أتحدث من تجربتي الشخصية: متى نكون مسؤلين عما نتعرض له من تحرّش؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/06 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/06 الساعة 16:34 بتوقيت غرينتش
Abusive boss harassing a female colleague in the office while she looks uncomfortable and upset

منذ أيام قامت هوليوود ولم تقعد بعد على فضيحة أحد المنتجين الكبار في قضايا تحرش مع نجمات، بدا وكأن عالم هوليوود مبني على التقوى وحسن الاخلاق. ولم يكن هناك حاجة للتفكر كثيراً، فعالم هوليوود شبيه بعالم السياسة، فيبدو أن زمن هذا السفيه قد انتهى، فصار وقت التخلّص منه بفضيحة تاريخه المليء بأفعال مثلها. والأمثلة كثيرة على سقوط شخوص من عروش السلطة بسبب قضية كهذه، فما حصل برئيس إسرائيل مثل ضمن أمثلة كثر.

وقبل الخوض بموضوع المنتج تساءلت حينها: كم من الظلم يقع على الممثلة التي تحاول إيجاد فرصة للنجومية؟ وهل خضوعها أو سكوتها في حينه يُبرئها؟ وما الذي يسكتها كل هذا الوقت لتخرج وتعترف؟

وكم كان من الصعب على شابة مرؤوسة من قِبل وزير أو ضابط صار رئيس دولة بالخروج إلى الملأ لمحاسبته؟

والبحث عن جواب لا يحتاج إلى الكثير من التفكير، فالضحية كالخروف الذي تقع رقبته تحت حد السكين، فقط ينجو عندما ينجو بالفعل بحياته، ولكن علينا التوقف للحظات أمام مساءلة حقيقية أمام أنفسنا نحن معشر النساء، متى بدأت المرأة منا بكونها الضحية ومتى انتهت إلى أن تكون الجلاد؟

هل يصبح الرجل متحرشاً بمجرد أن تقرر المرأة أن تحجّم عملية الملامسة التي يود الرجل أن تنتهي إلى جماع؟

في كل لحظة تمر من حياة النساء على هذا الكون يتم التعرض لأنثى، الاغتصابات التي نسمع عنها بالهند تقشعر لها الأبدان، ما يتم تداوله من اغتصابات علنية في حافلات وفي أماكن عامة في مدن كالجزائر حيواني بجدارة، ما يحصل وراء أبواب المؤسسات المختلفة بشتى أشكالها وأحجامها مخجل في كل مرة نرى كيف يتم استخدام السلطة على الموظفة، ما يحصل في جامعاتنا وما يدور في أروقة المدارس، قضية يجب مواجهتها دائماً وبحسم ومع الأسف مسكوت عنها دائماً.

ولكن هل  تقع المسؤولية بالمطلق على الرجل؟

هل تبدأ المسؤولية وتنتهي بقول "لا"؟

هل بالفعل تتحمل المرأة مسؤولية لباسها كما يحدث في بلاد العالم الذكوري كما في السعودية كحد أقصى لمجرد شكلها الأنثوي يظهر، وكما يحدث بهامش حياة المرأة المصرية كما رأينا في قضية المرأة التي تم صفعها من قِبل متحرش قبل سنتين وقام مؤخراً بالتعدي عليها وإيذائها؟

هل تتساوى هكذا امرأة بمسؤوليتها كما تتساوى امرأة في ملهى ليلي عارية الملبس تتراقص وتتمايل وتسعى إلى اللمس، وتُسهم به، أو امرأة تذهب مع رجل تعرف تمام المعرفة بأن نيته تجاهها ليست نية طيبة، وتدخل إلى بيته أو تمشي إلى مرقده بعيون غازية؟

بين المثالين تضيع قضية المرأة الضحية، فتتساوى الضحايا كما يتساوى الجلاد.

لا يوجد أدنى شك أننا نعيش في مجتمعات سلطوية تعزز سطوة الرجل، وتبدأ المسؤولية في تنشئتنا كأمهات لأبنائنا الذكور، وكذلك الإناث، كم نربي بناتنا على ألا يكن ضحايا؟ وكم نربي أبناءنا على ألا يكونوا جلادين؟

كم منا تربي بنتها على أن جسدها مسؤولية؟ وكم منا يربي ابنه على أن العبث ليس بالرجولة؟

وتكبر هذه المسؤولية معنا كنساء بالغات راشدات؛ لأن منا مَن هن قادرات على الوقوف أمام أنفسهن والرجل أياً كان، وصدّه قبل أن يفكر بالمحاولة، ومنا مَن لا يستطعن حتى الدفاع عن أنفسهن أمام متحرش قد يكون أقرب لها من وريدها.

