وفراغك ونومك وعافيتك وراحتك وتقدِّمها جميعاً لذلك الإنسان الذي أحضرتَه بنفسك إلى هذه الحياة، أن تكوني أماً يعني أن تكوني بالاضافة لما تحمله الأمومة من مسؤولية، صديقة ومعلمة وطبيبةً وبهلواناً وصانع ألعاب، وكل مهنة أخرى قد تتطلبها احتياجات أطفالك.
أن تكوني أماً يعني أنه وعلى اختلاف مستوى الثقافة والوعي والإدراك لديكِ، ألا تفكري -ولا بأي حال من الأحوال- في أنّ دافع إنجاب طفل هو ملء الفراغ و"التسلية"، الجملة مزعجة حتى لو قيلت على سبيل المجاز.
وفي النهاية، عزيزي القارئ الذي لم يزر بلاد العجائب بعد، إليك بعض الأمثلة التي يجب أن نكرمها بالذكر لبعض الجمل التي تقال كدافعٍ للإنجاب في الجلسات النسائية:
"جيبوا له/لها أخ يتسلى معه" – "جيبوا له/لها أخت" – "جيبي الصبي، لازم تجيبي الصبي!" – "جيبي بنت، البنات حناين" – "جيبيهم ورا بعض علشان ترتاحي بعدين" – "اربطي زوجك بكمان ولد لا يتطلع هون ولا هون" – "سلفتك حامل، احملي انتي كمان لا تاخد هيي الدلال كله" – "احملي لا يحكوا فلانة أبصر مالها ما بتخلف".
"هاي فلانة حامل، احملي!" – "جيبي كمان واحد علشان ابنك/بنتك يبطل دلع ودلال" – "جيبي كمان واحد علشان ابنك/بنتك يتعلم المسؤولية" – "جيبي كمان واحد قبل الثلاثين، بعديها بصير الحمل صعب وبدو علاج" – "جيبي كمان واحد بلكي مشاكلك مع زوجك انحلت"، وهكذا..
في النهاية، كل عام وجميع الأمهات المثقفات الواعيات العاقلات المسؤولات المثابرات المناضلات بكل خير.
تم نشر هذه المقالة على موقع منشر
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.