وفي الحالتين الموضوع ليس بالسهل؛ لأنه وبالعادة ذلك المتحرش رجل قريب، تستأمنه المرأة، فالصديق والقريب والزميل رجال تأمن المرأة لهم في مجال حراكها، وتكون الصدمة في أغلب الحالات هناك، ومن أجل هذا تسكت ربما المرأة؛ لأن الحرج ليس مجرد حدث عابر، بل مع شخص عليها التعامل معه أو تعاملت معه عن قرب، تصبح مسؤولة عما بدر منه ولو لم يصدر منها أي إشارة أو تصرّف، إلا أنه بجبروته يظن أنه لا يمكن صدّه؛ لأنه تربّى على أن يكون الجبار.

هل تتكلم المرأة أم تسكت؟

فكلامها فضيحة، وسكوتها مشاركة بجريمة ستتعرض لها أخرى.

وبين هذا وذاك تبقى حقيقة واحدة تجعلنا نتخلص من انتهاكات كهذه إذا ما قررنا التعامل مع أنفسنا بصدق أولاً كنساء.

وقد أقدم شهادتي على نفسي كمحاولة في تحمل مسؤولية ما يجري، فبالرغم من ضعفنا لمجرد وجودنا ضمن سلطة أبوية محكمة، وهذا لا يتعلق أو يقتصر بمجتمعاتنا هذه، بل بكل العالم، فإن مساهمتنا جزء من هذا الانتهاك، سواء بالسكوت أو السماح.

أعترف بأنني تعرضت لمحاولات متعددة للتحرش في سنوات عملي؛ لمجرد كوني امرأة "منفتحة"، "غير محجبة"، "مطلقة" طبعاً. ووجدت نفسي في أحيان أسكت، وفي أحيان أستكين كقطة بلا مخالب، إلا أنني لم أسمح أبداً لأحد بالمساس بي وحتى لمس شعرة منّي في مواقف كهذه، لسبب واضح بالنسبة لي؛ لأن كوني منفتحة وغير محجبة ومطلقة لا يقلل منّي بل يزيدني إصراراً على كوني من أنا، وبالتالي لم تفلح أي محاولة بأن تخرج من نفس صاحبها، إلا أنها وبلا شك أثرت بي وخدشتني؛ بل أكثر عشت في لحظات كثيرة خوف لقمة العيش وخوف اتهامات المجتمع.

إلا أنني وفي المقابل وفي مواضع أخرى خارجة عن إطار العمل وبما يندرج تحت حياتي الشخصية، كنت متهورة في موقف بخروج ومجموعة ذات مساء، وكنت على علم بأن أحدهم كان يريد التقرب منّي لغرض بنفسه، ولأن ذاك الشخص صاحب منصب ومكانة ما، قبلت بتلك "الخروجة " ومجموعة من الرفاق. في اللحظة التي حاول بها ذلك الرجل التحرش بي شعرت بالإهانة، وللحق، لم أشعر بالإهانة منه بقدر ما شعرتها من نفسي؛ لأنني كنت أعرف أن نظرته وما يريده منّي لم يكن ما أردته منه، وتغاضيت عن هذا وخرجت، وكأنني متحكمة بالوضع.

بالمحصلة كان مجرد قبولي الدعوة إشارة له بقبولي، وعلى الرغم من تصرفي اللبق وتأكدي أنني لم أضع نفسي في موقف محرج، فإنه لم يرَ ذلك. ومجرد محاولته بلمسي والتي لحسن حظّي لم تحصل، ليس لأنني قوية، ولكن لكوني ضمن مجموعة استطعت "الاختباء" وسط الجموع لأتحاشاه حتى أصل إلى بيتي.

للحظة فكرت أن أخرج من هذا الموقف بلومه وسبّه وصب غضبي على معشر الرجال الذين لا يفهمون أبداً ما تريده المرأة، ولا يرون إلا ما تناديهم به غريزتهم.

إلا أنني  راجعت نفسي في لحظة تالية ولم أستطع إلا لوم نفسي على ذاك الموقف، ليس لأنني أردت جلد الضحية بداخلي، ولكن لأنني بلا أدنى شك كنت مسؤولة عن وجودي بمكان لا يناسبني مع شخص كنت على علم بعدم حُسن نيّته في هذا الصدد.

ومن هنا أنهي كما بدأت بسؤال: متى تبدأ مسؤوليتنا تجاه ما نتعرض له من تحرّش وانتهاك؟ ومتى يتوجَّب علينا التصدّي لانتهاك كهذا أو تحرُّش؟

 

رأي اليوم

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
نادية حرحش
كاتبة وباحثة
تحميل المزيد